وتقع محطّة قطار سامراء في الجهة الغربية من نهر دجلة على بعد أربعة كيلومترات من ضفتها ومع هذا هناك خط فرعي يوصل القطار إلى الشاطئ فلم يترك على المسافر إلاّ العبور إلى الضفة الشرقية بالزورق.
أما طريق السيارات فيمرّ من مخافر ومحطّات التاجي والمشاهدة والناذريات وسميكة وبلد والاصطبلات إلى أن يصل الجسر الذي يربط ضفتي النهر فيدخل المدينة الحالية.
وتقع مدينة سامراء الحالية في الجهة الشرقية من نهر دجلة على بعد نصف كيلومتر من ضفتها. والمدينة الحالية مسوّرة بسور مضلع على شكل يميل إلى الاستدارة يبلغ طول محيط السور المذكور كيلومترين ولا يتجاوز قطره الأعظم ستمائة وثمانين متراً والمساكن والحوانيت متكاثفة داخل السور في دروب ضيقة مجتمعة حول الجامع الذي يحتوي على ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السّلام.
ولسور المدينة أربعة أبواب: باب القاطول في الغرب، وباب النصارية في الشمال، وباب بغداد في الشرق، وباب الملطوش في الجنوب. ولقد هدم باب القاطول قبل بضع سنوات وبنيت دائرة الحكومة والمدرسة الابتدائية ودائرة البلدية، والمستشفى، خارج السور على طرفي الطريق الممتد من باب القاطول إلى الشريعة والمعبر والجسر كما بنيت على ضفتي النهر بناية تحتوي على مضخات الماء ومكائن الكهرباء وأسست خلف ذلك حديقة للبلدية، وقد أخذ الناس يبنون بعض الدور في العرصات الواقعة بين السور وبين شاطئ النهر. وكذلك هدم باب الملطوش وبني خارجه مسلخ ومذبحة، وأما باب بغداد فقد حول إلى متحف محلي تعرض فيه نماذج من الآثار المستخرجة من الحفريات التي تقوم بها مديرية الآثار القديمة في أطلال سامراء.
إنّ مدينة سامراء الحالية مبنية على أطلال المدينة القديمة ومحاطة بها من كل الجهات وتمتدّ أطلال المدينة القديمة على طول نهر دجلة إلى أبعاد شاسعة وتصل من جهة الجنوب إلى محل قريب من فهم نهر «القائم» ومن جهة الشمال إلى صدر نهر «الرصاص»، ولذلك يبلغ طول الأطلال نحو أربعة وثلاثين كيلومتراً، تقع ثمانية منها جنوب المدينة الحالية والبقية في شمالها.
*******
كلام الحَمَوي في انحلال سامراء
قال في معجم البلدان عند ذكره سر من رأى: ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة منذ أيّام المعتصم والواثق والمتوكل إلى آخر أيّام المنتصر بن المتوكل. فلّما ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والعزل وانفسدت دولة بني العباس لم تزل سر من رأى في تناقص للاختلال الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله فخربت حتّى لم يبق منها إلا موضع المشهد. ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء، وسائر ذلك خراب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلّها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكاً منها. فسبحان من لا يزول ولا يحول.
قال: وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمّى بالعزيزي قال: وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلاّ الأبواب والسقوف، فأمّا حيطانها فكالجدد، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتّى انتهينا إلى العمارة منها وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها. ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلاّ نحو الظهر، ولا شك أنّ طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ.
*******
كلام ابن المعتز في انحلال سامراء
قال في المعجم عند ذكره سامراء: كتب عبد الله بن المعتز إلى بعض إخوانه يصف سر من رأى ويذكر خرابها:
كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد جدرانها. فشاهد اليأس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر. فكان عمرانها يطوى. وكان خرابها ينشر وكلفت إلى الهجر نواحيها واستحث باقيها إلى فانيها. وقد تمزقت بأهلها الديار. فما يجب فيها حق الجوار. فالظاعن منها ممحو الأثر. والمقيم بها على طرف السفر. نهاره إرجاف وسروره أحلام ليس له زاد فيرحل. ولا مرعى فيرتع، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا بعدما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض. وقرار الملك. تفيض بالجنود أقطارها. عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد، كأن رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول. على خيل تأكل الأرض بحوافرها. وتمد بالنقع سائرها، قد نشرت في وجوهها غرار كأنها صحائف البرق، وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين، ونيطت عذاراً كالشنوف في جيش يتلقف لأعدائه أوائله. ولم ينهض أواخره. وقد صب عليه وقار الصبر. وهبت له روائح النصر. يصرفه ملك يملأ العين جمالاً. والقلوب جلالاً. والناس في دهر غافل. قد اطمأنت بهم سيره. والدهر يسير بالمقيم يمزج البؤس بالنعيم، وبعد اللجاجة انتهاء والهم إلى فرج. ولكل سائلة قرار. وبالله أستعين ومحمود على كل حال.
