بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ للهِ واهبِ التّوفيق والسّداد، وأزكى الصّلاة والسّلام على محمّدٍ وآلــه أولي المعالي والأمجاد. أيها الإخوةُ الأعزّةُ الأماجد السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه وطابت أوقاتكم، وأهلاً بكم في وقفةٍ أخيرةٍ عند آيةِ الصَّلوات، قوله عزّ من قائل: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً"(الأحزاب:٥٦) "اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّد". وقد أثبتت لنا رواياتُ البيت النبويِّ الشريف أنّ آل محمّدٍ صلواتُ الله عليه وعليهم هم: عليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين، وفي امتدادهم التسعة الأئمّةُ من أولاد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، كذلك أمر العلماءُ والمؤلّفون في التفسير والحديث، وحتّى الفقهاء حيث أفتوا بوجوب الصلاة عليهم في الصلوات اليومية وغيرها عند التشهّد، كذا ورد عن عددٍ من الصحابة أنّهم قالوا بأنّ صلاتهم لا تقبل او لم تتمّ، إذا لم يصلّوا على آل محمّد، عند الصلاة على محمّد، صلّى الله عليه وآلهِ من الآن الى الأبد. هذا أمر، والأمرُ الآخر أيها الإخوةُ الأعزّةُ الأكارم أثبتتِ الأخبار أنّ الصدّيقة الزهراء فاطمة صلوات الله عليها، وهي بضعةُ المصطفى وقرينة المرتضى، وأمُّ الأئمّةِ الهداة خلفاءِ رسولِ الله، هي من أهل البيت النبويّ، أي من آل النبيّ صلّى الله عليه وعليهم، بل هي من خاصّته، وحامّته، والمشمولة بالصلوات عليه حين يصلّي عليه وعلى آله، صلوات الله عليه وعليها وعليهم. وكيف لا، وهم موضعُ توسُّل الأنبياء السابقين، والرُّسل الماضين، سلام الله عليهم أجمعين، وقد نالوا خيرات، وبلغوا حاجات، ودفعوا نكبات، بالصلاة على محمّدٍ وآل محمّد، وفي ضمن ذلك بالصلاة على الصدّيقة الزهراءِ فاطمة عليها أفضل سلام الله وصلاته. لنتعرف على ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
نقرأ أيها الإخوةُ الأحبة في دعاء النبيّ إدريس عليه السلام مثلاً كما رواه السيد ابنُ طاووس في (الإقبال) والكفعميُّ في (البلد الأمين) وهو من أدعية أسحار شهر رمضان: "اللهمّ إنّي أسألُك بكلِّ اسمٍ هوَ لك يحقُّ عليك فيه إجابةُ الدعاءِ إذا دعيت به، أن تصلّيَ على محمّدٍ عبدكَ ورسولك، وعلى آلهِ، ومن أرادني بسوءٍ فخُذ بسمعهِ وبصرهِ، ومن بينِ يديهِ ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله". ثمّ ينتهي الدعاء الشريف هكذا: "صلّ على محمّدٍ وآل محمّد، وافعل بي ما أنت أهلُه، إنّك أهلُ التقوى وأهلُ المغفرة". أمّآ النبيُّ يونُسُ بنُ متّى عليه السلام، فقد روى عنه السيد ابنُ طاووس أيضاً في (مهج الدّعوات) دعاءً جاء فيه: "يا لا إله إلاّ أنت، أسألُك بلا إله إلاّ أنت، أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تغفر لي ذنوبي، وأن تحرّمَ جسدي على النار". وفي (قصص الأنبياء) للراونديّ بإسنادٍ الى الشيخ الصدوق، وعنهما روى الشيخ المجلسيّ في (بحارالأنوار- باب أدعية الفرج) أنّ النبيَّ يوسُفَ عليه السلام لمّا ألقاه إخوتُه في الجبّ، نزل عليه جبرئيلُ عليه السلام قائلاً له: إنّ اللهَ يقول له: "قل: "اللهمّ إنّي أسألُك بأنّ لك الحمدَ لا إله إلاّ أنت بديعُ السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تجعل من أمري فرجاً ومخرجاً، وترزُقني من حيث احتسب، ومن حيثُ لا أحتسب"".