ووالده المرحوم الميرزا أبو طالب كان من العلماء الورعين في تلك الديار وكان يقيم صلاة الجماعة في مسجد محمدية المعروف بـ(حظيرة). كما كان ممن يرجع إليه الناس، ولاسيما في تنظيم عقودهم ووثائقهم ومعاملاتهم، لما كان له من سلوك حسن معهم.
جده الميرزا محمد رضا الكرمانشاهي كان أيضاً مرجعاً لحل مشكلات الناس ومن علماء منطقة سفح كوير الكبير. وهو بدوره ابن المرحوم الآخوند ملا محمد مهدي الكرمانشاهي الذي نفاه فتح علي شاه القاجاري إلى يزد وتوفي هناك عام ۱۲۳٦ هـ. وبحسب ما كتب على حجر قبر الآخوند ملا مهدي الكرمانشاهي، يرجع نسب صدوقي إلى الشيخ الجليل الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ صدوقي (رضوان الله تعالى عليه).
دراسته
تحت رعاية ابن عمه المرحوم الميرزا محمد الكرمانشاهي، أخذ بدراسة علوم الدين، حيث درس كتابي اللمعة والقوانين في مدرسة عبد الرحيم خان في يزد، وتزوج في سن العشرين من ابنة عمه. وفي عام ۱۳٤۸ هــ قصد أصفهان وحوزتها العريقة لمواصلة الدراسة فيها، فسكن في مدرسة چهارباغ (الإمام الصادق) حالياً.
كانت إقامته في قم قد تزامنت مع السنة السادسة للحكم الاستبدادي لرضا خان الذي شدد هجماته على علماء الدين؛ فقد كان ذلك في وقت ينشر فيه أزلام رضا خان الرعب بين الناس، ويعتبرون ارتداء لباس العلماء جريمة، ويمنعون المجالس الحسينية، ويضيقون بشدة على مؤسس الحوزة، ويجبرون الناس على ارتداء السترة والبنطلون والقبعة البهلوية. فرضا خان كان قد تخلى في حينها عن التظاهر بالقدسية وكشف عن وجهه الحقيقي.
صدوقي والنهضة
من بعد قضية لجان المحافظات والمدن في شهر مهر (الشهر السابع) من عام ۱۳٤۱ هجري شمسي وإقراره من قبل النظام في حذف قيد "الإسلام" من شرائط الناخبين والمنتخبين، وحذف كلمة "القرآن" وإبدالها بــ "الكتاب السماوي" عند أداء اليمين، وإعطاء حق الرأي للنساء لاختبار طبيعة رد فعل علماء الدين وتهيئة الأجواء للتجاوز على حريم القرآن والقضاء عل الدين والتلاعب بالدستور الإيراني لتغيير بعض مواده وإعداد أرضية عمل ومناصب لغير المسلمين، وموقف علماء الدين من هذه القضية بقيادة الإمام الخميني، قام آية الله صدوقي أيضاً بالكشف عن هذه المؤامرة الغادرة وتعبئة العلماء في المنطقة لمواجهتها.
في عام ۱۳٥٦ هجري شمسي كان العديد من علماء الدين في المنفى، فتحرك هو مع مجموعة من أنصاره ليقطع مسافات شاسعة لزيارتهم جميعاً في مختلف المدن، وكان بالطبع لتفقده ومساعدته لأسرهم دوره وأثره
وتزامناً مع جميع المراجع، قام آية الله صدوقي في الخامس عشر من خرداد (الشهر الثالث) من عام ۱۳٥۷ هجري شمسي بالإعلان عن حداد عام وطلب من الناس عدم الخروج من دورهم وإغلاق محلاتهم: "في ۱٥/۳/٥۷ ومن بعد الصلاة قام المذكور أعلاه في مسجد (حظيرة) من على المنبر، وبحضور أكثر من ألف شخص، بتقديم شكره للتجار وأصحاب المحلات لتعاونهم في إغلاق محلاتهم.
وبهجرة الإمام إلى باريس، تصاعد نشاط آية الله صدوقي؛ فمن خلال تنسيقه للنشاطات، جعل من يزد ومسجد (حظيرة) وداره قناة أمينة لإيصال البلاغات ومركزاً لتنسيق الكفاح والجهاد.
عندما ذهب الإمام إلى باريس، تحسنت الأوضاع وزاد تحرك الجماهير.
وكما تحكي الوثائق، كان لآية الله صدوقي دور مصيري في مختلف الإضرابات والتظاهرات ضد النظام من خلال إصدار البيانات والأوامر الهاتفية الشفوية. وذلك من قبيل إعلان التضامن مع عمال النفط المضربين ومجزرة محرم في (سرچشمه) في طهران وتهديد محافظ يزد ومسيرة مئة وأربعين ألفاً في يوم تاسوعاء التي لم يسبق لها مثيل في منطقة (كوير).
تواجده في الساحة بعد الثورة
بانتصار الثورة في الثاني والعشرين من بهمن عام ۱۳٥۷ هجري شمسي، تحرك آية صدوقي من يزد إلى مجلس الخبراء من أجل كتابة دستور الجمهورية الإسلامية. فأبدى هناك بعداً آخر من شهامته وشجاعته في كتابة بند ولاية الفقيه.
إمامة الجمعة وممثلية الإمام
كانت إمامة الجمعة وممثلية الإمام مهمة أخرى أكسبها الشهيد شرفاً ونفذها على أحسن وجه من خلال حل مشكلات الناس وتعديل حالات التطرف، ودفع الناس إلى إعمار المحافظة وتقديم المساعدات إلى المحرومين والمستضعفين. وكان يعمل بدراية وإدارة قوية، بحيث صان محافظة يزد من كل المؤامرات التي كانت تشهدها إيران كل يوم خلال سنوات الثورة الأولى؛ ففي الأيام الأولى للانتصار، كان يقضي على أوكار المؤامرة والفساد للمجموعات اليمينية واليسارية، ويئد كل تحرك للأعداء في مهده.
وباندلاع نار الحرب المفروضة، أخذت تتقاطر بجهوده المساعدات والقوات من يزد إلى جبهات القتال، وكان هو نفسه يحضر بعض العمليات ليمنح أجواء الجبهة حرارة، حيث كان أروع حضور له في عمليات بيت المقدس وفتح خرمشهر. وعند شهادة أول شهداء المحراب، سمى "المدني" بــ "الأسوة" وسمى قاتليه بالأعداء عمي القلوب المضللين من قبل الدول العظمى.
الشهادة
في الساعة الواحدة والنصف تقريباً من بعد ظهر يوم (الجمعة الحادي عشر من تير۱۳٦۱ هجري شمسي) استشهد العالم الرباني والمجاهد الذي لم يعرف الكلل آية الله صدوقي، نصير الإمام والأمة وممثل الإمام وإمام جمعة يزد بفم صائم في محراب صلاة الجمعة...".
وقالت بعض الإذاعات العالمية: "اغتيل الرجل الثاني في الثورة الإيرانية".