هو الزمان.. فما تفنى عجائبه
عن الكرام.. ولاتهدأ مصائبه
فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا
صروفه.. وإلى كم ذا نجاذبه
يسيرونا على الأقتاب عارية
وسائق العيس يحمى عنه غاربه
كأنّنا من سبايا الروم بينهم
أو كلّما قاله المختار كاذبة
كفرتم برسول الله.. ويلكم
يا أمّة السّوء قد ضاقت مذاهبه
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين. مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في نفوس الأجراء، عاشت عقدة الحقارة والذلّة للسلاطين؛ طمعاً في فتات سفرتهم، فأمعنوا في الجرائم والرذائل كي يرضوا عتاتهم وكبراءهم، لعلّهم يحظون عندهم ببعض عظام موائدهم وقشور فاكهتم، وفضلات أكلاتهم!
وربّما بالغ الأجراء أولئك، وغالوا في التجاوز على حرمات الدين،
وكرامة المسلمين، ليكون لهم شأن عند أسيادهم، ولأجل ذلك الشأن الموهوم باعوا آخرتهم بدنيا طغاتهم، فباؤوا هنا بالخزي والذّلّ والهوان، وهناك غداً بالعذاب والهلاك والخسران!
إنّ أعداء أهل البيت – أيها الإخوة الأكارم – قد خالفوا الفطرة الإنسانية، و مسخوا في ذواتهم الروح البشرية، وتنكّروا حتّى للأعراف الجاهلية، التي كان منها قبح منع الماء عن الظمآن حتّى لو كان مقاتلاً. ولم يرتكب هذا القبح قبل الإسلام وبعده إلّا آل أبي سفيان، فمنعوا الماء عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وعن أمير المؤمنين -عليه السلام، ودارت السنوات فمنعوه عن أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه، عن عياله وأطفاله، وقد ألزمهم الحجّة الدينية والعرفية و الإنسانية حين حمل ولده الرضيع نحو القوم يطلب له الماء، فأجابوه بسهم رماه حرملة بن كاهل الأسديّ، فذبح الطفل في قماطه من الوريد إلى الوريد..
فلم يكن منهم لهذا الطفل البريء رحمة، ولا حفظ حرمة، وهو من ذرية المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان الإمام الحسين -عليه السلام- يكلّمهم فيما يردعهم عن غيهم، ويلزمهم الحجّة والدليل، حتّى قال لهم: «يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لاتخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون».
فلم يكونوا مؤمنين ولا مسلمين، مستمعينا، بل لم يحفظوا على أنفسهم حتّى أعراف الجاهليين.. فقد ذكر الطبريّ في تاريخه، والخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين عليه السلام)، وابن الأثير في (الكامل) أنّ عمر بن سعد حين وصل كربلاء، أنزل خيله على نهر الفرات، فحمى الماء وحال بينه وبين أبي عبدالله الحسين، فلم يجد أصحاب الحسين طريقاً إلى الماء، حتّى أضرّ بهم العطش! وفي اليوم السابع من المحرّم، اشتدّ الحصار على عسكر الحسين وعلى من معه، وسدّ عنهم باب الورود، ونفد ما كان عندهم من الماء، فعاد كلّ واحد يعالج لهب العطش.
مستمعينا الأفاضل لايخفى عليكم أيها الأعزاء أن الصلاة هي عمود الدين
وقد جعل الله -عزّ وجل- لها حرمة عظيمة أكدتها كثير من النصوص الشريفة فكيف كان موقف الحزب الأموي من هذه الحرمة الإلهية في واقعة الطف؟ الإجابة عن هذا التساؤل نتلمسها في الحديث الهاتفي التالي لسماحة الشيخ محمد البهادري، الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة.