قال: وكان ابن المعتز مجتازاً بسامرا متأسفاً عليها، وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها، ولما استدبر أمرها جعلت تنتقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمرها بها، فقال ابن المعتز:
قد أقفرت سُـرّ مَن رأى
ومـا لــشـيءٍ دوامُ
فـالنـقض يـحمل منها
كــأنــهــا آجـامُ
مـاتــت كما مات فيلٌ
تـُسـلُّ مـنـه العظامُ
*******
تقع سامراء شمال مدينة بغداد على بعد نحو (۱۳۰) كيلومتراً على الضفة اليسرى من نهر دجلة. وهي قضاء تابع لمحافظة بغداد من الناحية الإدارية.
أُسست مدينة سامراء بعهد الحاكم العباسي المعتصم بن هارون الرشيد سنة (۲۲۱ هـ / ۸۳٦ م) وهو ثامن خلفاء بني العباس ليجعلها عاصمة جديدة، ثمّ وسعها ابنه الواثق. وأوصلها إلى أقصى اتساعها المتوكل إلاّ أنّ المدينة تركت بعد ذلك وأعاد المعتمد مقر الخلافة إلى بغداد، ولم يكن قد مرّ عليها إلاّ أربع وخمسون سنة مَلَك خلالها ثمانية من خلفاء بني العباس وهم: المعتصم، والواثق، والمتوكّل، والمنتصر، والمستعين، والمعتزّ، والمهتدي، والمعتمد.
ولا تُعرف مدينة اتسع عمرانها في بضع سنوات كما اتسع عمران مدينة سامراء حتّى امتد إلى مسافة (۳٥) كيلومتراً على ضفتي نهر دجلة. ومدينة سامراء الحالية مبنيّة على أطلال مدينة سر من رأى القديمة.
والناظر إلى مدينة سامراء يرى هناك قُبتَين؛ إحداهما مُغَشّاة بزلاج الذهب والثانية مغشاة بالكاشي الأزرق الملون.
أمّا القبّة الزرقاء فيقع تحتها الجامع الكبير، وما يسمّى سرداب الغَيبة، وهي مستديرة الشكل.
أمّا القبّة الذهبية فيقع تحتها ضريحا الإمامين؛ علي الهادي وولده حسن العسكري عليهما السّلام، كما يوجد معهما في الضريح جعفر بن علي الهادي وأخوه حسين والشريفة حكيمة بنت محمد الجواد والشريفة نرجس زوجة الإمام الحسن العسكري، وغيرهم من آل البيت الأطهار، والقبّة الذهبية تقع في وسط الصحن الشريف.
إنّ قبّة الإمامين مطلية بالذهب الذي تبرّع به السلطان ناصر الدين شاه القاجاري وذلك سنة ۱۲۸٥ هـ كما هو مكتوب على القبّة نفسها. وهذه القبّة من أكبر قباب الأئمّة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث يبلغ محيطها (٦۸) متراً وقطرها (۲۲) متراً و (٤۳) سنتيمتراً، كما يبلغ عدد طابوق الذهب الملصوق بها (۷۲۰۰۰) طابوقة. وبالجهة الجنوبية من الحضرة تقع منارتان مُغَشّاتان بالكاشي الأزرق يبلغ ارتفاع كل واحدة منها من الأرض إلى فوق (۳٦) متراً. وأمّا من سطح الحضرة فيبلغ (۲٥) متراً، وفي داخل الصحن يوجد (٤٥) إيواناً؛ ۱٦ من الغرب و ۹ من الجنوب و ۲۰ من الشرق.
ويوجد في سامراء سرداب اسمه سرداب الغيبة، وهو سرداب الدار التي كان يسكن فيها الأئمّة عليهم السّلام وليس له ميزة غير هذه الميزة. وقد حاك أعداء الشيعة الأساطير عن هذا السرداب ونسبوا إلى الشيعة أنّهم يقولون إنّ المهدي غاب فيه وأنّه سيخرج منه. وكل هذا زور وبهتان، فلا يعتقد الشيعة إلاّ أنّه سرداب دار الأئمّة.
وللسرداب باب خشبي جميل باقٍ من عهد الحاكم العباسي الناصر لدين الله، أي أنّه مضى على صنعه أكثر من سبعة قرون.
وكان لسامراء نهضة علمية لمّا سكنها الميرزا السيّد محمّد حسن الشيرازي وصارت إليه الرحلة العلمية من الآفاق، وكانت في عصره مدرسة عظمى للشيعة في العلوم الدينية، وبعد وفاته سنة ۱۳۱۲هـ عادت إلى شبه حالتها الأولى. واليوم فيها جماعة من العلماء والطلاب.
*******
المصدر: موقع http://www.imamreza.net.