أن كنت أوصيت بالقربى بخير جزاً
فانهم قطعوا القربى وما وصلوا
حتى أبادوهم قتلى على ظمأ ٍ
من بارد الماء ما ذاقوا وما نهلوا
اخوتنا وأعزتنا المؤمنين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حيأكم الله بكل خير.
أيها الكرام، بعد فتح مكة وانكسار تجبّر زعماء الشرك فيها استسلم الكثير من الخائبين للاسلام خروجاً من الحرج أولاً وركوباً للتيار فيما بعد ثانياً فتماشوا في الظاهر مع المسلمين، لكن العقدة الجاهلية لم تزل تعيش في قلوبهم وتتورم حيث تفاقم حقدهم على كل شرف وطهر وعلى كل شريف وطاهر وغلت في نفوسهم نزعات شيطانية وحشية تدعوهم الى الانتقام والتنكيل من المسلمين عامة، ومن أهل بيت النبي خاصة، لأن رسول الله صلى الله عليه واله أذل الكفر والشرك والنفاق والظلم والفساد. فعاد أصحاب الرذيلة بعد حين ٍ يتغلغلون في مناصب الدولة ليسهل عليهم توجيه الضربة الحاقدة على الدين الحنيف وأئمته، فيشفوا غليل قلوبهم المريضة متلذذين بآلام أهل الاسلام، حتى بقتل نسائهم وأطفالهم وعجزتهم وانتهاك حرماتهم والتمثيل بقتلاهم وسادتهم ولم يكن المسلمون –أيها الاخوة الأكارم – قد التزموا بوصايا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد حذرهم كثيراً من بني أمية عامة ومن معاوية وابنه يزيد خاصة. حتى روى الطبري في الجزء الحادي عشر من تاريخه والبلاذري في الجزء الأول من(أنساب الأشراف) وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: "يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت –يوم يموت- على غير ملتي" قال: فطلع معاوية. وكتب ابن أبي الحديد في الجزء الثالث من (شرح نهج البلاغة) أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: "يا معاوية! كيف بك اذا وليت؟! قال: الله ورسوله أعلم فقال له: أنت رأس الحطم (أي النهم) ومفتاح الظلم، حصباً وحقباً، تتخذ الحسن قبيحاً والسيئة حسنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، أجلك يسير، وظلمك عظيم!"
وأما في يزيد فروت مصادر أهل السنة فيه أحاديث كثيرة ذامة له ولاعنة منها: تاريخ الخلفاء للسيوطي الشافعي والخصائص الكبرى أيضاً وتطهير الجنان لابن حجر الهيثمي وكنز العمال للمتقي الهندي وغيرها عن أبي الدرداء أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: "أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد وقال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر له: لا بارك الله في يزيد، الطعان اللعان! أما انه نعي الى حبيبي حسين وأوتيت تربته، ورأيت قاتله!".
وفي (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) مستمعينا للهيثمي قال صلى الله عليه واله:" يزيد لابارك الله في يزيد!" ثم ذرفت عيناه بالدموع ثم قال:" نعي الى الحسين وأوتيت تربته وأخبرت بقاتله ثم قال صلى الله عليه واله "واهاً لفراخ آل محمد من خليفة ٍ يستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف"! وفي
(الفتوح) لابن أعثم الكوفي و(مقتل الحسين عليه السلام) للخوارزمي الحنفي أن النبي صلى الله عليه واله استرجع ودمعت عيناه، فسئل فذكر أن جبرئيل أخبره عن مقتل ولده الحسين بكربلاء فسئل: من يقتله يا رسول الله؟! فأجاب صلى الله عليه واله: "رجل يقال له يزيد لابارك الله في نفسه وكأني انظر الى مصرعه (أي مصرع الحسين ) ومدفنه بها وقد أهدي برأسه! والله ما ينظر أحد الى رأس ولدي الحسين فيفرح الا خالف الله بين قلبه ولسانه!". الى أن قال صلى الله عليه واله: "فلعنة الله على قاتله وخاذله الى أخر الدهر!".
مستمعينا الأفاضل، ولم تنحصر جرائم عتاة بني أمية في هتك الحرمات الالهية بمحاربة وقتل الامام الحق ابي عبد الله الحسين –عليه السلام- بل شملت كل ما يتصور وما لايمكن تصوره من هتك الحرمات ومنها قتل غير المحاربين من النساء والاطفال.
