بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله الأوّل قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، وأسمى الصلوات الزاكيات على محمّدٍ سيد المرسلين والأنبياء، وعلى آله الهداة الامناء. إخوتنا الأعزّة المؤمنين السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته، وأهلاً بكم في وقفةٍ أخيرةٍ عند آية التطهير، قوله تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" ولا بأس ابتداءً بالمرور على آراء المفسّرين ونظراتهم حول مقصود الآية المباركة هذه. فالطبريّ في تفسيره (جامع البيان) يذكر أنّ اختلافاً وقع في المعنيين بقوله تعالى (أهل البيت)، ثمّ حسم الأمر بذكر رواياتٍ عديدةٍ تجمع على أنّهم أهلُ بيت النبوّة، فالخدريّ يروي عن رسول الله قوله: "نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليٍّ وحسنٍ وحسينٍ وفاطمة"، وأنس بن مالك يروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يمرّ ببيت فاطمة ستّة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"، كذلك ذهب النيسابوريّ في (غرائب القرآن) إلى أنّ أهل البيت هم أهل العباء، النبيُّ وعليّ، وفاطمة والحسن والحسين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
واستبعد ابن كثير في كتابه (تفسير القرآن العظيم) أن يكون أهل البيت نساء النبيّ؛ لأدلّةٍ روائيةٍ وعرفية. كذلك الطبرسيّ في (مجمع البيان في تفسير القرآن) قد أورد أسماء عددٍ من الصحابة، ونصوص عددٍ من الأخبار، تجمع هي الأخرى على أنّ الآية عنت رسول الله وعلياً وفاطمة والحسنين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأنّهم لا غيرهم، هُم الذين أراد الله تعالى وتحقّقت إرادته أن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً. وهذا أيضاً ما أكّده الحاكم النّيسابوريُّ الشافعيّ في (مستدركه)، ووثّقه برواياته ثمّ صحّحها على شرط البخاريّ، وذاكراً أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله جمع إليه علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في مناسباتٍ عديدةٍ ثمّ قرأ عليهم آية التطهير، وقال مشيراً إليهم: (هؤلاء أهل بيتي… هؤلاء أهلُ بيتي). وهذا ما سلّم له النبهانيُّ في (الشرف المؤبّد لآل محمّد)، وابنُ حجر في (الصواعق المحرقة)، وغيرهما.
ومن المفسّرين أيها الإخوة الأفاضل إلى المحقّقين، ففي كتابه (إحقاق الحقّ) كتب السيد الشهيد نورُ الله القاضي التستريّ حول آية التطهير قائلاً: أجمع المفسّرون، وروى الجمهور كأحمد بن حنبل وغيره، أنّ الآية نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وفي هامش هذا النصّ كتب المرحوم السيد شهاب الدين المرعشيُّ معلّقاً: لا يذهب عليك أيها القارئُ الكريم أنّ عدّةً تربو على المئات والألوف من حملة الأحاديث النبوية وحفّاظها، قد أوردوا ورووا في كُتبهمُ الحديثية والتفسيرية والكلامية نزول آية التطهير في حقّ علّيٍ وفاطمة والحسنين عليهم السلام خاصّة، ونقلوا في هذا الشأنِ أحاديث متينة الأسناد واضحة الدلالة، لا ينكرها سنداً ودلالة وجهةً إلاّ من كابر وجدانه، ونازع فطرته السليمة وديعة الله سبحانه. وتحت عبارة: ممّن صرّح بنزولها في حقّهم واختصاصها بهم، أورد السيد المرعشي رحمه الله (٥۳۷) مصدراً في إثبات ذلك.
أمّا السيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان) فقد كتب: ليس المراد بـ(أهل البيت) نساء النبيّ خاصّة، لمكان الخطاب الذي ورد في قوله تعالى: (عنكم) ولم يقل: عنكنّ. هذا فيما أورد ابن المغازليّ الشافعيُّ في (مناقب عليّ) والطبرانيُّ في (المعجم) أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله جمع علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام تحت كساءٍ خيبريّ كان عليه، ثمّ قال : "اللهمّ هؤلاء أهلُ بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً قالها ثلاث مرّات". وفي (الاحتجاج) للطبرسيّ أنّ أمّ سلمة قالت: وأنا يا رسول الله؟ فقال لها: "أنت إلى خير، إنّما نزلت (أي) آية التطهير، فيّ وفي أخي عليّ، وفي ابنتي فاطمة، وفي ابنيّ، وفي تسعةٍ من ولد الحسين خاصّة، وليس معنا أحدٌ غيرنا".
ومن مجموع الاخبار والروايات الشريفة إخوتنا الأكارم تستفاد أمورٌ كثيرة، منها: أنّ واقعة الكساء التي كان فيها النبيّ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم قد تكرّرت في أوقاتٍ عديدة ومواقع متعدّدة، لحكمٍ إلهيةٍ من أوضحها إعلام أكبر جمعٍ وعددٍ من الصحابة أنّ آية التطهير شملت الخمسة لاغيرهم، وأن ألله تعالى اراد تحقق ما اراد، ان يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. فكان ذلك لهم لا لسواهم من زوجات النبيّ أو أصحابه، حتّى انتشر الأمر بما لا شكّ فيه، واشتهر بما لا خفاءَ عليه، وسلّم له بما لا شبهة عليه. ودليل تكرار الواقعة تعدّد الرواة وتعدّد المواقع التي ذكرت حول الواقعة الشريفة. ومن الاستفادات الأخرى أيها الإخوةُ الأحبّة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المنبئُ بما سيكون من محاولات التحريف، أكّد أنّ أهل البيت هم خاصّته من أهل بيته: بضعته الصدّيقة الزهراء فاطمة، وابنُ عمّه ووصيهُ عليُّ بن أبي طالب، وسبطاه وريحانتاهُ الحسن والحسين سلام الله عليهم، هُم لاغيرهم. وقد ورد التأكيد على ذلك بوضوح بيّنٍ في تطبيقين على أقلّ الفروض، الأوّل في أحاديث الكساء، والثاني في دعوته صلى الله عليه وآله إلى الصلاة عند وقوفه أشهراً مديدةً في كلّ وقتٍ ينادي على ابنته فاطمة وحبيبه عليّ وولديه الحسنين: الصلاة يرحمكُمُ الله ثمّ يتلو آية التطهير، بما يؤكّد أنّهم أهلُها، وفيهم نزلت، وعليهم طبّقت، وعند بابهم تليت بعد أن كانت في بيتهم نزلت، وفي بيت فاطمة، وإنّ في البيت فاطمة، وما أدرانا ما فاطمة، سلام الله على فاطمة.