بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي دعانا لطاعته، وأفضل صلواته على المصطفى خير خيرته، وعلى آله والأئمة من عترته. إخوتنا الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في عودةٍ الى آية الصلوات، قوله تبارك وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، حيث جاء في معنى صلاة الله تعالى على حبيبه المصطفى أنّها انعطافٌ عليه انعطافاً مطلقاً بالرحمة، ومعنى صلاة الملائكة عليه انعطافٌ عليه بالتزكية، أمّا صلاة المؤمنين عليه فهي دعاءٌ له بالرحمة. وأمّا (سلّموا) فهناك من رآه فعلاً يأمر بالسلام، وهناك من رآه فعلاً يأمر بالتسليم: إيماناً وطاعةً، للنّبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، ومن طاعته أيها الإخوة الأكارم أن نقبل ما جاء عنه أن يصلّى عليه وعلى آله معاً، وأن يعلم أنّ آله هم خاصّته الذين آلوا اليه نسباً، وورثوه علماً وولاية، وهم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، والتسعة الأئمة من ذرية الحسين، صلوات الله عليهم أجمعين. كما نطقت بذلك الأخبار المتواترة، كحديث الكساء وغيره.
روى أحمد بن حنبل في (مُسنده) بسنده عن شهر بن حوشب عن أمّ سلمة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال لفاطمة عليها السلام: إئتِني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكياً، ثمّ وضع يده عليهم، ثمّ قال: "اللهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّدٍ وعلى آل محمّد، إنّك حميدٌ مجيد". قالت أمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: "إنّك على خير". رواه الطّحاويُّ الشافعيّ، ثمّ الحنفيّ، في (مشكل الآثار)، والمتّقي الهنديّ في (كنز العمّال)، والسيوطيُّ الشافعيّ في (الدّر المنثور). كذا روى الآلوسيُّ الشافعيّ في تفسيره (روح المعاني) قريباً من ذلك، قائلاً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي"، قال: وفي لفظٍ آخرٍ أي في روايةٍ أخرى قال: "اللهم إنّ هؤلاء آل محمّد". ثمّ كتب الآلوسيّ هذه التعليقة النابهة، قال فيها: وأخبارُ إدخال النّبي علياً وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخاله أمّ سلمة، هي أكثر من أن تحصى، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت، فالمراد بهم من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد هذا إخوتنا الأحبّة يستوقفنا التحقيق العلميّ على أمرين ساميين سنتطرق اليها.
الأول، أن الصّديقة الزهراء فاطمة صلوات الله عليها هي من الآل، بل من أخصّ الآل.. فهي البضعة النبوية، والجليلة العلوية، وهي حلقة الوصل بين النّبوة والإمامة، ومنها كان نسل المصطفى صلّى الله عليه وآله، وعنها امتدّت وصاية أبيها وخلافته، فهي مشمولة بالصلاة إذا قلنا: "اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّد. والأمر الثاني" أيها الإخوة الأكارم: هو أنّ في الصلاة على الآل وردت مجموعةٌ من العناوين المهمّة: أولاها: تثبيت كيفية الصلاة، وتلازم ذكر الآل فيها، بل في جميعها من ذلك ما رواه البخاريُّ في صحيحه عن عبد لرحمان بن أبي ليلي قال: لقيني كعب بن عجرة فقال لي: ألا أهدي لك هدية؟! إنّ النّبي صلى الله عليه وآله خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك ؟ قال: "قولوا: "اللهمّ صلّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد" ". وكذا روى البخاريُّ في (الأدب المفرد) بسنده أنّ النّبي صلى الله عليه وآله قال:"من قال: "اللهمّ صلّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمّدٍ وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وترحّم على محمّدٍ وعلى آل محمّد كما ترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. شهدت له يوم القيامة بالشهادة، وشفعت له"". رواه أيضاً ابن حجر العقلانيّ الشافعيّ في (فتح الباري لشرح صحيح البخاري)، وقريب منه ما رواه الحاكم النّيسابوريُّ الشّافعي في (المستدرك على الصحيحين)، والبيهقيُّ الشافعيُّ في (السنن الكبرى) وثاني العناوين في الصلاة على الآل صلوات الله عليهم، هو وجوبها، لا سيما في الصلاة، كما ذكر الشوكانيّ في (فتح القدير)، والمحبّ الطبريُّ في (ذخائر العقبى) نقل أنّ جابر الأنصاريّ كان يقول: لو صلّيت صلاةً لم أصلّ فيها على محمّدٍ وعلى آل محمّد، ما رأيت أنّها تقبل! ونعم ما قال الشاعر في النّبي (ص): وكفاه ممّن لم يصلّ عليه في فرض الصلاة، صلاته لا تقبل!
أما العنوان الثالث أيها الإخوة الأحبّة في شأن الصلاة على الآل، فهو: النهي عن تركها. فقد روى ابن حجر المكّي الشافعيّ في (الصواعق المحرقة) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: "لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء"، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: "تقولون:"اللهمّ صلّ على محمّد، وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد"". وروى النعمانيّ في (المحكم والمتشابه) بسنده عن أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "لا تصلّوا عليَّ صلاةً مبتورة، بل صلوا الى أهل بيتي ولا تقطعوهم؛ فإنّ كلّ نسبٍ وسببٍ يوم القيامة منقطعٌ إلّا نسبي". وأمّا العنوان الرابع أيها الإخوة المؤمنون فهو العقوبات الواردة في ترك الصلاة على الآل صلوات الله عليهم، من ذلك على سبيل المثال والأمثلة وافرةٌ كثيرة ما رواه الدارقطنيُّ الشافعيّ في (السنن) عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من صلّى صلاةً لم يصلّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي، لم تقبل منه". وأخرج الدّيلميّ في (فردوس الأخبار) أنّ النّبي صلى الله عليه وآله قال: "الدعاء محجوبٌ حتّى يصلّي على محمّدٍ وأهل بيته". وفي (سنن البيهقي) قال ابن مسعود: لو صلّيت صلاةً لا أصلّي فيها على آل محمّد لرأيت أنّ صلاتي لا تتمّ. وأخيراً قال ابن حجر أخرج عن الدارقطني والبيهقيّ الحديث الشريف: "من صلّى صلاةٍ لم يصلّ فيها عليَّ ولا علي أهل بيتي لم تقبل منه" ثمّ علّق عليه قائلاً: وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشافعيّ: إنّ الصلاة علي الآل من واجبات الصلاة. وفي كلّ ذلك كان شرفٌ أسمي آخرُ للصّديقة الزهراء فاطمة.