الراوي: ذات ليلة سمع توفيق صوتاً ملائكياً يعاتبه بلهجة المحب المشفق: يا توفيق منذ سنين وانت في بلاد غريب طوس، وهو غريب الغرباء وحقه عليك عظيم، فماذا اعددت للوفاء ولو ببعض من حقه؟
الراوي: هزت هذه الكلمات توفيق وشعر بانها دعوة كريمة، فلملم افكاره ونهض الى كتبه واوراقه وقلمه، يكتب شيئاً يساهم في احياء امر اهل البيت(ع) قبل فوات الاوان، لعله يفوز برحمة الله تعالى كما قال الصادق(ع) (احيوا امرنا... رحم الله من احيا امرنا).
فتح توفيق كتاب الارشاد للشيخ المفيد، فاخذ منه حديثاً ... تصفح كتاب اعلام الورى، نقل منه خبراً ... طالع عيون اخبار الرضا ... التقط منه نصاً ... التفت الى كتاب بحار الانوار بمجلداته المائة والسبعة وبرغبة عارمة وبدون تعيين سحب المجلد التاسع والاربعين ... ففتحه ... ووقع بصره على عنوان اخبار الامام علي بن موسى الرضا وفجأةً حدث ما ليس في الحسبان ...
الراوي: وبينما كان توفيق يمرر باصبعه على اخبار الامام الرضا(ع)... شعر وكأنَّ يداً بيضاء من وراء الضريح تمسك بيده وتسحبه الى داخل صفحات التأريخ ... حيث شعر بان روحه تسير اغوار التأريخ وتغوص في لجج القرون الغابرة ... وما هي الا لحظات حتى وجد نفسه يسير في مدينة تأريخية تعود الى القرون الهجرية.
*******
توفيق: اين انا الان ... في أي مدينة؟
ما اغرب هيئتك يا رجل انك في المدينة المنورة (مدينة رسول الله(ص)).
توفيق: وفي أي قرن انتم الآن؟
الرجل۱: نحن في القرن الثالث الهجري ...
توفيق بتعجب: ياللغرابة ... يا الهي حدث هذا؟ ... صحيح ما يقول هذا الاعرابي، فهذا الجامع الكبير، مسجد رسول الله، وقبره موجود في المسجد ... انها فرصة ثمينة مباركة، لزيارة رسول الله(ص) (من زارني ميتاً كمن زارني حياً) ... لبيك يا رسول الله.
الراوي: وقف توفيق امام قبر رسول الله بكل خشوع وادب واحترام وقال السلام عليك يا رسول الله ... السلام عليك ياخير خلق الله ... السلام عليك يا محمد بن عبد الله ... عرف الله بيني وبينك في الجنة ...
وبعدها انتهى من الزيارة صلى ركعتين قربة لله تعالى ... ثم جال بنظره في ارجاء المسجد بين حلقات الدرس المنعقدة هنا وهناك ... واخذ يحوم حولها حتى جلس عند احداها كان الحوار والنقاش يدور داخل الحلقة على غير انتظام، ليس كدوران عقرب الساعة .. بل كقفزات الغراب .. قفزة هنا .. وقفزة هناك وفي زحمة النقاش العقيم طرق سمعه قول احدهم، وكأنه يؤيد كلام زميله الجالس قبالته.
رجل۲: لا لا الامر ليس كذلك، انه يناقض ما تقوله.
رجل۳: اجل...ان الخليفة عبد الله المأمون هو الذي سمَّ علي بن موسى الرضا.
*******
الراوي: اعتصر قلب توفيق كما يعصر عبد الله بن بشير رمانة المأمون... فانسحب من الحلقة رويداً ... رويداً الى الخلف ناوياً الخروج من المسجد، حتى صار على مقربة من باب باحة المسجد ... فاذا بكفٍ تمسك بكتفه الايمن من الخلف ... فاستوقفته ...
*******
الرجل٤: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
توفيق: "مرتبكاً" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الرجل٤: حياك الله وبياك. مرحباً بضيفنا العزيز. حللت اهلاً ونزلت سهلاً.
توفيق: وحياك الله يا سيدي ... اشكرك على حسن ترحيبك بي.
