بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله كلّما طلع الّليل والنّهار، وأزكى الصّلاة والسّلام على النبيّ المختار، وعلى آله الهداة الأبرار.
إخوتنا وأعزّتنا الأفاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم، وأهلاً بكم، ونحن نقف الوقفة الأخيرة على آية الكوثرالشريفة:
قوله تبارك وتعالى: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" نحوم حولها في مدارين:
الأوّل –هومدارالمعنى اللُّغوي لكلمة "الْكَوْثَرَ"، والمدارالثاني -هومدارالمعنى التفسيريّ لهذه الكلمة في الآية قصداً وتعريفاً... لنفهم بعد ذلك ما علاقتها بأهل البيت عامّةً وبالزهراء فاطمة عليها السلام خاصّةً.
وقد مررنا في لقائنا السابق- أيها الإخوة الأعزّة- علي مجموعةٍ من المؤلّفات التي تطرّقت إلي ذلك...حتّي بلغ المطاف بنا الآن إلى ( التفسيرالكبير) للفخرالرازيّ، حيث كتب- وهومن مفسّري السنّة- في المعنى الثالث عند استعراضه لمعاني الكوثر، قائلاً: الكوثر(في الآية) هوأولاد النبيّ صلّي الله عليه وآله، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه سبحانه يعطيه نسلاً يبقون على مرّالزمان...إلى أن قال الفخرالرازيّ، وكأنّه يرجّح هذا القول ويستدلّ عليه: إنّا إذا حملنا معنى الكوثرعلى كثرة الأتباع، أو على كثرة الأولاد وعدم أنقطاع النَّسل، كان هذا إخباراً عن الغيب، وقد وقع الأمرُمطابقاً له، فكان معجزاً.
وإلى هذا المعنى يذهب الحضرميّ في كتابه (القول الفصل)، حيث كتب: وما أشرنا إليه هو قول المفسّرين في قوله تعالى:
"إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ"، قالوا: الشأنيء هوالعاصُ بن وائل، كان يقول: إنّ محمّداً أبترُلا عقب له، فأنزل الله تعالى على نبيه صلّى الله عليه وآله: "إنّآ أعطيناك الكوثر".
أجل- أيها الإخوة الأكارم-، إذا كان بعض المفسّرين يرجّحون معنى الكوثرأنّه الذرية والأولاد والنسل المبارك الذي أعطاه الله لحبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله ؛ فإنّ عدّة من المفسّرين يقطعون بأنّ هذا هوالمراد لاغيره، ومنهم المرحوم السيد محمّد حسين الطباطبائي، حيث كتب في تفسيره (الميزان): إنّ كثرة ذريته صلّى الله عليه وآله هي المرادة وحدها بالكوثرالذي أعطيه النبيّ صلّى الله عليه وآله، أوالمراد به الخيرالكثير، وكثرة الذرية مرادةٌ في ضمن الخيرالكثير، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: " إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" خالياً عن الفائدة.
إلى أن قال طاب ثراه: وبالجملة، لا تخلوالآية من دلالةٍ على أنَّ ولد فاطمة عليها السلام ذريته صلّى الله عليه وآله، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم، فقد كثّراللهُ تعالى نسل نبيهِ بعده كثرةً لا يعدلُهم فيها أيُ نسلٍ آخر، مع ما نزل فيهم من النوائب، وما أفنى جموعهم من المقاتل الذريعة!
وفي كتابه (فاطمة...من المهد إلى اللّحد) كتب المرحوم السيد كاظم القزوينيّ: إنّ وجه المناسبة في آية الكوثر، هوأنّ كافراً شمت بالنبيّ صلّى الله عليه وآله حين توفّي أحد أولاده، فقال: إنّ محمّداً أبتر، فإن مات مات ذكرُه! فأنزل الله هذه السورة على نبيه صلّى الله عليه وآله تسليةً له، وكأنّه تعالى يقول له: إن كان ابنُك قد مات، فإنّا أعطيناك ((فاطمة))، وهي وإن كانت واحدة، لكنّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً. وتصديقاً لهذا الكلام، ترى في المعالم اليوم ذرية فاطمة الزهراء الذين هم ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله منتشرين ملايين في بقاع الأرض). ويتوسّع بعض المفكرين في هذا المعنى والدليل، فيكتب بأنّ الله تعالى كذّب قول الشانيء، فجعل نسل رسول الله صلّي الله عليه وآله وذريته من فاطمة عليها السلام ابنتهلا، إرغاماً لأنوف المبغضينى، فبشّربأنّ النبّي سيرزق من ابنته وابن عمّه الكثيرمن الذرية، فبارك اللهُ في فاطمة عليها السلام، وكثّرذريتها إلى ما نراهم اليوم- والحمد لله- قد ملأوا الأقطارالإسلامية، بل تجاوزوها إلى سائرأنحاء المعمورة وجميع قارّات الدنيا في عشرات الملايين.
والآن- دعونا أيها الإخوة الأحبّة- نتأمّل في هذين الخبرين: الأوّل : نقله المجلسيّ في (بحارالأنوار) عن ( أمالي الشيخ الصدوق)، أنّ عبداللهِ بن سليمان قال: قرأتُ في الإنجيل في وصف النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه: ذوالنَّسل القليل، وإنّما نسلُه من مباركةٍ لها بيتٌ في الجنّة، لا صخب فيه ولا نصب، لها فرخان مستشهدان.
والخبرالثاني- أيها الإخوة الأعزّة- هوما جاء في (تفسيره دررالأسرار) وقد قال فيه مفتي الشام النقيب السيد محمود أفندي: الكوثرهوآلُ الرسول وأولاده.
نعم...وهذا ما أكده رسول الله صلّى الله عليه وآله مراراً في أحاديث عديدةٍ ونصوصٍ شريفةٍ متعدّدة، من ذلك ما رواه الحاكم النّيسابوريُ الشافعيّ في المستدرك على الصحيحين، إذ روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: "لكلّ بني أمٍّ عصبةٌ ينتمون إليهم، إلاّ ابني فاطمة، فأنا وليهما، وعصبتُهما"... وفي روايةٍ أخرى قال صلّى الله عليه وآله: "وإنّ بني فاطمة عصبتي التي إليها ننتمي".
كذلك أكد أهلُ البيت عليهم السلام أنّهم أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله نسباً عن طريق أمّهم فاطمة عليها السلام، فهي البنتُ الوحيدة للنبيّ، والتي كان لها نسلٌ من أميرالمؤمنين عليه السلام، فتكون ذريتهما أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله ؛ إذ هوجدُّهم وإليه ينتمون وينتسبون، كما انتمى عيسى المسيح عليه السلام وانتسب إلى الأنبياء السابقين من طريق أمّه مريم البتول سلامُ الله عليها.
وأخيراً... يقطع الأمربأنّ الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها السلام كانت الوسيلة لكثرة أولاد رسول الله، وكانت السبب في بقاء نسله، فهي الكوثر، ومنها كان الخيرُالكثير، والبركة الكثيرة.