والده المرحوم حجة الإسلام الحاج الشيخ محمود مفتح كان من وعاظ همدان ومعروفاً بالزهد والتقوى، قضى خمسين عاماً من عمره المبارك في الوعظ والإرشاد وخدمة أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).
كان الشهيد مفتح منذ نعومة أظفاره يرافق والده إلى مجالس وعظه، ويستشعر حبّ والده لأهل البيت عليهم السلام بكل وجوده. ثم إلى جانب دراسته الابتدائية في المدارس الحكومية، درس الشهيد مفتح مقدمات اللغة العربية على يد والده، ثم التحق بمدرسة المرحوم آية الله آخوند ملاّ علي وواصل دروسه الحوزوية.
ونظراً لموهبته وحبّه الوافر للتحصيل العلمي، فقد استطاع الشهيد اجتياز المرحلة الدراسية بسرعة بحيث هاجر إلى قم عام ۱۳۲۲هــ ش [۱۹٤۳م] لمواصلة الدراسة ولمّا يبلغ الخامسة عشرة من عمره.
*******
تكامل الشخصية، بدء الكفاح، التحرك نحو الوحدة
وفور وصوله إلى قم أقام في حجرة في دار الشفاء، وعكف على تحصيل العلوم الدينية على يد كبار الأساتذة أمثال الإمام الخميني (قدس) والعلامة الطباطبائي، وآية الله الداماد، وآية الله حجت، و...، وأنهى دورة كاملة من بحث الخارج ونال درجة الاجتهاد، وأصبح جامعاً للمنقول والمعقول، وبدأ التدريس في الحوزة، بحيث نالت دروسه خصوصاً الفلسفة منها شهرة وأضحت مورد إقبال فضلاء الحوزة.
وإلى جانب الدروس الحوزوية، أكبّ الشهيد على تحصيل العلوم الجديدة وتخطّى المراحل الدراسية المختلفة، ونال بعد مدّة وجيزة شهادة الدكتوراه في الفلسفة. وعلى الرغم من الوضع المعيشي الصعب للشهيد ـ كسائر طلبة الحوزات ـ بحيث اضطر إلى تخصيص جزء من وقته لسدّ معاش أسرته، وكذا وضعه الدراسي في الحوزة والجامعة، لكن هذه الصعاب والجهود لم تشكل عائقاً أمام الشهيد لخوض غمار النشاطات الاجتماعية والسياسية، بل على العكس من ذلك كان من العناصر الفعّالة جداً في النشاطات الاجتماعية والسياسية بالحوزات العلمية، بل من الوجوه الطليعية في هذه النشاطات، وبالذات فيما يرتبط بنهضة الإمام الخميني (قدس) من تدوين ونشر البيانات إلى إقامة المجالس والتظاهرات و...
وكانت لنشاطات الشهيد هذه، واحاطته بشؤون الحوزة والجامعة، دور كبير في أن يدرك مدى أهمية الوحدة بين هاتين المؤسستين، وأن يشعر بكل وجوده بالمؤامرات الاستعمارية لفصل هاتين الشريحتين. وإيماناً منه بالوحدة دخل هذا الميدان وسعى جاهداً لإفشال هذه المؤامرة. لهذا ـ ورغم كونه مدرساً معروفاً في الحوزة العلمية بقم ـ بدأ التدريس في المدارس الثانوية بمدينة قم، وبذلك خطا أول خطوة عمليّة في هذا الطريق.
رغم مشاغله ونشاطاته الاجتماعية الكثيرة، لم يغفل الشهيد عن فضح النظام الطاغوتي الحاكم في إيران في كل فرصة سنحت له، خصوصاً من على المنابر؛ ولهذا فقد منع مرات عديدة من ارتقاء المنبر ونفي مرات أخرى.
ومع بدء قيام الإمام الخميني (قدس)، كان الشهيد مفتح إلى جانبه في قيامه هذا، فاعتُقل مرات عديدة نتيجة ارتقائه المنابر في مدن آبادان وخرمشهر والأهواز و... ونفي عدة مرات، إلاّ أن الشهيد لم يتراجع لحظة واحدة عن دعمه لثورة الإمام (قدس)، وكلّما سنحت له فرصة يبدأ بفضح النظام.
لكن في نهاية الأمر، وعندما عجز النظام عن وضع حدّ لنشاطات الشهيد، وشعر بالتأثير البليغ في أعماله وأقواله على مستوى الحوزات والمدارس الثانوية بقم، أقدم النظام على إخراجه من التربية والتعليم، ونفيه إلى إحدى المناطق الجنوبية الحارة.
واصل الشهيد مسيرة جهاده حتى انتصار الثورة الاسلامية بقيادة الامام الراحل.
وللشهيد مؤلفات عدة، منها كتاب في علم المنطق باسم (روش انديشه) أي أسلوب التفكير، وكذا حاشية على (الأسفار) لملا صدرا حيث كانت ثالث حاشية للكتاب، وذلك ما دلّ على عمق الفكر الفلسفي لدى الشهيد، وايضا كتابات في مجلات إسلامية نظير (مكتب اسلام، مكتب تشيع، معارف جعفري)، كما ساهم مع آية الله حسين نوري الهمداني في ترجمة تفسير مجمع البيان للطبرسي.
*******
الشهادة معراج العاشقين
كان للضربات الموجعة التي تلقّتها أمريكا من الثورة الإسلامية أثرها البالغ على شعوب العالم، ولهذا كانت تشعر بالخطر على وجودها، فعمدت إلى اجهاض الثورة الإسلامية في أيامها الأولى بتدبير شتى المؤامرات، ومن جملتها مؤامرة اغتيال الشخصيات الرئيسية في الثورة والمحيطة بالإمام، ومن جملتهم الشهيد مفتح، فأوكلت مهمة اغتياله إلى جماعة (فرقان) ذات الأفكار المنحرفة.
ففي التاسعة صباحاً من يوم الثلاثاء ۲۷/۹/۱۳٥۸هـ. ش، وبينما كان الطلبة في الصفوف ينتظرون الشهيد لإلقاء الدرس، توقفت سيارة الاستاذ أمام بوابة الكلية، وترجّل الشهيد مع اثنين من حراسه، وتحرك، ولكن ليس صوب بوابة الكلية هذه المرة، بل صوب باب الجنة وبوابة الرضوان الإلهي! فدخل باحة الكلية، وهنا هاجمته عناصر هذه الجماعة بأسلحتها فاستشهد أحد حراسه على الفور وجرح الثاني جرحاً بليغاً استشهد على أثره في المستشفى، وأصابت عدة رصاصات الشهيد مفتح، فسقط على الأرض، وبدأ يجرّ بنفسه إلى داخل الصالة، لكن تبعه أحد هؤلاء الخونة وأطلق عدة رصاصات أخرى على رأس الشهيد فيسقط مضرجاً بدمه وتفيض روحه الطاهرة. وكانت جماعة أخرى من هؤلاء الخونة عند بوابة الكلية، تهدّد المارة عبر إطلاقات هوائية بعدم الاقتراب من الكلية، ثم ولّى الجميع هاربين.