وفي مباني الحرم الرضويّ عدد من الإيوانات الكبيرة العريقة في قِدمها، وعدد آخر حديث البناء استُحدث في ربع القرن الأخير، ممّا يشاهد الزوّار وهم يتنقـّلون في صحون الحرم. وتضمّ هذه الإيوانات عادةً أبواباً ومداخل إلى الصحون أو إلى داخل الروضة المنوّرة.
وهي في الواقع مداخل عظيمة في بيت الإمام الرضا (عليه السلام) الواسع الكبير. وكم هو لائق بالإمام العظيم أن يُدخَل عليه من بابٍ عظيم، فنحن نشعر هنا - في حرم الرضا - أننا أمام سلطنة واقعيّة أسمى من الظاهر المحسوس، تحكم وتشاء، وأمام مليك حقيقيّ له سلطان على الأرواح والقلوب، على غير ما نعهد من السلطنات التي يصطنعها الملوك والأباطرة والأكاسرة، ليُضفـُوا على سلطنتهم أبّهة فجّة، وغطرسة خاوية قليلة الأيّام. إنّ كبراء الناس وسلاطينهم ليأتون الرضا - إذا أتَوه - خاضعين مطأطِئي الرؤوس، وهم يدركون أنّهم على أعتاب مُلك حقيقيّ وقدرة واقعيّة غالبة؛ لأ نّها من أمر اللَّه عزّ وجلّ. وهذا ما تقرّره - بوضوحٍ واضح - عبارات «الزيارة الجامعة الكبيرة» التي تحكي طرفاً من منزلة أهل البيت (عليهم السلام) إذ يعلّمنا الإمام عليّ الهادي (سلام اللَّه عليه) فيها أن نخاطبهم قائلين: «آتاكم اللَّهُ ما لم يُؤتِ أحداً من العالَمين. طأطأ كلُّ شريفٍ لشرفكم، وبَخَعَ كلُّ مُتكبِّرٍ لطاعتِكُم، وخَضَعَ كلُّ جبّارٍ لفضلِكُم، وذَلُّ كلُّ شيءٍ لكم...».
هنا في محضر الإمام الرضا (عليه السلام) كلّ شيء متميّز، وكلّ شيء له معنىً وسرّ مكنون. وحتـّى هذا الذهب الذي نلقاه في كسوة أجزاء من عمارة الحرم الطاهر إنّما هو لا ليُكنَز في خزائن خُزّان المال وأخبيتهم، بل ليكون عنصراً من عناصر التجليل ومَعْلَماً من معالم المودّة التي يؤمّلها الناس لهذه الحضرة الغنيّة العظيمة وإلّا فما الذهب - في قدره الواقعيّ - إلّا نوع من التراب أضفَت عليه نُدرتـُه قيمةً مادّيّة لدى التعامل في سوق الدنيا.
تَفتَخرُ الملوكُ في عروشِها
بأنّها تَلبسُ تِيجانَ الذهبْ
وعند عَتبةِ الرضا
يَدوسُ زوّارُ الرضا على الذهبْ!
ومهما يكن فإنّ أقدم إيوانات العتبة الرضويّة المذهَّب بعضها: أربعة إيوانات، تُسمّى بأسامي الجهات الأربع للعالم، وهي:
۱. الإيوان الجنوبيّ (إيوان الذهب)
موضع هذا الإيوان شماليّ رواقَي دار الشكر ودار الشرف. وهو - من الوجهة المعماريّة والفنيّة - من أبرز ملامح الجمال في مباني الحرم؛ فالسقف والجدران مسكوّة بصفائح من الذهب، وتقوم فيه أربعة أبواب، تنفتح ثلاثة منها على أروقة دار الشكر ودار الشرف وتوحيدخانه، ويفضي رابعها إلى الطابق العلويّ من مبنى صحن الثورة. وهو ممّا شُيّد في الربع الأخير من القرن التاسع الهجريّ، ويتسامى هذا الإيوان مرتفعاً إلى علوّ ۲۱ متراً.
۲. الإيوان الشماليّ (الإيوان العبّاسيّ)
موقعه شماليّ صحن الثورة، وهو متّصل في واجهته الخارجيّة بمأمن الشيخ الطوسيّ، وترتفع في أعلاه منارة ذهبيّة باسقة. يربو ارتفاع هذا الإيوان على ۲۲ متراً، في حين تعلو منارته ما ينيف على ٤۰ متراً. وإنّما يُسمّى أحياناً ب «الإيوان العبّاسيّ» لاقتران بنائه الأوّل باسم الملك عبّاس الصفويّ.
۳. الإيوان الغربيّ (إيوان الساعة)
يشاهد الزوّار هذا الإيوان شرقيّ مأمن الشيخ الطوسيّ وهو إيوان مزدوج: داخلي إلى الصحن، وخارجي يجاور مأمن الشيخ الطوسيّ وهذان الإيوانان الكبيران تملأ جدرانَهما وسقفَيها النقوش والفسيفساء الفنية والآيات القرآنيّة المكتوبة بخطوط جميلة، ويتجاوز علوّهما ۲٤ متراً.
وترتفع فوق هذا الإيوان ساعة كبيرة أُقيمت عليها قبّة صغيرة دقيقة العمارة، وهي تـُرى من الجهات الأربع. وكانت هذه الساعة - هي والساعة الأخرى الماثلة في صحن الحريّة - هما مرجع أهل مشهد في الماضي لتعيين الأوقات، من خلال دقّاتهما عبر فواصل زمنيّة في كلّ ربع ساعة، قبل أن تتّسع هذه المدينة إلى ما هي عليه اليوم.
٤. الإيوان الشرقيّ (إيوان النقّارة)
موضع هذا الإيوان - بفخامته اللافتة للنظر - في الجهة الشرقيّة من صحن الثورة. ويتكوّن أيضاً من إيوانين مزدوجين؛ الداخليّ منهما مفتوح على الصحن، والخارجيّ مُحاذٍ لمأمن الحرّ العامليّ. ويصل ارتفاع هذا الإيوان الى ۲٦ متراً، ويقوم فوقه برج شهير باسم «برج النقــّارة» الممتاز بجمال عمارته وروعة زخارفه الفنيّة.
*******