بسم الله الرحمن الرحيم
سلام من الله عليكم ايها الاخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته... لكم منا اطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج نخصصها للحديث عن أحد معالي الأخلاق التي يحبها الله ورسوله هو (التحرر من حب الدنيا)، وقد حثت عليه كثيرٌ من النصوص نستنير ببعضها في هذا اللقاء فكونوا معنا مشكورين:
أيها الأكارم، المقصود بهذا الخلق الكريم هو عدم الإغترار بالمتاع الدنيوي والاهتمام به الى درجة يغفل الانسان معها عن الحياة الآخرة كما يشير لذلك قول الله أصدق القائلين في الآيات ۱۰۷ الى ۱۰۹ من سورة النحل في وصف الخاسرين "ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{۱۰۷} أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{۱۰۸} لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ{۱۰۹}"
وهذه الآيات الكريمة تشير الى أن حب الدنيا والخضوع لأسرها من مراتب الكفر بأنعم الله لأن الله جعل الدنيا دار تزود بالأعمال الصالحة لإعمار الآخرة وليس دار مقر ومقام، والإغترار بمتاعه سبب للعمى المعنوي والغفلة عن العمل فيها لاعمار الحياة الحقيقة في الدار الآخرة.
ومن مظاهر الإغترار بالدنيا والخضوع لأسرها حصر الإنسان همته في العمل من أجل الحصول على ما لا يحتاجه من رزق الحياة الدنيا، فقد روي في كتاب الكافي عن إمامنا الصادق –عليه السلام- قال:
"قال عيسى بن مريم عليهما السلام: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل... كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره الى آخرته مقبلٌ على دنياه وما يضره أحب اليه مما ينفعه".
ومن هذا الحديث نعرف أن من مصاديق التحرر من أسر الدنيا هو أن يكون المؤمن مبتغياً للآخرة ورضا ربه حتى في سعيه وعمله للكسب المادي كأن تكون نيته الإستجابة للأمر الإلهي بالسعي في كسب الرزق وليس الحرص على الدنيا وجمع الأموال؛
أيها الأطائب، ومن أهم بركات التحرر من أسر الدنيا الفوز بالغنى الحقيقي والتطهر من الفقر المعنوي والحرص على المتاع الزائل، كما يصرح بذلك إمامنا الصادق – عليه السلام- في الحديث المروي عنه في أصول الكافي أنه قال:
"من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه وشتت أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله تعالى الغنى في قلبه وجمع له أمره".
وقال –عليه السلام- أيضاً "أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيراً... لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما فات فتشغلوا أذهانكم عن الإستعداد لما هو آن"
ومن أبلغ التشبيه لأثر حرص الإنسان على الدنيا وأثره هي زيادة غمه قول مولانا الإمام الباقر –عليه السلام-:
"مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما إزدادت من القز على نفسها لفاً كان ابعد لها من الخروج حتى غماً".
ومثله قول الإمام الصادق –صلوات الله عليه-:
"مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان إزداد عطشاً حتى يقتله".
نشكر لكم أيها الأطائب طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامج معالي الأخلاق الى لقاء مقبل بأذن الله دمتم في رعايته سالمين.