البهادري: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
هؤلاء عندما جاءوا الى قتال الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام لم يرعوا كتاب الله ولم يرعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالمتفق عليه وما ورد عندنا من اخبار أن هؤلاء لم يصلوا في يوم عاشوراء لا حتى في ليلة عاشوراء كما ورد عندنا في الأحبار عن طريق مدرسة الصحابة وعن طريق مدرسة أهل البيت وفي كتب التاريخ الفقهية كتاريخ الطبري وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد أن هؤلاء لم يلتفتوا الى الصلاة بل كانوا في ليلة العاشر من محرم يغنون ويطبلون. كذلك يوم العاشر من محرم هؤلاء استمروا بالقتال ولم ينتبهوا الى وقت صلاة او يثبتوا الى ذكر الله تبارك وتعالى فهؤلاء كأنما أقدموا على جريمة قتل متعمد ايضاً في نفس الوقت ومخالفة لأمر الله تبارك وتعالى فوقفوا يوم العاشر من محرم ولم يلتفتوا الى ذكر الله والى الصلاة بينما في معسكر الحسين نجد العكس كما ورد في تاريخ الطبري من مدرسة الصحابة وكما ورد في الارشاد للشيخ المفيد أعلا الله مقامه ايضاً والمسلم عندنا في التاريخ أن الحسين عليه السلام يوم العاشر من محرم عندما قال له أبو تمامة الصيداوي: يابن رسول الله قد حان وقت الصلاة ووجدت أن أفارق الدنيا وأرحل الى الله وقد صليت معك الصلاة. فإلتفت الحسين عليه السلام الى السماء وقال نعم فقد حان وقتها، ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين فالحسين صلى سلام الله عليه بينما الأعداء إلتفتوا الى الحسين ووقف أحدهم قائلاً للحسين: صلي فالصلاة لاتقبل منك. فقال له حبيب بن مظاهر: ياعدو الله أتزعم أن الصلاة لاتقبل من آل رسول الله؟ فوقف الحسين يوم العاشر من محرم وقف للصلاة. المتفق عليه ايضاً في كتب التاريخ وكتب السير أن الحسين عليه السلام صلى في يوم العاشر من محرم ولكن إختلفوا في كيفية الصلاة، هل هي صلاة الخوف؟ او صلاة الظهر قصراً؟ البعض يقول إنها صلاة الظهر قصراً بإعتبار أن الحسين كان مسافراً في كربلاء والبعض يقول صلى صلاة الخوف وكلا الصلاتين هي تتكون من ركعتين. فالحسين وقف للصلاة ولكن رغم وقوف الحسين للصلاة وكان قد طلب من أحد أصحابه أن قال لهم: كفوا عنا حتى نصلي لربنا! فلم يكفوا جيش بني أمية بقيادة عمر بن السعد في العاشر من محرم لم يكفوا عن القتال بل تقدموا للقتال والحسين يصلي فوقف أحد أصحاب الحسين عليه السلام وقف أمام الحسين ليقي الحسين من الرماح وصلى الحسين سلام الله عليه يوم العاشر من محرم بأصحابه جماعة وهذه اشارة واضحة أن إقامة الصلاة مفروضة والحسين لم يقف يوم العاشر وما دافع وما جاء بعياله وماله وما ضحى إلا لإقامة هذه الصلاة التي أمرنا الله بها في كتابه وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديثه الكثيرة فالحسين وقف وصلى لكي يعطي رسالة كاملة للأمة الإسلامية أننا من أجل الصلاة نقاتل وأننا وقفنا هذه الوقفة يوم عاشوراء من أجل إقامة الصلاة لأن الصلاة قد ضيعت وقد ضاعت عند جيش بني أمية بل انهم لم يذكروا الله ولم يلتفتوا الى الصلاة فلو بقيت الأمور على حالها ولم يقم الحسين عليه السلام بهذه الصلاة لربما ضاعت الصلاة فوقف الحسين عليه السلام وهو الامام المعصوم وهو سيد شباب اهل الجنة العارف بكتاب الله والعارف بسنة الله وقد أقام الصلاو في يوم العاشر من محرم وهذا ما أراده الحسين من ثورته وهذا هدف واحد من الأهداف الكثيرة جداً وهذا هدف واحد أراد أن يوضحه الحسين عليه السلام عن طريق العمل وليس فقط عن طريق القول بأنه يدعو الى الصلاة والصلاة هي شعار المؤمن معراج المؤمن ورسالة الاسلام بل هي رسالة التوحيد أن الله تبرك وتعالى امر المسلمين بالصلاة وإقامة الصلاة والمحافظة على الصلاة فالحسين عليه السلام أعطى رسالة كاملة يوم العاشر من محرم وقد صلى الصلاة المكتوبة والمفروضة فهذه رسالة الأنبياء وهذه رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي طالما كان يوصي بالصلاة وهذه رسالة علي عليه السلام وهي ما أرادها الحسين سلام الله عليه من رسالته ومن فعله ومن صلاته يوم العاشر من محرم.
ما زلنا نتواصل مع حضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، وبرنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله.
شكراً لفضيلة الشيخ محمد البهادري، الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة، على التوضيحات التي اوضح بها ما كان من سؤال طرحه البرنامج عليه.
مستمعينا نتابع ذكر نماذج أخرى لما ذكرته مصادر التأريخ الإسلامي المعتبرة من الإنتهاكات الأموية للحرمات الإلهية في واقعة الطف الفجيعة.
