بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته اطيب تحية نهديها لكم في مطلع حلقة اخرى من هذا البرنامج، نتعرف فيها على مصاديق أخرى من مصاديق التحلي بخلق التحرر من أسر الدنيا وعبوديتها، ونمهد لذلك بالاستنارة بالحديث النبوي التالي وفيه اشارة الى احدى بركات التحلي بهذا الخلق وهي الفوز بالسكينة والسلامة البدنية والنفسية، فقد روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال عن مولانا وسيدنا وحبيبنا الهادي المختار صلوات الله عليه وآله الاطهار انه قال:
"الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن".
ايها الاكارم، من مصاديق التحلي بهذا الخلق الكريم هو أن يأخذ الانسان من النعم الدنيوية بقدر حاجته وما يوفر له الحياة الكريمة ويتسغني به عن ذل المسألة من الناس، فقد روي في كتاب الخصال أن رجلاً شكى الى أمير المؤمنين –عليه السلام- الحاجه فقال الوصي المرتضى:
"إعلم أن كل شيء تصيبه من الدنيا فوق قوتك فانما انت فيه حازن لغيرك".
ومن بليغ بيان هذا المصداق من مصاديق التخلق بخلق التحرر من عبودية الدنيا ما روي في تفسير علي بن ابراهيم –رضوان الله عليه- عن الامام جعفر الصادق –صلوات الله عليه- أنه قال:
"ما أنزلت الدنيا من نفسي الا بمنزلة الميتة اذا اضطررت اليها أكلت منها"
وروى الشيخ المفيد في كتاب الامالي بسنده عن الامام علي بن الحسين زين العابدين –عليه السلام- انه قال يوماً لاصحابه فيما قال:
"اخواني، أوصيكم بدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا.... أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين؟. قال لهم: الدنيا قنطرة فأعبروها ولا تعمروها... أيكم يبني على موج البحر داراً؟ تلك الدار الدنيا فلا تتخذوها قراراٌ"
والمقصود –مستمعينا الافاضل- من النهي عن إعمار الدنيا هو ما كان على حساب الآخرة وبما يزيد عن حاجة الانسان مما لا نفع فيه لا له ولا للآخرين.
ايها الاكارم ومن مصاديق التخلق بخلق التحرر من أسر الدنيا وعبوديتها هو الانفاق في موارد الخير وأداء ما بذمة الانسان من الحقوق التي فرضها الله عليه والاستعانة بها على أداء الواجبات؛ روى الفقيه الجليل في كتاب السرائر بسنده عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله [الصادق] –عليه السلام-:
إنا لنحب الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: اتزوج منها وأجح وأنفق على عيالي وأنيل اخواني وأتصدق، فقال لي:
ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة"
وبذلك تكون الدنيا نعم الدار للمؤمن كما يصرح بذلك الحديث القدسي المروي في كتاب قصص الأنبياء للراوندي عن الامام الباقر –عليه السلام- قال:
"ان فيما ناجى الله به موسى أن قال: ان الدنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله ولا نقمة الفاجر بقدر ذنبه، هي دار الظالمين الا العامل فيها بالخير فانها له نعم الدار".
وأخيراً نتدبر معاً في الحديث المروي في كتاب (قرب الاسناد) عن مولانا الامام الرضا –عليه السلام- ففيه بيان لطيف لحرص المتحرر من أسر الدنيا على أداء ما أوجبه الله عليه في النعم التي يتفضل بها عليه، قال –عليه السلام-:
"والله ما أخر الله عن المؤمن من هذه الدنيا –أي ما أعده له من ثواب على ما ينفقه منها- خيرٌ له مما يعجل منها... ان صاحب النعمة على خطر، انه يجب عليه حقوق لله منها، والله انه ليكون علي النعم من الله فما ازال منها على وجل... حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله تبارك وتعالى علي فيها"نشكر لكم ايها الاكارم كرم الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم معالي الاخلاق ، دمتم بكل خير.