كان للإمام السابع كما هو مشهور ، تسع عشرة ولدا. و قد ولد أحمد بن موسي (عليه السلام) و محمد بن موسي (عليه السلام) من أم سمّيت بأم أحمد.
فضائل والدة احمد بن موسى شاهچراغ
قال العلامة المجلسي في كتاب « مرآة العقول »، في شرح الحديث الخامس عشر :
إنّ أمّ أحمد كانت أمّ بعض أولاد الإمام موسي (عليه السلام) و كانت من أفضل النساء بين زوجاته، في العلم و التقوي و الكرامة، وكان يودعها أسراره و ودائعه .
قد روي في كتاب «اصول الكافي» في قسم «متي يعلم الامام أنّه إمام» : إن الإمام موسي (عليه السلام) اودع الامام ودائع مختومةً إلي أمّ أحمد، و قال: أي من أولادي يطلب منك هذه الودائع ، بعد استشهادي فيكون خليفتي و نائبي فبايعيه؛ لأنّه لايعلم هذه الودائع إلّا الله. وبعد استشهاد الإمام موسي (عليه السلام) جاء الإمام الرضا (عليه السلام) عند أمّ أحمد و طلب منها ودائع أبيه. بكت أمّ أحمد و فهمت أنّ الإمام (عليه السلام) قد استشهد. ثم قدمت تلك السيدة الشريفة الودائع إلي الإمام الرضا (عليه السلام) حسب وصية الإمام (عليه السلام) ، و بايعته بصفته الإمام الثامن للشيعة .
بيعة السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) و أهل المدينة للإمام الرضا (عليه السلام)
عندما انتشر خبر استشهاد الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) في المدينة، اجتمع الناس عند بيت أمّ أحمد، ثمّ جاؤوا مع أحمد بن موسي إلي المسجد فهموا لبايعوه لأنه بزعمهم خليفة و إمام لعظمة شخصيته ، فبايعوه ثم رقى المنبر و ألقي خطبة فصيحة بليغة، و قال: « يا أيّها الناس! اعلموا أنّني في بيعة شقيقي علي بن موسي (عليه السلام) كما بايعتموني كلكم، فإنّه بعد أبي خليفة و إمام و ولي الله حقاً، و طاعته من الله و الرسول مفروضة عليّ و عليكم ».
و بيّن أحمد بن موسي فضائل أخيه علي بن موسي الرضا (عليه السلام) فصدّقوه و خرجوا من المسجد و في طليعتهم أحمد بن موسي (عليه السلام) ، و حضروا عند الإمام الرضا (عليه السلام) و اعترفوا بإمامته ، ثم بايعوه جميعاً و دعا الامام علي بن موسي (عليه السلام) لأخيه: « لاضيّعك الله في الدنيا و الآخرة كما لم تخف الحقّ و لم تضيّعه ».
المغادرة من المدينة المنورة إلى طوس
بلغت الثورات الهاشمية و العلوية ذروتها في زمن خلافة المأمون العباسي (لعن الله عليه)، ولقد قام الإمام الرضا (عليه السلام) بتبين الإسلام الحقيقي و الدولة الإلهيةو استجلاء الحقيقة الشنيعة للخلفاء العباسيين .
في هذه الأوضاع؛ همّ المأمون بإطفاء النضال الثوري وتوطيد الخلافة العباسية المفروض تسلّيم ولاية عهدها إلي الإمام الرضا (عليه السلام)؛ إذ قام المأمون بإحضار الإمام (عليه السلام) من المدينة إلي مرو قسراً و حمله علي قبول ولاية العهد كرهاً.
إنّ حضور الإمام الثامن (عليه السلام) في خراسان أدّي إلي نزوح الكثير من الشيعة و محبي أهل البيت من أرجاء العالم إلي إيران لزيارة الإمام (عليه السلام).
