انكب غياث الدين على اصلاح وتكميل الأساليب القديمة المتعلقة بالأعداد الطبيعية المرفوعة الى القوة الرابعة أي الجذور في علم الرياضيات، وابتكر طرقاً جديدة وفي نفس الوقت سهلة للأعداد. وفي الحقيقة اعتبر غياث الدين جمشيد الكاشاني مكتشف الطرق الحسابية الرئيسية الاربعة المتداولة اليوم وخاصة الضرب والقسمة منها.
وترك هذا العالم الرياضي كتاباً قيماً باسم «مفتاح الحساب» والذي يعتبر مرجعاً دراسياً يتحدث عن المقدمات والأوائل في علم الرياضيات، ويتصدر جميع الكتب والمؤلفات في العلوم الرياضية خلال القرون اللاحقة، وذلك من حيث الوفرة وتنوع المواد فيه وموضوعاته وسلاسة بيانه.
ولد جمشيد الملقب بغياث الدين، ابن الطبيب الكاشاني ويدعى مسعود، حوالي سنة ۷۹۰ للهجرة (۱۳۸۸ للميلاد) في كاشان.
كانت فترة طفولته وشبابه متزامنة مع تصاعد وتيرة الهجمات الوحشية البشعة لتيمور لنك على إيران، بيد أن هذه الظروف العصيبة لم تحل دون تعلمه لمختلف العلوم. كان والد جمشيد، وكما أسلفنا آنفاً، طبيباً غير أنه كان له من باقي العلوم نصيبٌ وافرٌ أيضاً، وعلى سبيل المثال وكما جاء في احدى رسائله التي بعث بها الى أبيه، يتبين لنا ان الوالد كان ينوي أن يكتب شرحاً على كتاب «معيار الأشعار» للخواجة نصير الدين الطوسي ويبعث به الى ابنه جمشيد.
اول نشاط علمي قام بإنجازه غياث الدين كما وقفنا على التاريخ الدقيق له هو رصده لظاهرة الخسوف في ال ۱۲ من ذي الحجة لعام ۸۰۸ للهجرة الموافق للثاني من حزيران – يونيو لعام ۱٤۰٦ الميلادي في كاشان. وكتب غياث الدين جمشيد الكاشاني اول نتاج علمي له في المدينة نفسها أي كاشان في ال ۱۲ من شهر رمضان لسنة ۸۰۹ للهجرة الموافق للأول من شهر مارس – آذار لسنة ۱٤۰۷ الميلادية، وذلك بعد موت تيمور لنك وإخماد فتنته وحروبه بسنتين. كما كتب غياث الدين من بعد أربع سنوات أي في سنة ۸۱۳ للهجرة في مدينته كاشان، رسالة موجزة بالفارسية حول علم الهيئة.
وفي عام ۸۱٦ للهجرة، ألف هذا العالم الرياضي عمله النجومي المهم أي كتاب «زيج الخاقاني» بالفارسية وأهداه الى الغ بك نجل شاهرخ وحفيد تيمور لنك والذي كان يعيش حينذاك في مدينة سمرقند. وكان غياث الدين يرى في الغ بك أملاً في أن يواصل أبحاثه العلمية باطمئنان وتحت رعاية ودعم هذا الملك.
وعلى ما يبدو توجه غياث الدين جمشيد الكاشاني في عام ۸۲٤ للهجرة من مسقط رأسه كاشان الى سمرقند وكان قد اصطحبه في هذه الرحلة زميله معين الدين الكاشاني. وكان لعالمنا الرياضي غياث الدين، وكما يشير اليه في رسائله، دورٌ رئيسٌ في إنشاء مرصد سمرقند.
ومن بداية عمله الفلكي هناك، تم تعيينه لرئاسة هذا المرصد وكان يتولى هذه المسؤولية حتى أواخر عمره القصير.
وأخيراً قتل هذا العالم الرياضي البارع في صبيحة يوم الأربعاء ال ۱۹ من شهر رمضان عام ۸۳۲ للهجرة الموافق لـ ۲۲ من شهر حزيران- يونيو لعام ۱٤۲۹ الميلادي في داخل مرصده خارج مدينة سمرقند.