عن هذا الموضوع يحدثنا سماحة السيد فاضل الجابري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة في هذا الاتصال الهاتفي التالي:
الجابري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
لاشك وشبه بأن الشريعة المقدسة قد نصت من خلال روايات عديدة على حرمة قتل الأطفال والصبيان والنساء وقد روى الفريقين من السنة والشيعة في كتبهم بشكل واضح وبشكل جلي، منها رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه حرّم قتل الأطفال في الحرب مطلقاً كما يروي ذلك التمييز بما فيه من المعاني وأسانيد ويقول القرطبي بأنه أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه فلا يجوز عندهم قتل الأطفال في الحرب او ما شابه ذلك اضافة الى الروايات الكثيرة والعديدة التي وردت عن نهي النبي صلى الله عليه وآله عن قتل النساء والصبيان في روايات كثيرة رواها الفريقان في كتبهم الحديثية. وهذا هو حكم العقل لأن العقل حينما يتأمل ويحكم في الموضوع يحكم بقبح معاقبة الطفل البرئ الذي لاذنب له والذي يكون مصداقاً للبرائة، العقل يحكم بقبح هذا الفعل بشكل واضح وجلي وهذا يؤخذ عند كل العقلاء في كل الأزمان فإنهم يذمون العقلاء بأنهم عقلاء يذمون الشخص الذي قتل الطفل الصغير البرئ الذي لاذنب له وكلما كان الطفل أصغر كلما كان الذنب أقبح وأشد عند جميع العقلاء مما يدل بشكل واضح على أن كل من يرتكب خلاف هذه الفكرة نجد أنه معرض للذم من قبل جميع العقلاء وجميع الإنسانية. أما بنو أمية الذين إستباحوا جميع الحرمات لم يتركوا حرمة من هذه الحرمات إلا وقد هتكوها وإستباحوها وهناك عدة مصاديق تمثلت بأفعالهم القبيحة في واقعة كربلاء فقد ذبحوا الطفل الصغير عبد الله الرضيع الذي هو طفل صغير للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بعد أن آذاه العطش وطلب الإمام صلوات الله عليه من القوم أن يسقوه شربة من الماء وحينما أخذه الإمام أخذ البرائة وأخذ الطفولة والإنسانية لكي يرقق قلوبهم ولكي يلقي الحجة عليهم وقال لهم إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار؟ إن كنتم تخالفوني أنا في توجهكم السياسي او العقائدي فهذا الطفل الصغير ما ذنبه؟ واذا بالقوم بدل أن يتفاعلوا بهذه الكلمة، كلمة الرقة وكلمة الإنسانية واذا بهم يقتلون هذه الطفولة ويذبحون هذا الطفل وهو بين يدي أبيه من الوريد الى الوريد. كذلك قتلوا بغياً وظلماً جملة من الأطفال الآخرين كعبد الله بن الحسن ايضاً كان من الأطفال الصغار، حينما رأى عمه قد قتل توجه الى عمه وهو يبكي ويخاطب قاتله ويقول لماذا تريد أن تقتل عمي واذا بهم يقتلون هذا الطفل الصغير. كذلك نجد العديد من الأطفال الذين قتلوا سواء كان في أرض كربلاء او بعد كربلاء كما يشهد بذلك التاريخ بأن أخذ عبيد الله بن زياد طفلين لمسلم بن عقيل عليه السلام وسجنهم وبعد ذلك فرا من السجن وطلبهم وإذا بأحد أعوانه وأنصاره بعد أن يقبض عليهم يذبحهما امام بعضهما البعض ويأتي برؤسهما الى عبيد الله بن زياد. هذه القسوة وهذا الخروج عن نطاق الإنسانية بشكل واضح نراه عند هؤلاء القساة الذين سلبت الرحمة من قلوبهم وكأنها كالحجارة بل أشد قسوة من الحجارة. حينما قتلوا الطفولة وقتلوا البرائة وخرجوا عن القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية.
حيأكم الله بكل خير وأنتم تتواصلون معنا مستمعينا الأحبة في كل مكان. نشكر ضيف البرنامج سماحة السيد فاضل الجابري الباحث الاسلامى من مدينة قم المقدسة على التوضيحات التي قدّمها.