هاجر السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) – نحو سنة ۱۹۸ إلي ۲۰۳ه.ق – مع اثنين من أشقائه محمد وحسين وجمع غفير من أهل بيته والشيعة عن طريق البصرة إلي خراسان. و قد بلغ عددهم ألفين أو ثلاثة آلاف وكانت اعدادهم تتضاعف عند مرورهم بالمدن و الديار وكما ذكر بعض المورخين أنّ عدد أصحاب السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) قارب الخمسة عشر ألف.
حاول المأمون تشويه وجهة ولاية الإمام و مقامه العلمي ؛ و لكنّ لم يكتب له النصر وازداد حب وتفضيل الناس للامام وكان ذلك دافعاً لازدياد حقد المأمون علي الامام و حافزاً لدسّ السم له واستشهد الإمام المعصوم الرضا (عليه السلام) في سنة ۲۰۲ه.ق مسوماً. ثمّ قام بتأبين للإمام (عليه السلام) ثم دُفن جثمان الإمام الزكي قرب مدفن هارون الرشيد الذي قتل الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) .
إنّ المأمون بما ارتكبه من جرائم شنعاء في حقّ الشيعة والهاشميين كان قد ورث العداء لآل علي بن أبي طالب من آباءه و أسلافه واتقنه غاية الإتقان. فعندما علم أن السيد أحمد بن موسي (ع ) ، شقيق الإمام الرضا (ع ) قد قصدخراسان مع أصحابه ، فأمر جميع حكامه و عملائه بقتل أبناء فاطمة و أحفاد النبي ( ص ) أينما وجدوهم و أن يدخلوا الرعب في قلوب أتباعه بتعذيبهم و ترهيبهم.
أُعلِم المأمون بسير السيد أحمد بن موسي (ع ) ، إلي خراسان فأمر المأمون، جميع حكامه: بصد سبيل قافلة بني هاشم وا رجاعهم أو قتلهم . لأنّه رأي أنّ وصول إخوة الأمام الي مركز الحكومة يشكل تهديداً خطيراً له وكذلك خوفاًمن تضامن الإمام مع اصحابة .
عندما وصل البلاغ كان القافلة قد اجتازت تللك المدن إلا مدينة شيراز . فوصل البلاغ إلي حاكم المدينة و القافلة لم تكن قدوصلت إلي هناك بعد. وكان حاكم فارس آنذاك( قتلغ خان) وكان رجلاً سفاكاً لا يرحم. و خرج من المدينة مع جيش كبير و خيّم في طريق قافلة السيد أحمد بن موسي (ع ) ،
واجه السيد أحمد بن موسي (ع ) ،قتلغ خان علي بعد فرسخين من شيراز.و إنتشر خبر استشهاد الإمام علي بن موسي الرضا ( ع) شقيق أحمد بن موسي (ع ) هناك. فقيل لأحمد بن موسي(ع) : إنك إذا كنتَ تطلب رؤية أخيك علي بن موسي الرضا ، فأعلم أنه قد مات.
ورأي السيد أحمد بن موسي (ع ) ، لذلك الوضع ثلاثاً ، الأول: أنّ أخاه استشهد بمدينة طوس و الثاني : عدم إمكان العودة إلي المدينة و غيرها من المدن و الثالث: إنّ هذه الجماعة الظالمة اجتمعت بغية القتال. لذلك دعا أصحابه و أعوانه و أخبرهم بالحقيقة و أضاف:
إنّ قصد هذه الجماعة هي سفك دماء أبناء علي بن إبي طالب (ع) . فمن أراد العودةمنكم فعلية أن يفرّ من هذه المهلكة . لأني لا مفر لي من الجهاد . فأجاب الإخوة و الأصحاب بمواكبته في الجهاد . فدعا لهم السيد أحمد بن موسي (ع ) ، و قال: اعدوا أنفسكم للجهاد.
