بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد للهِ الهادي الى الإيمان، وأفضل الصّلاة على النبيّ وآله أمناء الرّحمان. إخوتنا وأعزتنا المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في عودةٍ الى الآيات الكريمة من (سورة الرحمن) قوله تبارك وتعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{۱۹} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{۲۰} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{۲۱} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ{۲۲} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{۲۳}". سبق لنا أيها الإخوة الأفاضل أن تعرّفنا على تأويل الآية في أهل البيت عليهم السلام، كما نقل ذلك العامّة والخاصّة عن مشاهير الصحابة: كابن عبّاس وأبي ذرٍّ الغفّاريّ، وسلمان الفارسيّ، وأنس بن مالك ويكاد المفسّرون أن يكونوا مجمعين على ما ورد عنهم، وعلى ما وافقهم الضحّاك، حيث روى الحاكم الحسكانيُّ الحنفيّ عنه في قوله تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ" أنّه قال: هما عليٌّ وفاطمة، وفي قوله عزّوجلّ: "بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ" قال: هو النبيّ صلى الله عليه وآله، وفي قوله عزّ من قائل: "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" قال: هما الحسنُ والحسين.
وعلى هذا الرأي والتأويل أيّها الإخوة الأعزّة روى السيّد هاشمُ البحراني في كتابه (غاية المرام، في معرفة الإمام) من طريق العامّة سبعة أحاديث، ومن طريق الخاصّة خمسة أحاديث. إذن ينبغي أن نعلم أنّ الأمر قد عرف وانضمّ الى الشهرة والاتّفاق تقريباً، حتّى روى الشيخُ القندوزيُّ الحنفيُّ في كتابه (ينابيع المودّة لذوي القربى) بإسناده عن: أبي سعيد الخُدريّ، وعبد اللهِ بن عبّاس، وأنس بن مالك ذلك، ورويى عن سفيان بن عيينة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية أنّهم قالوا: (عليٌّ وفاطمة بحران عميقان، لا يبغي أحدُهما على صاحبه، "بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ" هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" هما الحسنُ والحسين رضي الله عنهما).
كذلك روى عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام في ظلّ قوله تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ" قوله: (عليٌّ وفاطمة) عليهما السلام، "بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ" قال: (لا يبغي عليٌّ على فاطمة، ولا تبغي فاطمة على عليّ عليهما السلام، "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" قال: الحسن والحسين عليهما السلام. روى ذلك أيُّها الإخوة الأكارم في أكثر من ثمانين مصدراً من مصادر العامّة والخاصّة، منها: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، والكشف والبيان للثعلبي، وكشف الغمّة للإربليّ، وشرف المصطفى للخركوشيّ، وشواهد التنزيل للحسكانيّ، وروح المعاني للآلوسيّ الشافعيّ وغيرها عشرات. وقد أشار الى ذلك الشهيد السيّد نور الله القاضي التستريُّ في كتابه القيّم (إحقاق الحقّ) في ظلّ الآية السادسة والعشرين من الآيات التي أوردها في ضمن مدارك شأن نزول الآيات النازلة في الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله وسلامه عليهم، فقال: روى الجمهور أنّ البحرين عليٌّ وفاطمة، وأنّ البرزخ محمّدٌ صلى الله عليه وآله، واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين، سلام الله عليهم جميعاً. وممّن روى ذلك: الخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين عليه السلام)، والحافظ السيوطيُّ الشافعيّ في (الدرّ المنثور)، والمير محمّد صالح الكشفيُّ الحنفيّ في (المناقب المرتضويّة)، والقاضي عياض في كتاب (الشفاء)، ثمّ قال: ولم تحصل لغيرهم من الصحابة هذه الفضيلة.
ونبقى أيّها الإخوةُ الأحبّة مع أهل الحديث والرواية والرّواة، وأصحاب التفسير والبيان، وكلّهم أكّدوا ما أوردنا من أنّ البحرين هما أمير المؤمنين، ووصيّ رسول ربّ العالمين، عليٌّ سلام الله عليه، وكذا سيّدة نساء العالمين، وبضعةُ سيّد النبييّن، فاطمة سلام الله عليها. وأنّ اللؤلؤ والمرجان اللّذان خرج من هذين البحرين المقدّسين وقد امتزجا: هما سيّدا شباب أهل الجنّة، وريحانتا المصطفى: الحسنُ والحسين صلواتُ الله عليهما. روى الثعلبيّ ذلك عن سفيانِ الثَّوريّ، وسبط ابن الجوزيّ، الحنبليُّ ثمّ الحنفيّ، في (تذكرة خواصّ الأمّة)، والصَّفوريُّ الشافعيّ في (نزهة المجالس) والبدخشيّ الميرزا محمّد بن معتمد خان في كتابه (مفتاح النجا في مناقب آل العبا)، وغيرهم من مشاهير أصحاب الحديث: كأبي نعيم الأصفهانيّ في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) وابنُ المغازليّ الشافعيّ في (مناقب عليّ بن أبي طالب)، وابنُ الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمّة)، والبلخيُّ الشافعيّ في (المناقب).
وأخيراً إخوتنا المؤمنين الأفاضل يحسُن بنا في خاتمة هذا العرض البيانيّ للآيات، والعرض الروائيّ لما جاء في ظلّها، أن نخرج بحصيلةٍ ذات فائدةٍ اعتقاديّةٍ مهمّة. وقد استفاد العلامةُ الحلّي في كتابه (منهاج الكرامة) في ضمن البرهان الثلاثين من براهين الإمامة أنّ الآيات واضحةٌ في تفضيل الإمام عليٍّ عليه السلام، فقال: ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة، فيكون هو الإمام. أي هو الإمام بحقّ؛ إذ هو عليه السلام أفضل منهم، وكذا نقول: لم تحصل هذه الفضيلة لغير الزهراء فاطمة عليها السلام، إذ هي البحر القدسيُّ الذي مرجه الله تعالى بعناياته المباركة ببحر عليّ سلام الله عليه، فالتقيا، ولم يبغ أحدُهما على الآخر لعصمتهما، ببركة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله برزخ المودّة والقربى، فكان من بركات ذلك المرج الإلهيّ لذلكما البحرين الشريفين، وبينهما برزخُ النور المقدّس، أن كان الحسن والحسين، اللّذان منهما عن فاطمة وعليّ، نسلُ المصطفى النبيّ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.