الرجل٤: لا شك انك غريب عن هذه المدينة.
توفيق: نعم ... نعم ... لقد جئت الآن.
الرجل٤: ومن اين جئت؟
توفيق: من مدينة الري.
الرجل٤: "بتعجب" من مدينة الري؟! تقصد من بلاد فارس.
توفيق: نعم .. نعم .. منها.
الرجل٤: وهل قصدت خراسان سنةً ما؟
توفيق: نعم سيدي كل عام مرة او مرتين.
الرجل٤: وهل زرت قبر سيدي ومولاي ابي الحسن علي بن موسى الرضا(ع)؟
توفيق: نعم .. وهل اقصد خراسان الا لزيارته(ع) ... انه شفيعنا وباب حوائجنا.
الرجل٤: هنيئاً لك يا اخي ... وطوبى لمن زاره عارفاً بحقه.
توفيق: جعلنا الله من زواره والعارفين بحقه في الدنيا .. ورزقنا الله شفاعته في الاخرة.
الرجل٤: آمين .. يا رب العالمين .. لابد يا اخي قد سمعت بحديث رسول الله(ص)؟
توفيق: أي حديث من احاديثه، فهي كثر.
الرجل٤: حديثه في الامام الرضا(ع) حيث يقول(ص): (ستدفن بضعة مني بارض خراسان، لا يزورها مؤمن الا اوجب الله عز وجل له الجنة وحرم جسده على النار).
توفيق: نعم يا سيدي لقد سمعت به وقرأته في كتب الاحاديث مرات عدة، وكذلك حديث الامام الرضا(ع) الذي يقول فيه: (من زارني على بعد داري، اتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى اخلصه من اهوالها: اذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً، وعند الصراط، وعند الميزان).
توفيق: معذرةً يا سيدي الكريم، لقد حصل لي الشرف والسرور بلقائك، وان شوقي كبير لمعرفة هويتك.. تزيدني شرفاً لو تعرفني نفسك...فمن انت ياسيدي العزيز؟
الرجل٤: (مطرقاً الى الارض) (بتواضع) انا العبد الحقير، احمد بن محمد ابن ابي نصر البرنطي.
توفيق: "بسؤال ممزوج بالتعجب" انت يا سيدي؟! انت صاحب مولاي الامام الرضا وراوي حديثه واحاديث آبائه "عليهم السلام"؟
الرجل٤: وهذا شرف لي ما بعده شرف يا اخي .. ولكن كيف عرفت ذلك؟ فهل سمعت بي قبل هذا؟
توفيق: يا له من حظ سعيد وفرصة عظيمة اسعد... نعم نعم يا سيدي ومن لا يعرفك او يسمع بك ورواياتك عن اهل البيت(ع)تملأ كتب الحديث...
الرجل٤: كتب الحديث؟ لعلك تمزح يا اخي.
توفيق: يا سيدي ليس الوقت وقت مزاح ... فانا قبل قليل، بل قبل دقائق معدودات قرأت روايتك في كتاب عيون اخبار الرضا(ع).
الرجل٤: "مستغرباً" قبل قليل؟! قبل دقائق معدودات؟! واين هو هذا الكتاب؟
توفيق: في بيتي.
الرجل٤: الم تقل بان بيتك في مدينة الري من بلاد فارس؟
توفيق: بلى، قلت والله.
الرجل٤: اذن كيف قرأت الكتاب قبل دقائق معدودات؟
توفيق: يا سيدي .. انا جئت اليكم من زمن المستقبل من القرن الخامس عشر الهجري ... وعرفتك بعد حوالي الف ومائتي سنة من وفاتك ورحمة الله عليك.
الرجل٤: عذراً يا اخي لم افهم شيئاً مما تقول، ان كلامك فيه لغز محير.
توفيق: نعم يا سيدي هو كذلك وسوف افصح لك عنه في مناسبة اخرى ان شاء الله.
الرجل٤: حسناً ...اتفقنا...