رحى الحرب
تأهب جيش قتلغ خان لمواجهة أصحاب السيد أحمد بن موسي (ع ) ، و بدأت الحرب الظالمة فهزم العدو و تراجع أمام شجاعة و تضحية أصحاب السيد أحمد بن موسي (ع ) و استمرت هذه المعركة لعدة أيام في ثلاث منازلات. هزم العدوفي المعركة الثالثة و اضطر الي الإنسحاب بالقرب من قرية كشن حتي وصلوا إلي ثلاثة فراسخ قبيل مدينة شيراز. وتحصنوا داخل أسوار المدينة و وصدوا أبواب المدينة . عادالسيد أحمد بن موسي (ع ) ، إلي معسكره في قرية كشن .و في هذه المعركة أصيب بعض اصحاب أحمد بن موسي بالجراح و استشهد ما يقارب من ثلاثمائة شخص منهم.
خدعة العدو:
في اليوم التالي إنتقل أحمد بن موسي (ع ) ، وأصحابه إلي خلف بوابة المدينة حيث خيموا هناك. أدرك قتلغ خان بأنه لا يستطيع المقاومة أمام جيش السيد أحمد بن موسي (ع ) ، لما يموج في فيلق الإمام من الحب و التفاني . فتوسل هو و بعض قادته إلي حيلةٍ للتغلب عليهم. وتمت هذه المؤامرة ، بأرسال فئة حاذقة من جيشه بين صفوف أصحاب أحمد بن موسي (ع ) ، و أمرهم أن يتظاهروا بالانسحاب و الفشل والتراجع إلي بوابات المدينة . فعندما دخل أصحابة المدينة بهذه الخدعة أُغلقت البوابات خلفهم وكان الأعداء قد وقفوا لهم بالمرصاد، وهجموا عليهم و قتلوهم.
استشهادالسيد أحمد بن موسي (ع ) :
استشهد عدد كثير من اصحاب أحمد بن موسي (ع ) ، نتيجة لؤامرة العدو و من فرّ منهم تفرقوا في البقاع. إتفق معظم المؤرخين علي أنّ أكثر أبنا ء الأئمة تفرقوا في فارس و غيرها من المدن الإيرانية .
قام قتلغ خان بمطاردة أحمد بن موسي (ع ) ، و هجم عليه مع الكثير من جيشه . فقاومهم أحمد بن موسي (ع ) ، بشجاعة ودافع عن نفسه . كتبت بعض المصادر: إنّ أحمد بن موسي (ع ) ، قام وحده بمحاربة عدوه . وإنهم و حينما رأوا شجاعته أنه ضرب علي خلف رأسه بالسيف ثم دمّر البيت و أخفي جثمانه تحت كومة من التراب.
الكشف عن قبر السيد أحمد بن موسي (ع )في عهد اتابكان :
ذكرت أكثر الكتب التي جاءت في سيرة السيد أحمد بن موسي (ع ) ، أن الكشف عن مدفن السيد أحمد بن موسي (ع ) ، يرجع إلي عهد الحاكم مقرب الدين مسعود بن بدر في الفترة ما بين ( ٦۲۳- ٦٥۸).
وذكر زردكوب الشيرازي في كتابه باسم " شيراز نامه " ( كتب ف عام ۷٦٤ه) الذي يعدّ من أقدم الكتب و أسبقها بأن مدفن السيد أحمد بن موسي (ع ) ، ظهر في عهد الحاكم مقرب الدين مسعود بن بدر. وإنه كتب ما يلي :
إن مدفن السيد أحمد بن موسي (ع ) ، في بلدة بالقرب من المسجد الجديد. وكان للحاكم مقرب الدين مسعود بن بدر قصراً و قد كان من المقربيين لأتابك بن أبي بكر سعد بن زنجي بن مودود. فاكتشف في ذلك المكان قبراً لم يتغير ولم يتبدل صاحبه و في إصبعه خاتمٌ كتب عليه اسمه ( السيد أحمد بن موسي ) . فاجتمع العقلاء و النبلاء و الحكماء و بدأوا بالبحث التحقيق حوله و رفعوا تقريراً إلي أتابك بهذا ألامر . بني أتابك مقبرة هناك و ذاع صيتها في العالم و وقام الناس بشيراز بالتوسل الي صاحب القبر في الأزمات و الشدائد و الصعوبات. وأجيبت دعواتهم . و إشتهرت هذه العتبة المقدسة بين الناس.