كذا كان من أدعية يوسُف الصدّيق عليه السلام في بعض أوقات بلواه، قوله: "يا راحم المساكين، ويا رازق المتكلّمين، ويا ربَّ العالمين، يا غافرَ الذنوب، يا علّام الغيوب، يا ساتر العيوب، أسألُك أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تغفرَ لي ولوالديّ، وتجاوز عنّا فيما تعلم؛ فإنّك الأعزُّ الأكرم". وعثر أحدُ الصحابة على صحيفةٍ كانت كتاباً ليوشع بن نون وصيِّ موسى الكليم عليه السلام، وكان في الصحيفة هذا النصُّ المبارك: (سبحان الله كما ينبغي لله، والحمدُ لله كما ينبغي لله، ولا إله إلاّ الله كما ينبغي لله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وعلى أهل بيته النبيِّ الأمّي، وعلى جميع المرسلين حتّى يرضى الله). وقد سبق منّا إثبات أنّ أهلَ بيت النبيّ، هُم فاطمةُ وعليّ، والحسنان سلامُ عليهم جميعاً، وتلكَ صلواتُ الأنبياء عليهم إحدى مفاخرهم.
والى الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد صلواتُ ربّنا تعالى عليهم، كان من الأنبياء توسّلٌ بهم فقد روي الثعلبيُّ النّيسابوريّ أحدُ مفسّري أهل السنّة في كتابه (عرائس المجالس) أنّ جبرئيل قال ليوسف عليه السلام: أتُحبُّ أن تخرجَ من هذا الجبّ؟ قال: نعم. قال: قل: "يا صانع كلِّ مصنوع، ويا جابر كلِّ مكسور.. (الى أن قال:) أسألك أن تصلّي على محمّدٍ وعلى آل محمّد، وأن تجعل لي من أمري ومن ضيقي فرجاً ومخرجاً". وعن محمّد بن النجّار متقدّم أهل الحديث لدى أهل السنّة بالمدرسة المستنصرية، عن أنس بن مالك يروي عن النبيّ صلّ الله عليه وآله حديثاً طويلاً أنّ نوحاً عليه السلام لمّا سمّر سفينته بالمسامير بقيت خمسة، فسأل جبرئيل عنها فعرّفها له بأسم الخمسة الأطهار: محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللهِ عليهم، ثمّ قال له في المسمارالأوّل: "هذا باسم خيرِ الأوّلين والآخرين، محمّد بن عبد الله، أسمِره في أوّلها على جانب السفينة الأيمن. وفي الثاني: هذا مسمارُ أخيه وابنِ عمّه عليّ بن أبي طالب، فأسمره على جانب السفينة اليسار في أوّلها. وفي الثالث: هذا مسمارُ فاطمة، فأسمره الى جانب مسمار أبيها. وفي الرابع: هذا مسمار الحسن، فأسمره الى جانب مسمار أبيه. وفي الخامس: هذا مسمارُ الحسين بن عليّ، فأسمره الى جانب مسمار أخيه". وكنّ تلك المسامير قد أشرقن وأنرن وأزهرن حين سمّرها نوحٌ عليه السلام في سفينته، فمضى بها ناجياً، كما مضى بالتوسّل بالخمسة الميامين آدم عليه السلام متاباً مفلحاً، كلُّ ذلك ببركة التوسّل بأهل البيت والصلاة عليهم، وفيهم فاطمة صلوات الله عليها وعليهم. وقد استدلّ على أفضليتهم؛ لأنّ آيةَ الصّلوات نزلت فيهم ولم تنزل في غيرهم.