وحول أسباب مقتله، يقول أمين احمد الرازي في كتابه «تذكرة الأقاليم السبعة» ان الغ بك هو الذي أمر بقتل غياث الدين جمشيد الكاشاني، وذلك لأنه، وعلى ما يبدو، كان لا يراعي آداب الحضور ومراسمه الخاصة في بلاطه الملكي.
نشاطاته العلمية
۱- ابتكاره للكسور العشرية: وبما أنه لم يستخدم هذه الكسور، بيد انه، وبلا أي شك، هو الذي قام بالترويج لهذه الكسور العشرية في الرياضيات؛ ما كان له بالغ الأثر في تطوير علم الحساب واختراع الآلات الحاسبة.
۲- تصنيف المعادلات من الدرجة الأولى الى الدرجة الرابعة وابتكار حل عددي لمعادلات الدرجة الرابعة وما فوق.
۳- محاسبة عدد الرمز P. للكاشاني في رسالته المسماة بـ «الرسالة المحيطية» في الصفحة الـ ۲۸، وقام غياث الدين بمحاسبة هذا العدد بدقة منقطعة النظير لم يصل اليه العلماء من بعده على مدى ۱٥۰ عاماً.
٤- اصلاحه وتكميله للأساليب والطرق القديمة المتعلقة بالأعداد الطبيعية المرفوعة الى القوة الرابعة في علم الرياضيات، وفي الحقيقة ان غياث الدين هو الذي وضع الطرق المألوفة المستخدمة حالياً بشأن عمل الحسابات الاساسية وخاصة الضرب والقسمة.
٥- اكتشاف الطريقة الحالية للعثور على حساب الجذور النونية لأي عدد، ويذكر ان هذه الطريقة تم اعتمادها مرة اخرى بعده بمئات السنين من قبل العالم الرياضي الايطالي بائولو روفيني (۱۷٦٥-۱۸۲۲ للميلاد) وكذلك العالم الرياضي البريطاني ويليم جورج هارنر (۱۷۸٦-۱۸۳۷ للميلاد).
٦- ابتكار الطريقة التي تستخدم حالياً للتوصل الى الجذر الثاني للأعداد، والتي تعد ايضاً أسهل الطرق لحساب الجذر النوني.
۷- صنع أداة للرصد الفلكي وحساب التقاويم وسماها «طبق المناطق»، هذا والف رسالة حول طريقة العمل بها أسماها «نزهة الحدائق».
۸- تصحيح الزيج الإيلخاني. وفي هذا الصدد، ألف كتاباً باسم «الزيج الخاقاني» وفيها طوّر البراهين الرياضية وصحح الأخطاء الواردة في الزيج الإيلخاني.
۹- تأليفه لكتاب «مفتاح الحساب» الذي يعتبر أهم كتاب ومصدر في علم الرياضيات في العصر الاسلامي واعتمده العلماء حتى في الغرب.
۱۰- تأليفه لرسالة «الوتر والجيب» في حساب واستخراج جيب الدرجة الأولى ووصوله الى جيب (۱Sin ٦۰)، وفي حال تقسيمه الى عدد ٦۰، يتم استخراج ۱۷ رقما عشرياً يوافق التقدير الحقيقي لجيب الدرجة الأولى.
مؤلفاته
ترك غياث الدين جمشيد الكاشاني مجموعة قيمة من المؤلفات والكتب العلمية منها:
۱- سلم السماء او الرسالة الكمالية باللغة العربية. انتهى غياث الدين من تأليف هذه الرسالة في الـ ۲۱ من شهر رمضان لعام ۸۰۹ للهجرة الموافق للأول من شهر مارس-آذار عام ۱٤۰۷ للميلاد في مسقط رأسه كاشان. وتحدث غياث الدين في رسالته هذه عن قطر الكرة الارضية والشمس والقمر والنجوم والكواكب والمسافات الموجودة فيما بينها.
۲- رسالة المختصر في علم الهيئة، بالفارسية. فقد قام غياث الدين جمشيد الكاشاني بتأليف هذه الرسالة العلمية في عام ۸۱۳ للهجرة الموافق لعام ۱٤۱۰ للميلاد، ويتطرق فيها الى طريقة حساب مدارات القمر والشمس والنجوم والكواكب وكيفية حركاتها.
