لازلنا مع دعاء العهد، وهو الدعاء الذي انشأه الامام الصادق عليه السلام ليقرأ كل صباح (لا اقل من اربعين صباحاً) لندب شخصية العصر الامام المهدي عليه السلام، والتوسل بالله تعالى بان يجعل قارئ الدعاء ملتحقاً بمعركة الامام المهدي عليه السلام لازالة الفساد في الارض، ويجعل من اعوانه..
وقد عرضنا جملة مقاطع من الدعاء بحسب تسلسلها، ووقفنا في لقائنا السابق عند الفقرة القائلة: (فاظهر اللهم لنا وليك وابن بنت نبيك، المسمى باسم رسولك)، وقد اوضحنا نكاتها ودلالالتها،.. ونتابع الآن ما ورد بعدها وهي فقرة: (حتى لايظفر - اي الامام المهدي عليه السلام- بشيء من الباطل الا مزقه، ويحق الحق ويحققه)..
اذن: لنتحدث عن الفقرة المذكورة..
العبارة تتطلع (عبر توسلها بالله تعالى بان يظهر لنا وليه): تتطلع الى ان يمزق الامام عليه السلام الباطل، وان يحق الحق ويحققه.. وما نعتزم توضيحه الآن هو: ان نتحدث عن النكات التي نستخلها من العبارة الاستعارية المطالبة بتمزيق الباطل وتحقق الحق.. فما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
بالنسبة الى العبارة الاولى وهي الاستعارة القائلة: (حتى لايظفر بشيء من الباطل الا مزقه).. ان هذه العبارة الاستعارية (اي: تمزيق الباطل) قد تبدو من حيث بساطتها والفتها ذات دلالة لاتحتاج الى توضيح، ولكنها في سياق استخدامها لحركة الامام عليه السلام الاصلاحية تتميز بأهمية كبيرة.. فالتمزيق لقطعة القماش مثلا او التمزيق لورقة امر عادي في تجاربنا اليومية، ولكنها اي عملية التمزيق لظاهرة الباطل تجسد امراً له خطورته.. فالباطل في المجتمعات العلمانية وفي المجتمعات غير الملتزمة اسلامياً، قد اخذ في فتراته المتفاوتة قديماً وحديثاً مظاهر متنوعة من الحضور اخذ مثلا في مستوى الحياة السياسية: مظاهر الديمقراطية او الاشتراكية او الرأسمالية، وفي مستوى الحياة الاجتماعية (ظاهرة تحرير المرأة)، وفي مستوى التحريف لواقع الاسلام (وما نجده في المذاهب المتخلفة الناصبة عداءها لمذهب الحق..) هذه المظاهر التي نلحظها في حياتنا المعاصرة: قد جسدت الحضور الفعلي، واكتسبت في الاذهان البليدة مشروعيتها، وهو امر او ظاهرة مجسدة لمفهوم (الباطل) تماماً، لذلك، فان ازاحة مشروعيته لدى المنحرفين، يحتاج الى عملية خاصة تتناسب مع الخيوط التي نسجها المنحرفون، ومع الصفحات التي كتب بها المنحرفون، مبادئ الباطل، ولذلك جاءت الاستعارة المطالبة بتمزيق الباطل متناسبة مع عملية النسج لخيوط الباطل او عملية الكتابة لسطوره... كيف ذلك؟
من البين، ان النسج لقطعة قماش، يظل ثوباً، على سبيل المثال، صالحاً لان يرتدى، او ان الكتابة في ورقة ما وتسجيلها، تشكل ورقة عمل مجسدة لمبادئ يعمل بها في هذا المجتمع او ذاك.. من هنا، بما ان هذه الاوراق او ذلك النسبج هما: سطور باطلة او خيوط واهية وغير صالحة للنسيج: عندئذ فان العملية المناسبة لكشف زيفها هو: تمزيقها، وهذا ما عبر عنه الامام الصادق عليه السلام في صياغته لدعاء العهد، عندما توسل بالله تعالى على السنتنا نحن القراء للدعاء المذكور، بان يعجل ظهور الامام المهدي عليه السلام (حتى لايظفر بشيء من الباطل الا مزقه..).
اذن: تمزيق الباطل بهذا النحو من الادراك لحركة الامام الاصلاحية قد اتضح بجلاء..
وهذا فيما يرتبط بالعبارة المتوسلة بالله تعالى بان يتيح للامام عليه السلام بتمزيق الباطل.. ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة الاخرى المتممة لسابقتها وهي قوله عليه السلام: (ويحق الحق ويحققه...)؟
لانحتاج الى تأمل طويل حتى ندرك سريعاً بان تمزيق الباطل، (نسيجاً او اوراقاً) عندما يتم: حينئذ فان دور الحق سيفرض ضرورته.. ولذلك طالب الدعاء او توسل بالله تعالى بان يجعل الامام المهدي عليه السلام محقاً للحق ومحققاً له.. هنا نعتقد ان قارئ الدعاء يتطلع الى معرفة هذه العبارة ايضاً، مع انها واضحة الدلالة من حيث بساطتها والفتها، ولكنها، في الواقع تحتاج ايضا الى القاء الانارة عليها.. وسبب ذلك هو: ان الدعاء المذكور لم يكتف مثلا بالتوسل بالله تعالى بان يجعل الحق هو الظاهرة التي ستفرض وجودها، بل ربط ذلك بدلالتين هما: ان (يحق) الامام عليه السلام (الحق) من جانب، وان (يحققه) من جانب آخر.. وهذا موضوع يحتاج كما قلنا الى القاء الانارة عليه، وهو ما نحدثك عنه في لقاءنا اللاحق ان شاء الله تعالى..
*******