الراوي: اهلاً بكم احباءنا في الحلقة الحادية عشرة من هذه المجموعة الروائية التي ينقلنا فيها كاتبها الاخ توفيق الى أجواء أواخر القرن الهجري الثاني واوائل القرن الثالث تعريفاً بسيرة الامام الرضا عليه السلام وها هو يلتقي في رحلته الفرضية هذه مع بعض اصحاب الامام ليأخذ عنهم ما رووه من سيرته عليه السلام أراه يدخل على الريان بن الصلت من خاصة الاصحاب، يعرض عليه اولاً رأيه بشأن ولاية عهد المأمون. لنتابع معاً
توفيق: السلام عليك يا سيدي الريان بن الصلت.
الريان: وعليك السلام ورحمة الله يا توفيق العزيز تفضل تفضل فان اكان بن حماد موجود في الداخل وهو ضيفي ايضا.
توفيق: هذا جيد فلدي اسئلة كثيرة.
الريان: تفضل ... تفضل.
توفيق: السام عليك يا سيدي اكاف بن حماد.
الحاق: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... تفضل.. تفضل.
الريان: ها قل ما عندك يا توفيق.
توفيق: ان الامام الرضا(ع) عاش اياماً وسنوات عصيبةً تحت الاقامة الجبرية التي فرضها عليه المأمون العباسي حيث اقدمه من مدينة جده رسول الله(ص) وفرض عليه ولاية العهد بالقسر والاجبار ليكون تحت اشرافه وامام ناظريه يراقب حركاته وسكناته حذراً من أن يلتف حوله الناس ويؤدي الامر بالتالي الى معرفة حقه وفضله وعلمه وحسن ادارته فيتزلزل عرش بني العباس ويتقوض حكمهم. علماً بان الامام الرضا(ع) لم يكن راغباً ولا راضياً بولاية العهد لولا التهديد بالقتل. فهل ما قلته حقاً كان يا سيدي الريان بن الصلت ام باطلا؟
الريان: لقد قلت حقا ونطقت صدقا... وأنا شاهد على ذلك بما سمعته من مولاي ابي الحسن الرضا(ع).
توفيق: وهل قال الامام الرضا(ع) شيئاً في هذا الامر؟
الريان: نعم يا اخي ... فقد دخلت عليه (سلام الله عليه) وقلت له:
الريان: يا ابن رسول الله ان الناس يقولون انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا:
الرضا(ع): ياريان... لقد علم الله كراهتي لذلك الامر.
فلما خيرت بين قبولي ولدية العهد وبين القتل، اخترت القبول على القتل... ويحهم اما علموا ان يوسف(ع) كان نبياً رسولاً، فلما دفعته الضرورة الى تولي خزائن العزيز قال له (اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ امين) ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على اكراه واجبار بعد الاشراف على الهلاك... علماً اني ما دخلت في هذا الامر الا دخول خارج منه، فالى الله المشتكى وهو المستعان.
*******
توفيق: وماذا عندك بعد ياسيدي الريان عن هذا الامر؟
الريان: سمعت ان عرفة قال للرضا(ع) يوماً:
يا ابن رسول الله، ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟
الرضا(ع): ما حمل جدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) على الدخول في الشورى.
توفيق: سبحان الله على هذا الجواب.
ولما أن اخذ المأمون من الامام الرضا(ع) موافقته لولاية العهد بالاكراه صعد المنبر وقال:
مأمون: ايها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) ... والله لو قرأت هذه الاسماء على الصم والبكم لبرؤوا بإذن الله عزوجل.
*******
توفيق: كلمة حق يراد بها باطل... يا له من منافق يظهر حبَّه وتقديسه لأهل البيت(ع) ويخفي في نفسه ما الله مبديه من تآمر على امام زمانه المفترض الطاعة... كما أن الامام الرضا(ع) كان على علم يقيني بأن مصرعه سيكون على يد هذا المرتقي لمنبر رسول الله والممتطي للخلافة بأسم الاسلام.
فماذا تقول يا سيدي اسحاق بن مماد في قولي هذا؟
اسحاق: قولك ليس عليه غبار يا ولدي وهو كما قال مولاي ابو الحسن الرضا(ع).