اخوتنا الأعزة الافاضل .. لقد قامت الحجج النبوية البالغة على المسلمين جميعاً لكننا رأينا بعضهم تخاذلوا وبعضهم انحازوا الى قتلة الامام الحسين -عليه السلام- ، يقاتلونه ويتجاسرون على حرمته ومقامه وينتهكون القداسات الالهية قبل الاقدام على جرائمهم العظمي!
مستمعينا في(تاريخ الطبري) و(الارشاد) للشيخ المفيد أن جند عمر بن سعد يوم عاشوراء أقبلوا يجولون حول الخيام، فاذا هم أمام نيران ٍ تضطرم كان الامام الحسين قد أضرمها ليمنع العدو من النفوذ الغادر من جهة العيال فاذا بشبح الرذيلة شمر بن ذي الجوشن يصرخ بأعلى صوته: يا حسين! تعجلت بالنار قبل يوم القيامة! فقال الحسين –عليه السلام- : من هذا؟! كأنه شمر بن ذي الجوشن! قيل: نعم فقال له يذكره بحقارة شأنه التي دعته الى الحقد على بيت العصمة والطهارة والنجابة والشرف الأقدس: "يابن راعية المعزي! أنت أولى بها منّي صليا". ورام مسلم بن عوسجة هنا أن يرمي شمراً بسهم، فمنعه الحسين قائلاً له: "أكره أن أبدأهم بقتال".
وحاججهم الحسين صلوات الله عليه قبل أن يتورّطوا بسفك دمه، وأوقفهم على المحجّة البيضاء الناصعة، بأدلّة واضحة، قال لهم بعدها: "أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!". قال الطبريّ في (تاريخه)، وابن عساكر الشافعيّ في (تاريخ دمشق)، والخوارزميّ في (مقتل الحسين): فقال الشمر: "هو يعبد الله على حرف، إن كان يدري ما يقول!". فأجابه حبيب بن مظاهر: "والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً". ثم التفت اليه الامام الحسين -عليه السلام- : وأنا أشهد أنّك صادق. ثمّ قال للشمر:"ما تدري ما يقول! قد طبع الله على قلبك‼".
وهكذا – أيها الإخوة الأكارم – يتطاول الجفاة الجلف الأشرار، على آل البيت الأطهار، بدل أن يذعنوا لما يسمعونه منهم من الحقائق والنصائح المنجية، فكلّما ألزمهم الإمام أبوعبد الله الحسين -عليه السلام- الحجة واجهوه بالإنكار والتجاسر والاستنكار، مصرّين على هتك الحرمة العظمى بقتل وصيّ رسول ربّ العالمين، وإمام المسلمين.. ثمّ يتمنّون عليه أن يتنازل ليزيد الفاسق، حتّى قال له لسان البغي والغدر والمكر والنفاق قيس بن الأشعث: أو لاتنزل على حكم بني عمّك؟! فإنّهم لن يروك إلّا ما تحبّ، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال له الحسين -عليه السلام- وكأنّه يذكرّه بجرائمه وجرائم أسرته: "أنت أخو أخيك؟ أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟!".
أجل أحبتي... لم يكن للقوم قلوب تعقل، ولا أذن للحقّ تصغي، ولا عين للحقيقة تري! لأنّهم عقدوا نواياهم الخبيثة على قتل آل الله وآل رسوله، فلم يبالوا بموعظة من فم إمام، ولا حرص شريف على نجاتهم من قلب إمام، فقابلوا عظيم إحسانه إليهم بعظيم إساءتهم إليه.
وقام لسان الله يخطب واعظاً
فصمّوا لما عن قدس أنواره عموا
وقال: انسبوني من أنا اليوم وانظروا
حلال لكم منّي دمي أم محرّم؟!
فما وجدوا إلّا السهام بنحره
تراش جواباً، والقوالي تقوّم!
إذن فمن الواضح، مما تقدم مستمعينا الأكارم، أن طغاة البغي الأموي وأشياعهم لم يتورعوا عن علم و إصرار عن هتك الحرمات الإلهية في جميع تفصيلات جريمتهم العظمى يوم عاشوراء بما في ما أجمع جميع البشر على إنكاره من قتل الأطفال والنساء...
وها نحن مستمعينا نصل الى ختام حلقة أخرى من برنامج فاجعة كربلاء و حرمات الله. شكراً لكم والى اللقاء.