ففي بعض أدوارها انحطت ووقفت حركة السير نحوها والمجاورة بها. ومن ذلك هجوم المغالي الملحد عليّ بن المتمهدي محمّد المشعشعي المقتول في بهبهان سنة۸٦۱ هـ لها في حدود سنة ۸٥۸ هـ، وقتله الكثير من أهلها، ونهبه للمشهد الشريف، وجعله ديواناً له ومطبخاً، ومكثه فيها ستة أشهر يعيث فساداً..
وعانت النجف في القرنين العاشر والحادي عشر من وقوع عدّة طواعين وأوبئة شديدة الوطأة، وكابدت من آثار الحروب الطاحنة بين الصفويين والعثمانيين، وأذتها شحة المياة في فترات طويلة، وأرهقتها غارات رؤساء بعض القبائل.. مما حمل أكثر أهلها على الهجرة عنها حتّى أن ّالرحالة البرتغالي (تكسيرا) الذي زارها سنة ۱۰۱۳ هـ قال: «إنّ بيوتها ويبدو لي ـ إنّه يعني المسكونة منها ـ لا تزيد على الستمائة بيت بعد أن كانت تزيد على ستة آلاف أو سبعة آلاف بيت مبنية بإتقان».
ويظهر أنّ هجرة السكان ـ رغم ذلك ـ لم تكن بصورة نهائية ولا طويلة، فإنّ السكان ما يلبثون حين يتلمسون انفراجاً أن يعودوا … ومما يدل على ذلك ما ذكر من محاصرة الروم للنجف سنة ۱۰۳۲ هـ أيام السلطان سليم العثماني، ولا يتصور محاصرة مدينة لا تضم إلا ستمائة بيت. مما حمل بعض ملوك الهند ـ بعد ذلك ـ أن يبنوا حول النجف سنة ۱۰۳۹ هـ سوراً جديداً محكماً هو السور الثالث. وظلت الحوزة في أحلك هذه الظروف مستمرة، ومرابطة برز بها أعلام، ومن هؤلاء: السيّد حسن بن حمزة الموسوي الذي كان حياً في سنة ۸٦۲ هـ. والشيخ إبراهيم الكفعمي المتوفّى سنة ۹۰۰ هـ. والشيخ عليّ الكركي المحقق الثاني المتوفّى سنة ۹٤۰ هـ،صاحب جامع المقاصد. والشيخ أحمد الأردبيلي المتوفّى سنة ۹۹۳ هـ، صاحب زبدة البيان. والأمير السيّد عليّ بن حجّة الشولستاني المتوفّى سنة ۱۰٦۰ هـ، صاحب توضيح المقال. والشيخ أحمد الجزائري المتوفّى سنة ۱۱٥۰ هـ، صاحب قلائد الدرر. ولذلك فإنّ انتقال الحركة العلمية عن النجف لا يعني عدمها منها، وإنّما يعني ضعفها وقيام المرجعية في غيرها كـ: قم ومشهد وإصفهان والحلة وكربلاء.
*******
موقع www.najaf.org.