وكان القتال والقتل يوم عاشوراء، فلم يبق أحد من عسكر أبي عبد الله الحسين -عليه السلام، وحتّى الإمام سيد شباب أهل الجنّة قتل يومها تلك القتلة الفضيعة، لم تحفظ فيه حرمة لجدّه رسول الله، لا في حياته، ولا بعد شهادته، حيث أقبل القوم على سلبه، فأخذ إسحاق بن حوّية قميصه وإن كان ممزّقاً بالسيوف والسهام، وأخذ الأخنس بن مرثد الحضرميّ عمامته، وأخذ الأسود بن خالد نعليه، وأخذ جميع بن الخلق الأوديّ سيفه، وقطع بجدل إصبع الحسين ليأخذ خاتمه، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وأخذ جعونة الحضرميّ ثوبه، والرحيل بن خثيمة الجعفيّ وآخرون أخذوا قوسه وما كان معه. ثمّ كان الهجوم على خيام الحسين ولم يكن فيها إلّا نساء أرامل، وأطفال يتامي، فانتهب القوم رحل الحسين، وكلّ ما في الخباء، حتّى فرّت النسوة ومعهن الأطفال في الصحراء يتصارخون، ولم يترك الأوباش في الرحل شيئاً إلّا نهبوه، حتّى الزعفران و الورس و اللحم، وقد ذكر السيوطيّ الشافعيّ في (الخصائص الكبري)، وابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في (تاريخ دمشق)، وابن حجر العسقلانيّ في(تهذيب التهذيب)، والهيثميّ الشافعيّ في (مجمع الزوائد)، وغيرهم، أنّ أحداً لم يمسّ الزعفران الذي نهبوه من رحل الحسين إلّا احترق بدنه، وأنّ الورس الذي نهب عاد رماداً، والأبل المنهوبة صار لحمها مثل العلقم وكانوا يرون النار تخرج منه!
وجاء في(تاريخ الطبري)، و(مثير الأحزان) لابن نما، و(أمالي الصدوق)، و(الكامل في التاريخ) لابن الأثير، و(سير أعلام النبلاء) للذهبيّ... أنّه لمّا قتل أبو عبد الله الحسين عليه السلام مال الناس على ثقله ومتاعه، وانتهبوا ما في الخيام، وأضرموا فيها، وتسابق القوم على سلب حرائر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهربن بنات الرسالة مسلّبات باكيات...
نعم مستمعينا، هذا بعد قتل الرجال، ثمّ كان قطع رؤوس الشهداء وحملها على الأسنّة والرماح، حتّى نسب إلى زينب بنت عليّ عليهما السلام قولها:
هنا نهبوا الخيام وأحرقوها
وقسّم فيئنا في الخائنينا
هنا صبغت نواصينا دماء
بذبح بني أمير المؤمنينا
هنا قد طيرت أسياف جور
أكفّ القانتين المتّقينا
هنا ذبح الرضيع بسهم حقد
فما رحموا الصغار المرضعينا
هنا ذبح الحسين بسيف شمر
هنا قد ترّبوا منه الجبينا
هنا شيلت رؤوس بني عليّ
وروس بني عقيل العاقلينا
إخوتنا الأعزّه... لقد جاء في كتاب(الخصال) للصدوق، أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: "خمس من خمسة محال..."، ثمّ ذكر أنّ إحداهنّ: الحرمة من الفاسق محال. وقد وضح ذلك للمسلمين جميعاً من خلال مشاهد يوم عاشوراء، وما بعد كربلاء، ففي ساحة الطفّ، وقد بقي الحسين وحيداً فريداً، نادى بالقوم، فقالوا: ما تقول يا ابن فاطمة؟ فقال: "أنا الذي أقاتلكم، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً". إلّا أنّ الحسين لم ينشغل بتوديع عياله للجولة الأخيرة التي أراد فيها مجابهة القوم حتّى صاح عمر بن سعد بعسكره: ويحكم! إهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لاتمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم. فحملوا عليه يرمونه بالسهام، حتّى تخالفت السهام بين أطناب المخيم> وشكّ سهم بعض أزر النساء، فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسين كيف يصنع، فحمل الحسين -عليه السلام- عليهم كالليث الغضبان، فلايلحق أحداً إلّا بعجه بسيفه والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها بصدره ونحره.
ورجع إلى مركزه يكثر من قول:"لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم".
وإلزاماً للقوم الحجّة، طلب الحسين في تلك الحال ماء، فقال الشمر: لاتذوقه حتّى ترد النار، وناداه رجل: يا حسين، ألا ترى الفرات كأنّه بطون الحيات، فلاتشرب منه حتّى تموت عطشا، فقال الحسين عليه السلام: "اللهم أمته عطشا"، فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به فيشرب حتى يخرج من فمه، وما زال كذلك حتّى هلك عطشا.
نعم مستمعينا، ثمّ كانت الفاجعة العظمي، وانتهاك الحرمة الكبري، وتبع ذلك فجائع أخذت تتري، أسر وسبي وترحيل إلى مجالس القتلة الشامتين بمصائب آل الرسول، وذرية فاطمة البتول.
وختاماً نتساءل أحبتي هل ثمة حرمة إلهية صغيرة أو كبيرة لم ينتهكها عتاة بني أمية في يوم عاشوراء؟
وهل يمكن بعد ذلك التوقف في أمر عدائهم لله عزّ وجل وحرماته ولرسوله ووصاياه – صلى الله عليه وآله؟
نشكر لكم حسن المتابعة وتقبل الله أعمالكم، لاتنسونا من صالح الدعاء.