الراوي: في هذه الحلقة - احباءنا- ينقلنا كاتب هذه المجموعة الى مجلس مناظرة عقده المأمون العباسي لاحراج علي بن موسى الرضا عليه السلام، وكاتب هذه المجموعة كان قد التقى في رحلته الخيالية التي اختار كأسلوب قصصي لعرض بعض فضائل وسيرة مولانا الرضا عليه السلام، كان قد التقى بأبي الصلت الهروي احد اصحاب الامام، فروى لنا ما رواه ابو الصلت وكأنه قد حضر مجلس المناظرة بنفسه لنتابع معاً روايته...
توفيق: لأذهب مع ابو الصلت الهروي لحضور المناظرة ستعقد عصر هذا اليوم في مجلس المأمون ...
ابو الصلت: انظر يا ولدي لقد جمع المأمون هذا الحشد الهائل من فقهاء ومتكلمي الفرق الاسلامية وعلماء الديانات الاخرى ورجالها من يهود ونصارى ومجوس وصابئة كما هو بادٍ عليهم من هيئتهم وزيهم وجلس هو وحاشيته في صدر المجلس يستمع الى المناظرة...
توفيق: اجل الامام الرضا(ع) ارتقى المنبر يرد على اسئلة الحاضرين...
ابو الصلت: ما شاء الله، ما اعجبه من امام عالم ما قام له مناويء الا الزمه حجته وافحمه واجلسه حسيراً فكأنما القمه حجراً...
توفيق: يا ترى سيأتي دور من الان؟ هه .. من بين هذا الحشد الجالس قام رجل من المسلمين، يا ترى من يكون؟
ابو الصلت: انه علي بن محمد بن الجهم.. لقد قام ابن الجهم مقابل الامام(ع) ليسأله.. لنسمع ما يقول:
علي: يا ابن رسول الله، هل تقول بعصمة الانبياء؟
الرضا(ع): نعم يا علي اقول ان الانبياء معصومون. وقد سمعت عنك انك ممن ينفي العصمة عن الانبياء.
علي: اجل يا بن رسول الله صحيح ما سمعت.
الرضا(ع): ويحك يا علي اتق الله، ولا تنسب الى انبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك يابن الجهم، فان الله عز وجل يقول: (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم).
علي: فماذا ترى يابن رسول الله في قوله تعالى في آدم: (وعصى آدم ربَّه وغوى)؟
الرضا(ع): ان الله عز وجل خلق آدم حجة في ارضه وخليفته في بلاده ولم يخلقه للجنة. وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض وعصمته يجب ان تكون في الارض ليتم مقادير امر الله .. فلما اهبط الى الارض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل: (ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين).
علي: احسنت يا ابن رسول الله وما ترى في قول الله تعالى في يونس: (وذا النون اذ ذهب مغاضباً فظن ان لن نقدر عليه).
الرضا(ع): ان ظن بمعنى استيقن أي استيقن ان الله لن يضيق عليه رزقه، ألم تسمع قول الله عز وجل (وأما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) أي ضيق عليه رزقه. ولو ظن ان الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
علي: احسنت واجملت يا بن رسول الله.
علي: وماذا ترى يابن رسول الله في قوله تعالى في يوسف: (ولقد همت به وهمَّ بها).
الرضا(ع): انها همت بالمعصية وهم يوسف(ع) بقتلها ان اجبرته عليها، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله عز وجل: (وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء). يعني القتل والزنا.
علي: احسنت واكرمت يا بن رسول الله. فما ترى في قوله تعالى في داود (وظن داون انما فتناه).
الرضا(ع): لقد ظن داود(ع) ان الله عز وجل ما خلق خلقاً علم منه. فبعث الله عز وجل اليه الملكين فتسورا المحراب فقالا: (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط، ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب). فعجل داود على المدعي عليه وقال (لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه) ولم يسأل المدعي عن البينة على ذلك. كما لم يقبل داود على المدعي عليه فيقول له: (ما تقول في هذا الادعاء). فكانت هذه خطيئته.
علي: احسنت وانعمت يا بن رسول الله، فما ترى في قوله تعالى في نبيه محمد(ص) (وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله احق ان تخشاه).
الرضا(ع): يا علي... ان الله عز وجل عرف نبيه باسماء زوجاته في دار الدنيا واسماء زوجاته في دار الاخرة، وكان اسم احداهن زينب بنت جحش ابنة عمة النبي(ص) وهي يومذاك كانت زوجة لزيد بن حارثة فأخفى النبي(ص) اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول المنافقون انه قال في أمرأة رجل اخر.
علي: يا بن رسول الله تعني ان الله هو الذي زوَّج زينب بنت جحش من رسول الله(ص)؟
الرضا(ع): اعلم يا علي ان الله ما تولى تزويج احد من خلقه الا تزويج حواء من آدم(ع) وزينب بنت جحش من رسول الله(ص) بقوله: (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها). وفاطمة من علي.
توفيق: لقد اجهش علي بن محمد بن الجهم بالبكاء فلماذا؟
علي: يا ابن رسول الله انا تائب الى الله تعالى من ان انطق في انبياء الله بعد يومي هذا الا ما ذكرته لي.
رجل۱: ايها الاخوة سمعت بان ابن محمد الرقي مريض ما هو رأيكم في عيادته.
رجل۲: نعم والله انه احد اصحاب الامام الرضا(ع).
