لا نزال ومع دعاء العهد وهو الدعاء الذي يتلى كل يوم، (لا اقل في اربعين صباحاً)، وذلك لتعجيل ظهور الامام المهدي(عج)، والمشاركة في ثورته الاصلاحية للمجتمعات...
وقد سبق ان حدثناك عن احد مقاطعه المتسلسلة، وهو المقطع المتوسل بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) (مفرغاً) لمظلوم عباد الله تعالى، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابه...
ونحدثك الآن عن الفقرة الاخيرة من المقطع المذكور وهي: التوسل بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) مشيداً لما ورد من أعلام الدين، وسنن النبي صلى الله، حيث قال الدعاء (ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى الله عليه وآله...)
وهذه الفقرة - كما تلاحظ - تعتبر عبارةً استعاريةً تتحدث عن التشيبد او البناء للدين ولسنن النبي صلى الله، وهو اثر يتطلب منا ان نلقي مزيداً من الاضاءة عليه حتى نتبين دلالاته بوضوح...
اننا ندعوك الى ان تتأمل هذه الفقرة الاستعارية من دعاء العهد: نظراً لما ورد فيها من المفردات التى تستدعي الوقوف عندها: حتى تتبلور دلالتها...
وسوف نقدم لك اولاً: الدلالة العامة المستخلصة، ثم نحلل صورها الخاصة... وبالنسبة الى الدلالة العامة يمكن الذهاب الى ان هذه الفقرة من الدعاء تتوسل بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) مشيداً لما صار اليه من آثار الدين، وسنن النبي صلى الله هذه هي الدلالة او المعنى العام لفقرة الدعاء... وإذا قدر لك ان تحرص على معرفة دقائق العبارات المذكورة، فيمكنن ان نشير الى ذلك على النحو الآتي:
بالنسبة الى معنى كلمة (التشيب) فهي: تعني: رفع البناء،.. وهنا قد يتسلل الى ذهنك الى ان الدين وسنن النبي صلى الله قد تعرضا الىسقوط بنائهما، وحنيئذ فان الامام المهدي(عج) عبر حركته الاصلاحية سوف يضطلع باعادة البناء او رفعه بعد تعرضه للهدم مثلاً... طبيعياً، ان مثل هذا الاستخلاص ليس ببعيد مادمنا نجد ان النصوص الشرعية ذاتها وسواءً كانت دعاء العهد او سواه، تتحدث عن محادلة المنحرفين عن السماء أو الناصبين عداءً للمذهب الحق: هدم الدين وسنن النبي صلي الله (وفي مفردتها السنن الموصية بمودة اهل البيت عليهم) وسواها...
واما بالنسبة الى عبارة (ورد) في قوله عليه السلام (ومشيداً لما ورد من أعلام دينك)، فان الورد هنا يقابل الصدور، بمعنى ان ما صار اليه الدين وهو يرمز بذلك الى تحريف المنحرفين، وتعطيل مبادئ الشريعة، هو ما صار اليه دين الله تعالى وسنن النبي صلي الله من هنا، يتوسل الدعاء بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) (مشيداً) أي (رافعاً) لما آل اليه الدين من التعجيل وعدم العمل بمبادئه...
واخيراً: ان ما نستهدف لفت النظر اليه هو دلالة استخدام مفردة (أعلام)، حيث ان قارئ الدعاء قد يتداعى ذهنه الى ان (الاعلام) قد يكون جمعاً علم، الذي هو (راية) مثلاً أو (علامة) أو (علم شخصي)، بينا يقصد به (الأثر) تبعاً لما هو مستخدم لغوياً في الترات وسواه... ولذلك يكون المعنى هو: التوسل بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) مشيداً لما صارت اليه آثار الدين وسنن النبي صلى،... فالأثر وهو ما تبقى من ملامح الشئ، من الممكن ان يرفع بناؤه من جديد بعد ان آندرس أو بقيت بقاياه... اذن: أمكننا الآن ان نستخلص حصيلة ما عناه الدعاء في فقرته المتوسله بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي(عج) مشيدا لما صارت اليه آثار الدين وسنن النبي صلى الله عليه وسلم.
يبقى ان نتساءل اخيراً: ما هو السر الكامن في عبارة الدعاء المذكورة من حيث تفرقتها بين الدين وبين سنن النبي صلى الله حيث قالت العبارة (ومشيداً لما ورد من اعلام دينك، وسنن نبيك...)؟
قبل ان نجيبك عن السؤال المتقدم، نذكرك بان عبارة ثالثةً وردت قبل هذه الفقرة وهي عبارة (ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك)، وهذا يعني اننا أمام ثلاث عبارات تتصل جميعاً بمبادئ الله تعالى او شريعته وهي: كتاب الله تعالى، ودين الله تعالى، وسنن النبي(ص) فما هي دلالة تطرفها؟
ويمكننا ان نوضح عاملاً بان المقصود من (الدين) هو الأيمان بالله ومبادئه العامة... واما (الكتاب) فهو القرآن الكريم بما يتضمنه من المبادئ العامة والجملة والمفصلة في آن واحد، اي: ثمة آيات تتناول المبادئ العامة لدين الله تعالى، وثمة آيات جملة من حيث أحكامها أو سائر ظواهرها في مجال السياسة والاخلاق والاقتصاد والاجتماع وغيرها، بالاضافة الى وجود آيات مفصلة او محكمة وأما سنن النبي(ص) فهي: المبادئ التي فصلها(ص) من مجمل الكتاب أو الموحاة اليه من قناة الغيب عن مختلف طرق الوحي...
والمهم اخيراً: ان عبارة الدعاء التي حدثناك عنها في اشاراتها الى الكتاب والدين والسنن: ترتبط جميعاً بما طالها من التعطيل لمبادئها من خلال المنعزلين عن السماء (كالكفا) أو المتمردين على مبادئه تعالى كالمنعزلين عن التمسك بالثقلين، أو مطلق المنحرفين ونسأله تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بهما، ويرزقنا المشاركة في الحركة الاصلاحية للامام عليه السلام.
*******