آه من محنةٍ أحاطت بنا اليوم
لدى الطفّ من جميع الأعادي
فتكوا بالحسين نجل رسول الله
أهدى الورى لطرق الرشاد
ثمّ شالوا برأسه فوق رمحٍ
بادياً نوره كقدح الزّناد
وكذا نحن بعده أسرونا
ورمونا بذلّةٍ وبعاد
ما رعوا للرسول فينا ذماماً
بل رمونا بأسهم الأحقاد
ويلهم بيننا وبينهم الله حسيباً
في يوم حشرالعباد
السلام عليكم إخوتنا الأعزّة المؤمنين، ورحمة اللهِ وبركاته. لقد تعاهدت الأمم السابقة، وحتّى اللّاحقة، حفظ حرماتها، وذلك بما أملت عليها فطرتها، ونبذ على مدى التاريخ أولئك الذين هتكوا حرمات الدين، وحرمات المجتمع والإنسانية. والإسلام الحنيف - أيها الإخوة الأفاضل- قد بعث نبيه الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ليتمّم مكارم الأخلاق، وفي مقدّمة هذه المكارم حفظ حرمة الإنسان وكرامته، إذ هو من الدين والفطرة البشرية، فتأكد لهذه الأمّة- أكثر من سابقاتها- حفظُ الحرمة، وقد ثبتت الشريعة الإسلامية هذا الأمر بالنصوص الشريفة…منها قول الحقّ تبارك وتعالي: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" ( الإسراء: ۷۰) فالإنسان مخلوقٌ شرّفه الله عزّ وجلَّ وفضّله على سائرخلقه، وجعل له كرامةً وحرمة لا يرضى أن تنتهك. وكلّما كان للإنسان مقامُ شرفٍ أسمى كانت حرمته أعز وأعلى، وكذا كان هتكها ذنباً أفضع، وإثماً أشنع. ومن هنا عرف للأنبياء والمرسلين، والأوصياء وأئمّة الدين، حرماتٌ خاصّة، حذّر الأقوام من التعرّض لها، فلّما لم يبال المفسدون بالتحذير أنزل الله تعالى بهم أشدّ العذاب، ومختلف العقاب، ثمّ عادت سنّة الأوّلين في الآخرين، فكان في هذه الأمّة ما كان في قبلها من الأمم، حيث حذت حذوها القذّة بالقذّة، بل زادت في هتك حرمات الله وحرمات نبيه، رغم ما سبق من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ من التحذير والتنبيه، والتعريف بأهل بيته والدعوة لنصرتهم وتوليهم من بعده، وذلك حديث الثقلين الشريف، أشهر من نارٍ على علمٍ من بين الأحاديث التي نقلها المسلمون على اختلاف مشاربهم، وفيه يقول المصطفى ـ صلّى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا:كتاب الله، وعترتي. فلا تقدموها فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم". روى ذلك أو قريباً منه جُلُّ رواة الحديث، كما رووا أنّ أهل البيت - كما في آية التطهير وآية القربي - هم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السَّلام.
إذن…أيها الإخوة الأحبّة – يكون التمسّكُ بالحسين ـ عليه السَّلام ـ نجاةً من الضّلال، ولا يجوز لأحدٍ أن يتقدّمه بموقفٍ أو رأى فيهلك، كما لا يجوز لأحدٍ أن يعلّمه ماذا يفعل، إذ هو سلامٌ الله عليه أعلم الأمّة وأتقاها وأرشدُها، والأولى بالناس أن يطيعوه ويتّبعوه، وينصروه ويؤيدوه ويعاضدوه، لكنّهم غدروا به وأسلموه، بل انقلبوا على أعقابهم فحاربوه، والأنكى من ذلك أنّهم قتلوه، ومثّلوا ببدنه المقدس الشريف، وسبوا عياله حريم رسول الله ما رقبوا فيه إلاً ولا ذمّة، ولا رعوا له كرامةً ولا حرمة! وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد روى عنه الصحابيُّ جابر الأنصاريُّ أنّه: "يجيءُ يوم القيامة ثلاثةٌ يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف: ياربّ حرّفوني" [ يعني ـ عليه السَّلام ـ التحريف المعنوي لا اللفظي)، "ومزّقوني. ويقول المسجد: ياربّ خرّبوني وعطّلوني وضيعوني. وتقول العترة: " "ياربِّ قتلونا، وطردونا وشرّدونا" ، ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: "فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك". أجل…فذلك كان بئس الجزاء من الأمّة لنبيها الذي لم يطلب منها أجراً على تبليغ الرسالة إلاّ المودّة في قرباه، فمالت على قرباه قتلاً وأسراً وتشريداً، وهتكاً لحرماتهم، ومن هنا نسب إلى أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين ـ عليه وعليها السلام ـ قولها:
يعزُّ عليك رسول الله ما صنعوا
بأهل بيتك يا خير البريات
كفاهم برسول الله خصمهم
وقد هداهم إلى سبل الهدايات
كما روي عنهم أنّها أنشدّت هذه الأبيات بعد مقتل الحسين وأسر أُسرته:
ماذا تقولون لو قال النبيُّ لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم؟!
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم
أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي!
إنّ المرء ليتعجّب - أيها الإخوة الأعزّة – وهو يقرأ وقائع التاريخ، كيف يتنكر الناس للقيم، وينحازون أفواجاً نحو الباطل، وكيف يغالطون أنفسهم إذ ينتسبون إلى الإسلام ثمّ يقاتلون نبيَّ الإسلام، فينزلون الفجائع العظمى بذوية وأهل بيته سلام الله عليهم بعد أن أوصى بهم خيراً، مراراً وتكراراً، فما حفظوا حرمته في ولده، وما حفظوه حرمته بعد وفاته ورحيله، وقد أثر أنّ حرمة الرجل المسلم ميتاً كحرمته حياً، هذا في كلّ رجلٍ مسلم، فكيف به إذا كان رسول الإسلام ونبيّ المسلمين، وكيف إذا تعلّقت حرمته في أوصيائه الأئمّة الهادين؟! أمن العدل والإنصاف أن يجازى المصطفى ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ على فضائله العظمى على هذه الأئمّة بهذه الجرائم الشنيعة، والمصائب الفضيعة؟! وأن يكون منهم ما وصف الشاعر بعضه حين خاطب رسول الله، وخاطب أمته، فقال:
يا رسول الله لو عاينتهم
وهم ما بين قتلٍ وسبا!
من رميضٍ يمنع الظلَّ ومن
عاطشٍ يسقى أنابيب القنا!
ومسوقٍ عاثرٍ يسعى به
خلف محمولٍ على غير وطا!
ليس هذا لرسول الله يا
أمّة الطغيان والبغي جزا!
جزروا جزر الأضاحي نسلهُ
ثمّ ساقوا أهله سوق الإما!
أيها الأخوة والأخوات أما النتيجة التي نخلص إليها فهي أن الواقع التأريخي قد أثبت أن بني أمية إنتهكوا بكل بشاعة في واقعة كربلاء الفضيعة حرمة نبي الإسلام والمتفق عليه من أحكامه الشرعية فأستحقوا بذلك لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين. وبهذا نصل بكم اعزاءنا ختام الحلقة السادسة من برنامج فاجعه كربلاء وحرمات الله نشكر لكم طيب الإصغاء وفي أمان الله.