نحن الآن مع قسم آخر من دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يقرأ كل صباح (لا اقل اربعين صباحاً)، وهو خاص بندب شخصية العصر الامام المهدي(ع)،.. وقد حدثناك عن اول مقاطعه المرتبطة بتوسلنا بالله تعالى بان يجعل صلواته على الامام(ع) بزنة عرشه، ومداد كلماته، وما احصاه كتابه، وما احاط به علمه.. وقد لاحظنا في لقاءات سابقة ما ترمز اليه العبارتان الاولييان وهما (زنة عرش الله) و (مداد كلماته).. اما الآن فنتجه الى العبارة الثالثة من المقطع وهي (وما احصاه كتابه).
قبل ان نحدثك عن الرمز الذي ينظم عبارة (وما احصاه كتابه) نذكرك باننا قلنا: ان الرمز الاول من مقطع الدعاء (زنة عرش الله) قد انسحب على جوهر الصلوات التي بلغناها، بينما تناول الرمز الثاني من مقطع الدعاء (مداد كلماته) كلاً من الكمّ والكيف،.. اما الرمز الثالث (وهو ما نحدثك عنه الآن) فقد عرض لمستوى ثالث من حجم الصلوات ومساحتها من خلال الاحصاء العددي لها.. والسؤال هو: عندما يقول الدعاء (وما احصاه كتابه): ألا يعني هذا ان هدف الامام الصادق(ع) من عبارة الدعاء المذكورة هو: الكمّ من الصلوات مقابل ما لحظناه من (الكيف) من العبارة الاولى وزنة عرش الله تعالى؟.. وللاجابة عن هذا التساؤل نمهد لها ببعض الحديث، فنقول: ماالمقصود اولاً بالكتاب؟.. لقد وردت كلمة (الكتاب) في القرآن الكريم لتشير الى اكثر من (رمز)،.. فقد ورد مثلاً قوله تعالى: (وكلّ شيء احصيناه كتاباً) كما ورد قوله تعالى: (ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).. ففي ضوء هاتين الآيتين الكريمتين نستطيع الذهاب الى ان مصطلح (الكتاب) يتجاوز الدلالة الواحدة الى اكثر.. فالآية الاخيرة مثلاً توضيح بجلاء ان (الكتاب) يقصد به صحيفة اعمال العبد، بينما الآية الاولى وهي (وكل شيء احصيناه كتابا) تتناول اكثر من دلالة حسب ما ورد عن النصوص المفسرة.. فقد ورد مثلاً ان (الكتاب) هو: ما كتب في اللوح المحفوظ من مختلف الظواهر التي قدرها الله تعالى.. كما ورد انها (اي العبارة او الرمز) الى صحيفة الاعمال.. ولكن في الحالتين يعنينا ان نربط بين عبارتي الدعاء اي (عبارة احصاه) وعبارة (كتابه) حيث نخلص سريعاً الى ان كلمة (احصاه) تعني: العدد، وهذا معناه: ان الدعاء يتضمن توسلاً بالله تعالى بان تكون الصلوات على الامام المهدي(ع) من العدد بحيث يتناسب مع ما احصاه كتاب الله تعالى.. وهذا يجرنا الى طرح التساؤل بصياغة اخرى، وهي: هل ان الاحصاء الوارد في الآيتين الكريمتين مقدر بعدد ما؟ ثم: ما هو حجمه وقدره؟.. اننا عندما نطرح امثلة هذا التساؤل نستهدف منه ان نتبين جميعاً معنى ما نقرأ من الدعاء، فما دمنا نتطلع الى الامام المهدي(ع) والى تعجيل ظهوره والى ان نصبح من انصاره الخ، حينئذ الا يجدر بنا ان نعرف دلالة ما ننطق به من الكلام؟
الذي نعتقده هو: ان عبارة (ما احصاه كتابه) تتجاوز ظاهرة العدد ومقداره الى دلالة جديدة تقترن بالعملية الاحصائية المذكورة.. ان الله تعالى عندما يحصي اعمال العبد مثلاً (يخرج له يوم القيامة صحيفة اعماله منشورة) حينئذ ما هو عدد البشر الذين يحصى عدد اعمال كل واحد منهم؟.. نعتقد ان الادراك العقلي يعجز عن تصور الاعداد المتجمعة.. ثم: عندما نتجه الى التفسير الذاهب بان قول الله تعالى: (وكل شيء احصيناه كتابا) يتناول في احد دلالاته التفسيرية ما هو المكتوب في اللوح المحفوظ من الوقائع والاحداث او مطلق الظواهر التي كتبها الله تعالى للكون.. ان الدلالة الجديدة هنا تتمثل في كتابته المقدرة لهذا الوجود، وهي بدورها لاتحصر في اعداد خاصة بقدر ما تكشف عن اهمية ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ ومن ثم وهذه هي النكتة المهمة التي نستطيع ان نكتشفها متمثلة في ان ما يجسده الله من الخطورة في ما كتب في اللوح المحفوظ يتناسب مع خطورة ما نتشدق ونتطلع الى تحقيقه من حيث عواطفنا المبلغة (الصلوات) على الامام المهدي(ع)...
اذن: امكننا ان نكتشف دلالة جديدة بالاضافة الى العملية الاحصائية بالنسبة الى ما ترمز اليه عبارة (ما احصاه كتابه)...
اخيراً: الاهم من ذلك كله هو: ان نتبين بدقة ما تعنيه هذه العبارات التي تقرأ كل صباح، وان نعد انفسنا لتحمل مسؤولية ما نطلبه من الله تعالى بالنسبة الى ظاهرة تعجيل ظهور الامام المهدي(ع)، مما يقتادنا الى ان نحرص على تحقيق ذلك، والتصاعد به الى النحو المطلوب من ممارستنا الاخلاقية او العبادية، ان شاء الله تعالى.
*******