في لقاء سابق قلنا: ان مقدمة دعاء العهد تتضمن ثلاثة موضوعات، احدها يتصل بظواهر معنوية مادية، كالمناداة بأسم رب الكرسي الرفيع، والنور العظيم، والبحر المسجور، والآخر: يتصل بالكتب المنزلة (التوراة، الانجيل، الزبور والقرآن العظيم)، والثالث ما نحدثك به الآن، يتصل بالملائكة والانبياء والمرسلين، حيث يقول الدعاء: (ورب الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين)...
والسؤال هو: ماذا نستخلص أو يتداعى الى ذهننا من هذه المناداة: اي: المناداة برب الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين؟ هذا ما نبدأ بتوضيحه...
قلنا سابقاً ان المناداة او ان القسم بظاهرة ما تعني: اهمية هذه الظاهرة ولفت نظرنا اليها... وبالنسبة الى الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين، فان أهمية هذه الظواهر لاتحتاج الى مزيد من التوضيح... ولعل اهم ما يتعين علينا استخصاره اولاً هو ان الملائكة والانبياء والمرسلين هم القوى التي خلقها الله تعالى لممارسة عملهم العبادي من جانب (حيث ان الله تعالى خلق الجن والانس ليعبدوه)، ومن جانب آخر: هؤلاء يشكلون قوي او اجهزةً إداريةً (اذا صح التعبير) رسم الله تعالى لها ادواراً متنوعةً... فالملائكة مثلاً يضطلعون بجملة ادوار في ادارة الكون على مختلف صعده الاقليمية (كالسماء، والجو، والبر، والبحر)، ومختلف صعده العنصرية (من بشر وسواه)، ومختلف صعده المرتبطة عادة الحياة... وقد وصفهم الدعاء بانهم (المقربون) تعبيراً عن مستويات ممارستهم ووعيهم العبادي، وتعبيراً عن اضطلاعهم بالادارة المشار اليها...
ولكن: ماذا عن الانبياء والمرسلين؟
مع ان النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام تحدد لنا فروقاً بين (النبي) و(المرسل) او الرسول، كالرواية القائلة عن الامام الصادق عليه السلام ان النبي: هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولايعاين الملك. والرسول: الذي يسمع الصوت ويرى في المنام، ويعاين الملك...
او كالرواية المشيرة الى آلاف (الانبياء) ومحدودية عدد المرسلين، ... او الاقوال الواردة عن المفسرين في اشاراتهم الى ان الرسول مثلاً هو من بعثه الله تعالى بشريعة جديدة، او الاقوال المشيرة الى وجود (الكتب) وعدمها في التفرقة بينهما ... نقول: بغض النظر عن ذلك، فان الرسل والانبياء ماداموا قد اضطلعوا بأهم ما ينبغي توصيله الينا، وهو: المبادئ التي رسمها الله تعالى، اي معرفة الاحكام، ومعرفة العقائد والاخلاق، وممارستها وفقاً للوظيفة العبادية التي اوكلها الله تعالى للبشر: حينئذ فان أهمية الرسل والانبياء تتبدئ بوضوح حينما نعلم انهم هم الذين قد اوصلوا الينا المبادئ المذكورة،... وهذا وحده كاف في خلع السمة الخطيرة عليهم... فضلاً عن انه كاف ان الله تعالى قد اصطفى نفرا خاصاً لايصال رسالاته الى البشرية وسواها...
لكن: لنتجاوز هذه المقدمة وماسبقها، لنتجه الى دعاء العهد الخاص بندب شخصية صاحب العصر الامام المهدي(ع)، ... فماذا نجد؟...
هنا نواجه قسماً او سؤالاً او نداءً جديدا هو قول الامام(ع): (اللهم اني أسألك بوجهك الكريم، وبنور وجهك المنير، وملكك القديم...) ثم: بعده هذه الاشارة الى الاسم والوجه، والملك... يتجه الدعاء الى نداء آخر هو (يا حي يا قيوم، أسألك بأسمك الذي اشرقت به السماوات والارضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حياً قبل كل حي، ويا حياً بعد كل حي، ويا حياً حين لا حي، يا محيي الموتى، ومميت الاحياء، يا حي لا اله الا انت،...) ثم يقول: (اللهم بلغ مولانا الامام الهادي المهدي ...) .
طبيعياً: من هذه الفقرة او العبارة القائلة (اللهم بلغ مولانا) يبدأ (الندب) لشخصية العصر الامام المهدي(ع) لكن السؤال هو: ان ما سبق ان سألناه ايضاً - في لقاء متقدم- هو: ان اية مقدمة لابد وان تشكل ارهاصاً بما سيتضمنه الدعاء للامام المهدي(ع)... فقد لاحظنا المناداة باسم رب النور العظيم والكرسي الرفيع والبحر المسجور، والظل والحرور، ومنزل التوراة والانجيل والزبور والقرآن العظيم، ومنزل القرآن العظيم، ثم: رب الملائكة والانبياء والمرسلين،... ثم: هذا القسم او المناداة بصفات خاصة لله تعالى: كصفة (الحي) وصفة (المميت المحيي)، والاسم الذي اشرقت به السماوات والارض ...، نقول: ان التأكيد على هذا النمط من الصفات، وفي مقدمقها (الحي)، والمميت، والمحيي... هل تشكل بدايةً او ارهاصاً بما ستيضمنه الدعاء من ندب شخصية العصر(ع)، وما يتصل بذلك من (الرجعة) وملابساتها المرتبطة بسمات الاحياء والاماتة ... هذه التساؤلات تظل لها اهميتها، وسنحدثك عنها ان شاء الله تعالى في لقاء لاحق....
*******