توفيق: يا سيدي احمد بن محمد بن ابي نصر... قبل قليل سمعت في حلقة الدرس احدهم يقول: ان المأمون العباسي هو الذي سمَّ علي بن موسى الرضا(ع)... فماذا تجيبه؟
الرجل٤: هذا ... قول المخالفين لأهل البيت(ع) فلا تعر اهتماماً لما يقولون...
توفيق: فما هو الجواب اذن.
الرجل٤: هل تريد ان تسمع الجواب من اهله؟
توفيق: نعم ... نعم اريد.
الرجل٤: دعنا نتوكل على الله ونذهب الى مولاي ابي جعفر محمد الجواد ابن الامام الرضا(ع) وسوف اسأله انا.. وانت تسمع الجواب باذنيك من فمه الشريف.
توفيق: "بفرح ممزوج بالتردد" انا؟ انا اذهب معك؟
الرجل٤: اجل، ولم لا تذهب معي اليس ابو جعفر امامك؟
توفيق: بلى.. بلى والله.. ولكني اخجل...
الرجل٤: مم تخجل يا اخي...
توفيق: "باضطراب" يا سيدي اني وان كنت في اشد الشوق للقائه والسرور برؤيته ... ولكن....
الرجل٤: ولكن. ماذا؟
توفيق: ولكني اخجل ان اجلس امام هذا الطود الشامخ من المعنويات والكمالات السامية، وهذا البحر الزاخر بالعلم والفضائل. والوجه المتنور بالعبادة والطاعة لله سبحانه وتعالى.
الرجل٤: نعم يا اخي كل ما قلته قليل بحقه "فما راءٍ كمن سمعا" ولكنك سترى الى جانب ذلك منتهى السماحة والخلق النبيل والتواضع والزهد، فهو كما قال الله تعالى لجده رسول الله(ص): (انك لعلى خلق عظيم).
توفيق: صدقت يا سيدي يا ابن ابي نصر، انها ذرية بعضها من بعض.
الرجل٤: احسنت يا اخي وضيفي العزيز ... فهلم بنا الى دار مولانا ابي جعفر محمد بن علي الجواد(ع).
*******
في دار الامام محمد الجواد(ع) ...
توفيق والرجل٤: السلام عليكم يا مولانا الجواد...
الجواد(ع): وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ابن ابي نصر: مولاي ابا جعفر.
الجواد(ع): نعم يا ابن ابي نصر.
ابن ابي نصر: جعلت فداك يا مولاي، لديَّ سؤال، احب ان اسمع جوابه منك.
الجواد(ع): تفضل يابن ابي نصر سل عما بدا لك.
ابن ابي نصر: مولاي سمعت جماعةً من مخالفيكم يزعمون ان اباك(ع) انما سماه المأمون الرضا، لما رضيه لولاية عهده. هل حقاً ما يزعمون.
الجواد(ع): كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا.
ابن ابي نصر: عذراً يا مولاي ابا جعفر لو تحصنني اكثر بالرد عليهم وتخبرني عن العلة في تسمية الله تعالى لابيك(ع) بالرضا.
الجواد(ع): سماه الله تعالى بالرضا لانه كان رضى لله عز وجل في سمائه ورضى لرسوله والائمة من بعده(ص) في ارضه.
ابن ابي نصر: يا سيدي الم يمكن كل واحد من آبائك الماضيين(ع) رضىً لله ولرسوله والائمة(ع).
الجواد(ع): بلى.
ابن ابي نصر: اذن فلم سمي ابوك من بينهم الرضا؟
الجواد(ع): يا ابن ابي نصر، لان ابي رضي به المخالفون من اعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه، ولم يكن ذلك لاحد من آبائه(ع)فلذلك سمي من بينهم الرضا.
*******
الراوي: بعد ان انتهى الامام الجواد(ع) من حديثه ... استأذن منه ابن ابي نصر للانصراف. فأذن له الامام(ع)... وودع توفيق الامام وودعه الامام اجمل توديع "كمثل ما استقبله اجمل استقبال".
توفيق: يابن ابي نصر، هل حدثتني عن ام الامام الرضا(ع) وكيف كانت ولادته؟
ابن ابي نصر: لنذهب الى المسجد ونكمل الحديث هناك.
*******