توفيق: وماذا قال مولانا الرضا يا سيدي؟
اسحاق: كنا عند المأمون، وقد عقد مجلساً جمع فيه المخالفين لأهل البيت(ع) واخذ يحدثهم عن امامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) وتفضيله على بقية الصحابة تقرباً الى أبي الحسن الرضا الذي كان حاضر المجلس. فالتفت الينا الرضا(ع) وكنا ممن يثق بهم وقال لنا:
«لا تغتروا بقوله، فما يقتلني والله غيره ولكنه لابد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب اجله».
توفيق: لذلك كان الامام الرضا(ع) قد أعدَّ لأمامة ابنه ابي جعفر محمد الجواد(ع) بعد انتظار طويل لتحقق الوعد الالهي بولادته(ع) حيث اتخذ المخالفون لأمامة الرضا(ع) عدم انجاب الامام الرضا(ع) ولداً من صلبه يكون اماماً من بعده ذريعةً للقدح والانتقاص من امامته(ع) ولكن الله أبى الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون...
*******
راوي: مازال ابن قياما الواسطي يتربص بالامام الرضا(ع) ويراقبه عن كثب لعله يجد ثغرةً ينفذ منها الى النيل من الامام الرضا(ع) ولكن هيهات فها هو ابن قياما يدخل على الامام الرضا لعله استنفذ آخر ما في جعبته من حجج ولم يبق معه الا هذا:
ابن قياما: يا ابن رسول الله ايكون امامان في وقت واحد.
الرضا(ع): لا ... الا ان يكون احدهما صامت.
ابن قياما: هو ذا... انت ليس لك امام صامت.
الرضا(ع): والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله. والله لا تمضي الايام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً مني يفرق بين الحق والباطل.
*******
راوي: وقد شاءت ارادة الله سبحانه وتعالى ان تحمل الخيزان المرأة الطيبة الطاهرة زوجة الامام الرضا(ع) بابنها المبارك أبي جعفر الجواد(ع) فتدخل الفرح والسرور الى قلب أبيه الحنون الرضا(ع).. وما هي الا ستة اشهر ونيف حتى جاء الامام الرضا(ع) الى اخته حكيمة بنت موسى بن جعفر وقال لها:
«يا حكيمة احضري ولادة الخيرزان ام ابي جعفر وادخلي ومعها القابلة بيتاً وخذي معك ما تحتاجونه لهذا الامر».
وها هي حكيمة تروي لنا عن ولادة ابو جعفر(ع):
*******
حكيمة: ولما دخلنا البيت انا والخيرزان والقابلة وضع لنا أبو الحسن الرضا(ع) مصباحاً واغلق الباب علينا وانصرف.
فلما اخذ الخيرزان الطلق انطقا الصباح وبين يديها الطست فاغتمت لانطفاء المصباح... فبينما نحن كذلك اذا بدر ابي جعفر في الطست وعليه شئ رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت... فأخذته ووضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء... فجاء الرضا(ع) وفتح الباب وقد فرغنا من امره... ووضعه في المهد وقال:
الرضا(ع): يا حكيمة أبقي قرب المهد.
حكيمة: يا الهي الشكر لك والحمد لله يا له من صبي جميل، آه ماذا أسمع انه يقول شيئاً انه ينطق، انه يتكلم، انه يقول:
ابو جعفر(ع): أشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً رسول الله.
حكيمة: يا أبا الحسن سمعت من هذا الصبي عجباً.
الرضا(ع): وماذا سمعت يا حكيمة؟
حكيمة: سمعته ينطق بالشهادتين.
الرضا(ع): يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر.
*******
توفيق: السلام عليكم.
الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته تفضل يا أخنا توفيق.
توفيق: يا صفوان ابن يحيى، اتروي لي ماجرى بينك وبين الامام الرضا(ع) وعن امامة ابنه.
صفوان: نعم يا توفيق اسمع جيداً، دخلت يوما على الامام الرضا(ع) وكنت اشك في الامامة على صبي ابن ثلاث سنين فقلت له:
صفوان: يا مولاي كنا نسأل قبل ان يهب الله لك ابا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً... فقد وهب الله لك، وأقر عيوننا... فلا أرانا الله يومك. فان كان كون فالى من.
الرضا(ع): الى ابني أبي جعفر.
صفوان: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين؟
الرضا(ع): وما يضره من ذلك... قد قام عيسى بن مريم(ع) بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين. وان الله عزوجل بعث عيسى رسولاً نبيا صاحب شريعة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر.