۳- تأليف كتاب «الزيج الخاقاني» بالفارسية. هذا الكتاب هو من أحد الإصدارات الفلكية المهمة لغياث الدين جمشيد الكاشاني الذي أنجزه في سنة ۸۱٦ للهجرة (۱٤۱۳ للميلاد). وكان هدف غياث الدين من تأليف هذا الكتاب هو تصحيح واصلاح الأخطاء التي وردت في الزيج الإيلخاني. وفي مقدمة كتابه هذا وبالرغم من تطرقه الى الأخطاء الواردة في الزيج الإيلخاني، يشيد غياث الدين بكاتب الزيج الإيلخاني الخواجه نصير الدين الطوسي بإجلال وإكرام وافر.
٤- شرحه لأدوات الرصد بالفارسية. ألف غياث الدين جمشيد الكاشاني هذه الرسالة لحاكم يدعى «سلطان اسكندر» وذلك في شهر ذي القعدة لسنة ۸۱۸ للهجرة (الموافق لشهر كانون الثاني- يناير لعام ۱٤۱٦ الميلادي). وسمى بعض المؤرخين هذا الحاكم بـ «اسكندر بن قرايوسف قراقويونلو»، غير أن الآخرين من المؤرخين ذهبوا الى أن اسكندر هذا هو عم الغ بك، والذي كان يحكم فارس واصفهان.
٥- نزهة الحدائق بالعربية: ألف غياث الدين هذه الرسالة في العاشر من شهر ذي الحجة لعام ۸۱۸ للهجرة الموافق للعاشر من شباط – فبراير لعام ۱٤۱٦ للميلاد اي بعد نحو شهر على تأليفه لرسالة شرح أدوات الرصد. وشرح غياث الدين جمشيد الكاشاني في رسالته هذه، عمل جهاز ابتكره وأسماء «طبق المناطق». وتمكن عن طريق هذا الجهاز الفلكي من تقدير الموقع الدقيق للقمر والشمس وخمسة كواكب مكتشفة آنذاك وكذلك تقدير المسافات الموجودة فيما بينها وبين الكرة الأرضية واستخراج بعض التواليف الخاصة بالكواكب.
٦- ذيل نزهة الحدائق: أضاف غياث الدين الكاشاني في أواسط شهر شعبان لعام ۸۲۹ للهجرة (الـ ۲۲ من حزيران- يونيو لعام ۱٤۲٦ الميلادي) وأثناء اقامته في سمرقند، أضاف عشرة ملحقات الى كتابه نزهة الحدائق.
۷- تلخيص المفتاح، بالعربية: هذه الرسالة، وكما يتبين من اسمها، هي عبارة عن مقتطفات من كتاب غياث الدين المعنون بمفتاح الحساب، وانتهى من تلخيص هذه الرسالة في السابع من شهر شعبان لعام ۸۲٤ للهجرة الموافق للسابع من شهر آب- أغسطس لعام ۱٤۲۱ الميلادي. واستهل غياث الدين هذه الرسالة بهذه المقدمة، قائلاً: «أما بعد، ان احوج عباد الله الى غفرانه ورحمته جمشيد الملقب بغياث ابن مسعود الطبيب الكاشاني ابن محمود والذي يسأل الله ان يحسن ايامه، يقول: ولما انتهيت من تأليف كتابي هذا المسمى بمفتاح الحساب، قمت بجمع ما رأيته واجباً وضرورياً لمعرفة الطلبة الجدد عليه في هذا الملخص وأسميته «تلخيص المفتاح».
۸- الرسالة المحيطية بالعربية: أنجز غياث الدين هذه الرسالة وهي من أهم أعماله العلمية في أواسط شهر شعبان لعام ۸۲۷ للهجرة الموافق لشهر تموز- يوليو لعام ۱٤۲٤ الميلادي، ويتحدث المؤلف فيها عن اكتشافه للنسبة التقريبية لمحيط الدائرة الى قطرها والتي يرمز لها بالحرف p.
