نحن الآن مع دعاء العهد، وهو الدعاء الخاص بندب شخصية العصر الامام المهدي عليه السلام، حيث يتلى كل صباح (لا اقل من اربعين صباحاً) بحسب ما ورد عن المعصوم عليه السلام، وقد حدثناك عن مقطعه المتوسل بالله تعالى بان يجعلنا من انصاره واعوانه، والذابين عنه، والمسارعين اليه ثم قضاء حوائجه والمتمثلين لاوامره والمحامين عنه، والسابقين الى ارادته، والمستشهدين بين يديه.. هذا المقطع حدثناك عن قسم منه، وبقي قسمه الآخر، وهو الفقرات المتوسلة بالله تعالى بان يجعلنا من المحامين عنه، والسابقين الى ارادته، والمستشهدين بين يديه.. وهذا ما نبدأ الحديث عنه الآن..
العبارة الاولى من هذا القسم من الدعاء هي: التوسل بالله تعالى بان يجعلنا من المحامين عن الامام.. ونحسبك ستسأل اولاً: ماهو الفرق بين هذه العبارة الادعية الى المحاماة عن الامام المهدي عليه السلام وبين عبارة سابقة هي: العبارة الداعية الى الذب عنه عليه السلام حيث قالت العبارة (والذابين عنه)؟ ونجيب عن السؤال المتقدم فنقول: (الذب) عادة يطلق على الدفاع عسكرياً.. واما المحاماة: فتشمل عموم الدفاع الذي قد يكون عسكرياً، وقد يكون قولياً، وقد يكون ادارياً.. الخ. ومن الواضح ان الامام عليه السلام عبر ظهوره المقترن بالعمل العسكري والمدني، يحتاج محبوه والمتطلعون الى ظهوره، والعمل تحت لوائه: يحتاجون الى ان يساندوه بكل المستويات الممكنة، ومنه: الدفاع عن مهمته الاصلاحية، حيث ان المجتمع البشري ابان ظهوره (كما تخبر النصوص بذلك، وكما نلحظه من الظروف الدولية والاقليمية) يبلغ قمة فساده وانحرافه وصراعه وفقدان قيمه الانسانية حتى داخل المجتمع المحلي بحسب مصطلح علماء الاجتماع في التفرقة بين ما هو محلي تطبعه سمات مشتركة في الافكار وفي العاداة والتقاليد والاعراف، قبالة ما هو عام من المجتمعات المتفاوتة في خطوطها الثقافية او الحضارية وما يترتب على ذلك من صراع الحضارات او الثقافات.. نقول: حتى في نطاق المجتمع المحلي، بل حتى في نطاق اصغر منه وهو: الطائفة الواحدة: نجد ان النصوص الغيبية بالاضافة الى ملاحظاتنا الميدانية حالياً: نجد مؤشرات واضحة الى سعة ميادين الصراع، حتى ليصل الامر كما تقول النصوص الشرعية الى ان يلعن البعض الآخر، وهو ما يجسد قمة الانشطار والتباين في المنطلقات والاساليب والنتائج.. الخ. من هنا، فان المحاماة عن الشخصية الحقة والمذهب الحق، يفرض ضرورته لهداة الرايات الضالة والمضلة..
تأسيساً على ما تقدم، فان المحاماة المشار اليها لابد وان تأخذ مسارات متنوعة من جانب، وتتطلب من الجانب الآخر، مسابقة الى تبني ذلك للتسريع بعملية الاصلاح العالمي على يد الامام عليه السلام.. لذلك، نجد ان الفقرة او العبارة التي توسلنا بالله تعالى بان يجعلنا من السابقين الى ارادة الامام عليه السلام.. اي: عدم التراخي في الامر وعدم ايكاله الى الاخر، بل المسابقة في تحقيق ذلك، بصفة ان المسابقة تتناغم في دلالالتها مع التنافس الايجابي، كما يتنافس العلماء مثلاً في تقديم النموذج الافضل في بحوثهم العلمية، وهو ما يمكن تحققه في ميدان المحاماة عن الامام عليه السلام في ضوء ما يقدمه من الاوامر او التوصيات او الارشادات.. الخ.
اخيراً: يواجهنا في مقطع الدعاء المشار اليه توسل مهم كل الاهمية الا وهو: ان يجعلنا الله تعالى من المستشهدين في معركة الاصلاح، حيث ان الشهادة بين يدي الامام المهدي عليه السلام تعد: اعلى قيم الشهادة على الاطلاق.
اذن: المقطع الذي تحدثنا عنه: بدءاً من توسل الداعي الى ان يجعلنا الله تعالى من انصار الامام المهدي عليه السلام، وانتهاء بالتوسل به تعالى ان يجعلنا من المستشهدين بين يديه عليه السلام،.. هذا المقطع يعبر بوضوح عن عاطفة قارئ الدعاء، وايمانه، ومعرفته بامام عصره، وما يتعين عليه من الاضطلاع بمسؤوليات ذلك، وهو امر ندعو الله تعالى الى ان يوفقنا اليه، وان يوفقنا لممارسة الطاعة بنحوها المطلق.
*******