توفيق: وانت يا سيدي يا جعفر النوفلي، بما انك كنت من اصاحب الامام الرضا(ع) فقل لي ماذا جري بينك بين الامام(ع) قبل رحيله الى خراسان.
النوفلي: نعم يا توفيق اسمع ما سأقوله لك: دخلت على الامام الرضا(ع) قبل رحيله بعد ايام وقلت له:
النوفلي: جعلت فداك يا ابن رسول الله ان اناساً يزعمون ان اباك حي ولم يحث.
الرضا(ع): كذبوا لعنهم الله. لو كان حياً ما قسم ميراثه ولا نكحت نساؤه، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن ابي طالب(ع).
النوفلي: اما تأمرني شيئاً يا مولاي
الرضا(ع): أأمرك با بني ابي جعفر محمد من بعدي... وأما أنا فذاهب في وجه لا أرجع منه... بورك قبر بطوس وقبران ببغداد.
النوفلي: جعلت فداك عرفنا من ببغداد. فمن هو الثاني بطوس.
الرضا(ع): ستعرفه انه قبري... قبري وقبر هارون كأصبيعي هاتين.
النوفلي: (آه ان الامام يضم أصبيعه الى بعضهما) ... سبحان الله.
*******
توفيق:يا ابا الصلت الهروي، زدني بما لديك عن الامام الرضا(ع)
ابو صلت: دخلت يوماً على ابي الحسن الرضا(ع) فقال لي:
الرضا(ع): يا ابا الصلت والله ما منا الا مقتول أو شهيد.
ابو الصلت: ومن يقتلك يا ابن رسول الله؟
الرضا(ع): شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة... فمن زارني في غربتي كتب الله عزوجل له اجر الف شهيد...
*******
توفيق: نعم.... يا سيدي المفجوع بمولاه حدثني عما تنوي قوله:
ابو الصلت: يا ولدي بينما انا واقف بين يدي مولاي أبي الحسن(ع) اذ قال لي:
الرضا(ع): يا أبا الصلت..
ابو الصلت: نعم يا مولاي.
الرضا(ع): ادخل الى هذه القبة التي فيها هارون... واتني بتراب من اربعة جوانبها.
ابو الصلت: حسناً يا مولاي.
ابو الصلت: مولاي هذا هو التراب وقد اتيت به من اربعة جوانب القبة.
الرضا(ع): ناولني هذا التراب الذي جلبته من عند الباب.
ابو الصلت: تفضل يا مولاي آه يا الهي ان الامام شم التراب ورماه انه يقول:
الرضا(ع): سيحفر لي ها هنا يا ابا الصلت.
*******
توفيق: يا سيدي أبا الصلت الهروي جزاك الله خير الجزاء، لو سمحت سؤال اخير اليك.
ابو الصلت: تفضل يا ولدي.
توفيق: سيدي كيف طابت نفس المأمون بقتل الامام الرضا(ع) مع ما كان يظهره له من اكرام ويبديه من محبة حتى جعله ولي عهده؟
ابو الصلت: يا ولدي انما كان المأمون يكرم ويحب الرضا(ع) لما يعرفه من فضل الامام(ع)... واما جعل ولاية العهد له وذلك لأمر خبيث حيث اراد المأمون ان يظهر الرضا(ع) بمظهر الراغب في الدنيا فيسقطه من أعين النالس وقلوبهم... فلما رأى المأمون بأن خطته فشلت وازداد الامام(ع) فضلاً عند الناس وكبر في نفوسهم وعظم في قلوبهم... بحث عن خطة أخرى. فجلب المتكلمين من البلدان ومن مختلف المذاهب والأديان لمناظرة الامام. لعل واحداً منهم يغلب الامام وينتصر عليه... الا ان الامام الرضا(ع) وبتسديد من الله عزوجل أفحمهم جميعاً وألجمهم وألزمهم الحجة. فصار الناس يقولون: والله ان الرضا(ع) أولى بالخلافة من المأمون. ولما وصل هذا الكلام الى المأمون اغتاظ واشتد حسده للرضا(ع) كما ان الرضا(ع) لم يكن يحابي المأمون في الحق. بل كان يجيبه بما يكره في اكثر الاحيان فيغيظه ذلك ويحقد عليه ولا يظهره له ... فلما أعيته الحيلة في أمره.. اغتاله بالسم.
توفيق وحاضرين: لعنة الله عليه، لقد قتل الامام من شدة حسده.
*******