۹- رسالة الوتر والجيب: ألف غياث الدين العالم الرياضي هذه الرسالة حول طريقة وكيفية محاسبة جيب الدرجة الأولى. وللأسف الشديد لم يبق النص الأصلي لهذه الرسالة، بيد أن الشروح المختلفة التي كتبت لهذه الرسالة القيمة ترشدنا إلى فهم ما جاء فيها من الموضوعات.
۱۰- زيج التسهيلات: ألف غياث الدين هذا النتاج العلمي قبل عام ۸۳۰ للهجرة، ذلك لأنه يشير الى كتابه هذا في مقدمة مفتاح الحساب (الصحفة الـ ۳٦)، الا أنه لم يرد شيء ما في المصادر التاريخية عن وجود نسخة مؤكدة لهذا الكتاب.
انتهى غياث الدين جمشيد الكاشاني من تأليف كتابه مفتاح الحساب، والذي يعد من أهم وأروع الكتب في علم الرياضيات خلال العصر الاسلامي، في الثالث من شهر جمادى الاولى لعام ۸۳۰ للهجرة الموافق للثاني من شهر مارس – آذار لعام ۱٤۲۷ الميلادي، وأهداه الى الغ بك.
وجديرٌ بالإشارة الى أن غياث الدين ألف مسودة هذا الكتاب في فترة لا تقل عن ستة أعوام من قبل هذا التاريخ أي في سنة ۸۲٤ للهجرة، وكان في تلك الفترة الزمنية متفرغاً الى تصحيح ما ورد في الكتاب من الأخطاء وتكميله، ذلك لأنه أكد في مقدمة تلخيص المفتاح، والذي انتهى من تأليفه في السنة نفسها، أكد أنه قام بتأليف هذا التلخيص بعدما أنجز تأليفه مفتاح الحساب.
وحول مؤلفات غياث الدين جمشيد الكاشاني، يقول الباحث الألماني البارز «باول لوكي» والذي بذل جهداً واسعاً في سبيل تعريف العالم بأهمية المؤلفات الرياضية لهذا العالم الرياضي البارع، يقول: «بعد سلسلة أبحاث ودراسات أجريتها على بعض المؤلفات التي تركها غياث الدين، والتي لحسن الحظ يوجد الكثير منها في المكتبات في شرق العالم وغربه، وجدت هذا الانسان عالماً رياضياً ذا نبوغ عميق ومخترعاً ذكياً وناقداً دقيقاً وصاحب أفكار متعمقة واسعة.
كان الكاشاني على معرفة تامة بالمؤلفات والكتب التي تركها السابقون من العلماء الرياضيين وخاصة فيما يخص طريقة المحاسبة وكيفية استخدام الطرق المتعلقة بالنسب التقريبية. ولو عثر العلماء الرياضيون الغربيون الذين عاصروه على رسالته المحيطية، لما احتاج الغرب الى الاعتماد على بعض الأعمال والكتب الضئيلة التي تناولت قضية تقدير الدائرة ومحاسبة عدد الرمز p. وإذا ما انتشرت نظريته الواضحة وطريقته العلمية حول التعريف بالكسور العشرية، لما اضطر «فرانسوا وييت استون» وكذلك «بورغي» الى أن يركزا قدراتهما الدماغية والعملية على اكتشاف هذه الكسور من جديد وذلك بعد مضي قرن ونصف على اكتشاف غياث الدين الرياضي هذا».
كما قال عن غياث الدين، الباحث الاميركي البارع «ادوارد استوارت كندي» الذي كان يعيش فترة في إيران وهو على معرفة باللغة الفارسية: «قبل البدء بالحديث عن أي شيء، يجب علي أن أقول ان الكاشاني كان عالماً رياضياً بارعاً محنكاً ويتمتع بنبوغ وخبرة وافرة تفوق الآخرين، ومما يدل على ذلك، استخدامه للأرقام الستينية وكيفية العمل بحسابها بسهولة تامة، ناهيك عن انه اكتشف الكسور العشرية. ونظراً لنبوغه الخارق وبراعته الواسعة، كان يأخذ مراحل الحساب بعين الاعتبار وينظمها بشكل دقيق؛ ما يمكّنه من أن يتكهن لأقصى حد ممكن بالأخطاء المحتملة ويختبر صحة النتائج المستخرجة».