وهو من مواليد النجف الاشرف عام ۱۲۸٥ هـ المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي انصافاً من منارات الصادقين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ونفهم قيمة هذا الرجل من خلال جهاده بلسانه وقلمه وعطاءاته المختلفة ولياقاته ومواهبه، هذا القطب الاعظم خدم الشريعة بل خدم الانسانية بكاملها.
وذكر المؤرخون الذين كتبوا عنه اكثر من سبعة او ثمانية مصادر كتبت عن سيرة هذا الرجل وعظمته يذكرون بأنه لعب دوراً رائداً في كفاح الماديين والنزعات الالحادية التي بدت تطل على العالم الاسلامي في منتصف القرن التاسع عشر او ما قبله وكادت ان تأتي ثمارها واكلها لولا جهاد علماءنا الاعلام وعلماء الامامية بالخصوص العناصر الفاعلة ميدانياً مثل المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي، لعب دوراً كبيراً ومقاومة خرافات الماديين، والنزعات الالحادية واسكت كل ادعاءاتهم المضللة بقدراته وانه كان اولاً يلم باللغات المختلفة وهذا شئ نادر، كان ملم باللغات مثل العبرية والانجليزية واطلع على الاناجيل والتوارة ووقف على ما احدثوه الاكيروس هؤلاء رجال الكنائس والصوامع في التلاعب في كتب السماء فكان يكتشف البشارات التي وردت في الاناجيل والتوراة عن نبوة النبي وصفاته وبعثته وهؤلاء رغم ما لعبوا وغيروا وبدلوا واضافوا واحذفوا لكن فلتت سبحان الله من ايديهم ومن شيطنتهم بعض الفلتات ان بقت بعض البشارات موجودة واكتشفها المرحوم البلاغي ودونها في كتبه وطبعاً المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغيعبد الله ذكر له المؤرخون او من ترجموه اكثر من خمسة وثلاثين مؤلفاً ولكنني سمعت من اساتذتنا الكبار ان له تأليفات وتصانيف لم تزل موجودة ومخطوطة ولا نعرف مصيرها والى اين انتهت، لكن المؤلفات التي طبعت من اشهرها مثلاً تفسير آلاء الرحمن كذلك له كتاب شيق ومشهور وفاعل في الساحة هو الرحلة المدرسية، او ما اشتهر به في وقته بالمدرسة السيارة، ثلاثة اجزاء واقعاً هذا الكتاب، كنت ابن سبع او ثمان سنوات في النجف وكان هذا الكتاب اسمه يتردد على الالسن وموضع حديث المجالس والمحافل والمكتبات وكنت اسمع وانا في ذلك المستوى من السن من اهل المعرفة والعلم على ان قراءة هذا الكتاب «الرحلة المدرسية» مرة واحدة لاتكفي ولامرتين ولاعشرة ولكن من يقرأه ويفهمه جداً يتخرج عالم لانه مادة كاملة لدراسات شبه دورة لعدة سنوات في الكلية او في بعض الاكاديميات لذلك كان يسمى هذا الكتاب بالمدرسة السيارة، كما ان له كتاب ايضاً مشهور ورائع وهو كتاب الهدى الى دين المصطفى وهذا الكتاب رد فيه على اباطيل بعض المبشرين للنصرانية واليهودية وقلت سمعت ان له كتب خطية ما طبعت نسأل الله ان يصونها من غارات الاعداء، كما ان هذا العالم الكبير كان شاعراً فحلاً وينظم الشعر بغزارة وقد رأيت له قصيدة رائعة تشتمل على مئة واثني عشر بيتاً نظمها جواباً على اسئلة واستيضاحات وردته حول الامام المهدي(ع) وطبعاً يخاطب الائمة(ع) او يصف اهل البيت يقول:
انست بهم سهل القفار ووعرها
فما راعني منهن سهل ولا وعر
فكم في ينابيع المودة منهلاً
نميراً به يشفى لواردها الصدر
طبعاً يشير الى مصدر من مصادر الجمهور المهمة وهو كتاب ينابيع المودة للقندوزي البلخي وما اورد فيه من نصوص في فضائل اهل البيت وعظمتهم، على كل يستمر المرحوم البلاغي في قصيدته لمعالجة الشكوك او الامور الغيبية التي تكتنف مسألة اختفاء الامام المهدي(ع) فيقول:
ولم ادر لم انكرت كون اختفاءه
بأمر الذي يعيا بحكمته الفكر
فدونك امر الانبياء مالقوا ففيه
لذي العينين يتضح الامر
وان كنت في ريب لطول بقاءه
فهل رابك الدجال والصالح الخضر
ودونك ابناء النبي به تزد
بآحادها خبر وآحادها كثر
ثم يقول:
ومن بين اسفار التواريخ
عندكم يؤلف في تاريخ مولده سفر
وكم قال من اعلامكم مثل قولنا به
عارف بحر ودو خبر خبر
الى ان ينتهي وطبعاً القصيدة قلت مئة واثني عشر بيتاً، المرحوم الشيخ محمد البلاغي بأحترامه الوقت، كان ينئىعن الحديث غير اللازم ولايتحدث الا في مسألة او علم او تحية وقد اقام في مدينة سامراء عشر سنين تلمذ فيها على يد المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي ولعب دوراً جهادياً كبيراً في مقاومة الاحتلال البريطاني كما تلمذ في النجف الاشرف على يد الملا محمد كاظم الخراساني والشيخ محمد طه نجف والشيخ آغا رضا الهمداني كما قام بأسفار ادى خلالها مهام كبيرة في اقتباس العلم ونشره واختصاراً واجمالاً اقول بأن حياته كلها عطاء وخدمات للاسلام وفكر وثقافة ونشر فكر وثقافة اهل البيت حتى ابتلي بمرض عضال ومرضه طال وخلال المرض كان قلمه بيده ويكتب ليل نهار الى ان نادته السماء ليلبي نداءها في شهر رمضان بمدينة الكاظمية عام ۱۳٥۲ هـ وحمل الى النجف الاشرف ليدفن بجوار مولى الموحدين امير المؤمنين(ع) وتعلمون ان عناصر الخير حينما تغادر الارض يحزن المؤمنون بمغادرتها ويفرح المنافقون برحيلها والرجل هو وفد على رب كريم ليأنس بما قدمه من اعمال وحسنات.