توفيق: انا ايضاً ساتي معكم واحصل على ثواب عيادة المريض لما لها من اجر عظيم عند الله تعالى.
توفيق: السلام عليكم.
الرقي: وعليكم السلام، تفضلوا تفضلوا.
الرقي: ادعو الله يا احبتي ان يرزقني الله اجر الشهيد ...
توفيق: نحن ندعو الله لك بالعمر المديد.
الرقي: هيهات ... لقد اخبرني مولاي ابو الحسن(ع) بذلك.
رجل۱: وهل حدثك الامام الرضا(ع) بثواب الامراض والعلل يا سيدي؟
الرقي: نعم يا ولدي، كما حدثني بما سأبتلى به من مرض. ولكني لم اعي ولم افهم وقتذاك ماذا كان يريد بكلامه ذاك حتى مرضت.
توفيق: يا سيدي لا احب ان اثقل عليك بالاسئلة وانت على هذه الحال، لان تمام عيادة المريض ان تعجل القيام من عنده كما ورد في احاديثهم عليهم السلام.
الرقي: صحيح ما تقوله يا ولدي الا انها من احسن الحسنات كما قال امير المؤمنين علي(ع). عيادتكم هذه ادخلت السرور الى قلبي، فأنا اشعر بالارتياح رغم الألم، لا سيما وان عيادتكم لي هي الاولى ... فانا آليت على نفسي ان لا تخرج من عندي الا ومعكم حديث او رواية مني ينتفع بها الناس.
توفيق: اذا كان لابد من ذلك فهذا شرف لي حدثني يا سيدي عما اخبرك به الامام الرضا(ع) عن مرضك.
الرقي: اسمع يا ولدي دخلت ذات يوم على ابي الحسن الرضا(ع) وسلمت عليه، فاقبل عليَّ يحدثني واسئله فيجيبني حتى كنت معه في حديث فاذا به يقول لي:
الرضا(ع): يا ابا محمد ما ابتلى الله عبداً مؤمناً ببلية فصبر عليها الا كان له مثل اجر شهيد.
توفيق: وهل كان بينكم حديث عن الابتلاء بمرض او غيره؟
الرقي: لا يا ولدي لم يكن بيننا حديث قبل هذا في شيء من ذكر العلة او المرض والوجع... فقلت فيما بيني وبين نفسي: رجل انا معه في حديث قد عنيت به واذا به يحدثني عن الابتلاء في غير موضعه. فودعته وخرجت من عنده ولحقت باصحابي وقد رحلوا.. فاشتكيت رجلي من ليلتي. فلما كان يوم الغد تورمت ثم اخذ الورم يشتد. فذكرت قوله لي(ع).
فلما وصلت الى المدينة جرى القيح وصار جرحاً عظيماً لا استطيع النوم من ألمه.. وبقيت على هذه الحال بضعة عشر شهراً ... وها انا الان كما ترى طريح الفراش وانتظر الموت وانا صابر على هذا الابتلاء عسى الله ان يرزقني اجر شهيد.
توفيق "انادي عليه": يا سيدي الريان بن الصلت.
الريان: نعم، من يناديني؟
توفيق: انا اناديك ياسيدي.
الريان: انت؟ يا مرحباً بضيفنا العزيز، لم ارك منذ ايام.
توفيق: نعم لقد كنت منشغلاً ببعض الامور. اراك على سفر يا سيدي.
الريان: هو كما ترى، اروم الذهاب الى اهلي في العراق.
توفيق: وهل ودعت مولانا الرضا(ع).
الريان: وهل ارحل عنه دون توديع؟! لقد كنت عنده منذ ساعة.
توفيق: وهل اكرمك بشيء يا سيدي؟
الريان: ذكرتني يا اخي اسمع ساحدثك عما جرى لي مع ابي الحسن الرضا(ع) قبل ساعة.
توفيق: يا الهي ... تفضل. وهل جئت الا من اجل هذا ؟
الريان: عندما دخلت على ابي الحسن لاودعه، قلت في نفسي اذا ودعته سألته ان يعطيني قميصاً من ثياب جسده لاكفن به عند موتي. ودراهم من ماله لاصوغ بها خواتيم لبناتي ... فلما ودعته شغلني البكاء والأسى على فراقه عما نويت ان اسأله من قميص ودراهم.
توفيق: وهل خرجت دون ان تسأله ذلك؟
الريان: فلما اردت الخروج من عنده صاح بي:
الرضا(ع): يا ريان ارجع .. اما تحب ان اعطيك قميصاً من ثياب جسدي تكفن به اذا فنى اجلك.. او ما تحب ان ادفع اليك دراهم تصوغ بها خواتيم لبناتك.
الريان: يا سيدي قد كان في نفسي ان أسألك ذلك فمنعني الغم لفراقك.
توفيق: وبعد ذلك يا سيدي الريان ماذا حصل؟
الريان: فرفع الرضا(ع) الوسادة واخرج قميصاً ناوله الي، ورفع جانب المصلى فاخرج دراهم دفعها لي. وبعد ان خرجت من عنده عددتها فكانت ثلاثين درهماً...
الراوي: ما اجمل هذه الاخلاق السامية التي تجلت في سيرة الرضا عليه السلام وما احرى محبيه بالسعي للتحلي بما قدروا عليه منها.
الى موعد لقاءنا المقبل نستودكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******