ألف معين الدين أبو لقاسم جنيد الشيرازي الذي توفي بعد عامين من زركوب أي في عام ۷۹۱ ه. ق في كتابه باسم " شد الأزرار في حط الأوزار عن زوّار المزار" و ترجمه ابنه من العربية إلي الفارسية و سماه باسم" هزار مزار " و هو في كتابه هذا يركز علي ما جاءبه زردكوب في كتابه. صاحب "شد الأزرار" قد كتب في كتابه شرح مختصر من نسب السيد أحمد بن موسي (ع) و فضائله و استشهاده ثم ذكر أن مدفنه اكتشف في عهد مقرب الدين مسعود بن بدر.
علي أساس قول جنيد الشيرازي لم يكن لأحد علم بمكان استشهاد أحمد بن موسي ( ع) حتي عهد مقرب الدين بن بدر الذي وجد القبر و بني عليه مقبرة. ولم يذكر جنيد كيفية الكشف عن المقبرة هذه.
و يصف جنيدجسد أحمد بن موسي(ع) و يقول: إنهم عند زيارتهم للجسد رأوا أنّ جثمانه لم يتغير ولاحتي لونه و لو قليلاً، وكأنه قد استشهدلتوه و تعرفوا عليه من خاتمه الذي كتب عليه عبارة " العزة لله :أحمدبن موسي" .
إضافة الي هذا االمصدر الذي يعتبر من أقرب المصادرالتاريخية لعهد الأتابكي. هناك مصادر أخري تثبت بأنّ الكشف عن مقبرة أحمد بن موسي(ع) تمّ في عهد الحاكم مقرب الدين.
شخصية أحمد بن موسي (عليه السلام) و فضائله
كما مرّ ذكره أنّ السيد الأمير أحمد (عليه السلام) الملقّب بشاهجراغ و سيد السادات الأعاظم، النجل النبيل للإمام موسي بن جعفر (عليه السلام).
لقد تكلّم العلماء و الرجال و المحدثون و المحققون و الكتاب عن فضائل السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) كثيراً و يمكننا التعرّف علي السيد أحمد (عليه السلام) من أقوالهم و كتبهم حيث كان رجلاً كريماً، شجاعاً، فاضلاً، صالحاً تقيّاً ورعاً ، ذا ثروة و مكانية نبيلاً عزيزاً و حظي عند والده بمكانةٍ خاصةٍ و كان يتعبد من ليله حتي صباحه و كان كاتباً للقرآن و راويةً ثقةً عن أخبار آباءه.
يقول الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتابه « الإرشاد » عن وصف السيد أحمد بن موسي (عليه السلام):
كان السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) رجلاً كريماً تقياً و كان الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) يحبّه و يقدّمه حيث اعطاه مزرعةً تسمي بسيرة، و قيل: السيد أحمد بن موسي (عليه السلام) اشتري ألف عبد و أطلقهم لوجه الله.
حدّثني حسن بن محمد بن يحيي عن جدّه: سمعتُ من اسماعيل ابن الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) قال: خرج أبي مع أولاده من المدينة إلي بعض أراضيه، يلازمه عشرون خادماً و كلهم كانوا يحترمون السيد أحمد ( عليه السلام) ، و كان أبي يحبّه حباً شديداً ويعتني به عناية كبيرة ؛ فإذا غفل أحمد عن أبي كان أبي ينظر إليه بطرف عينيه نظرةً دافئةً حنونة و لا نتفرّق حتي يتركنا أحمد بن موسي (عليه السلام).
كان محمد الكشي في كتابه يشيد بأحمد بن موسي (عليه السلام) بأنّه كان أحد فضلاء عصره و من المحدثين و وراوية أخبار آباءه و أجداده و كتب الكشي: إنّ أحمد بن موسي (عليه السلام) قد كتب القرآن بقلمه.