بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي خلق فهدى، وأزكى الصّلوات الناميات على أولي التقي، محمّد وآله خير الورى. إخوتنا الأحبّة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رعاكم الله، وأهلا بكم في لقائنا المتجدّد هذا معكم، وآية من أشهر آيات كتاب الله الحكيم، تلك آية اشتهرت بعنوان: آية التطهير، وهي قوله تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" الآية الثالثة والثلاثون، من السورة الثالثة والثلاثين، سورة الأحزاب. هكذا ابتدأت العبارة الأولى في هذه الآية المباركة: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ"، وهي عبارة رهيبة، حيث استأنفت بالتأكيد الإلهيّ العظيم، منصبّاً على الإرادة الإلهية العظمى، وذلك في أمرين شريفين: الأوّل هو إذهاب الرجس، الرجس كلّه، مرفقا بأل للاستغراق، دفعا له بأنواعه وأشكاله وحالاته وصوره المادية والمعنوية، وإبعاداً له قبل أن يصل. والأمر الثاني الذي نزلت فيه الإرادة الإلهية الحاكمة، والمشيئة الربّانية الحكيمة، هو إذهاب الرجس عن أهل بيت النبيّ الأكرم، والرسول الأعظم، صلّى الله عليه وآله وسلّم، عنهم خاصّة دون غيرهم فكلمة (إنّما) أيها الإخوة المؤمنون الأفاضل، أفادت حصر الإرادة الإلهية العظمى في الأمرين: إذهاب الرجس، والتطهير الأتمّ، وقد جاءت اللاّم في الفعل: ليذهب تدعى لام التعليل، ليكون المعنى: كي يذهب. إذن وكما يقول المفسّرون واللّغويون يكون إذهاب الرجس عن أهل البيت علّة لإرادة الله جلّت عظمته، وكذلك التطهير أيها الإخوة الأعزّة يكون علّة لإرادته جلّ وعلا. كما هو أمر الهداية الربّانية الرحيمة في قوله عزّ من قائل: "يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" النساء: ۲٦. وهنا تستوقفنا كلمة الرّجس، ماذا تعني، لنفهم بعد ذلك أيّ تطهير عظيم مؤكد تعلّقت به الإرادة الإلهية في اختصاص ذلك بأهل البيت صلوات الله عليهم. إلى ذلك أيها الأعزّة بعد هذه الوقفة القصيرة.
كتب السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله في تفسيره (الميزان) في ظلّ آية التطهير قائلاً: الرّجس: صفة من الرجاسة، وهي القذارة التي توجب التجنّب والتّنفّر منها. وتكون مرّة ظاهرة، كما في قوله تعالى: "أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ" الأنعام: ۱٤٥، وتكون مرّة أخرى باطنة وهي الرجاسة المعنوية، كالشّرك والكفر، وأثر العمل السيئ، قال تعالى: "كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ"الأنعام:۱۲٥، ثم قال السيد الطباطبائي في بيان له للآية الشريفة: والرجس هنا فيه إدراك نفسيّ، وأثر شعوريّ، من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيئ. أمّا إذهاب الرجس فهو إزالة كلّ هيئة خبيثة في النّفس تخطئ حقّ الاعتقاد والعمل الصحيح، فتنطبق تلك الإزالة على العصمة الإلهية التي تحفظ الإنسان من كلّ باطل وسوء وذنب وانحراف. وهذا والكلام ما زال للسيد الطباطبائيّ هو الذي تعلّقت به الإرادة الإلهية في أهل البيت عليهم السلام بنصّ آية التطهير.
إخوتنا الأكارم، إنّ آية التطهير تنفرد بوضوح أنّها عبّرت عن إرادة الله جلّ وعلا تكويناً، وقد جاءت على صورة من التأكيد فريدة، راسخة جادّة محكمة، أوّلها (إنّما) وبعدها (يريد الله)، فما ظنّنا بإرادة الله لو شاءت أمراً خاصّاً؟! ثمّ جاء لام التوكيد في الفعل (ليذهب)، وعيّن تعالى من تعلّقت بهم إرادته في خطابه الشريف "عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ"، فخصّهم دون غيرهم، وأوضح أنّ ما أذهبه عنهم هو كلّ عيب ونقص وسوء، جمع ذلك كلّه في كلمة "الرِّجْسَ" ثمّ أكد فعلاً آخر أيضاً: "وَيُطَهِّرَكُمْ" أتى بأسمه المطلق بعده مباشرة "تَطْهِيراً". وهذا من أوضح ما يقال أيها الإخوة في عصمة أهل البيت عليهم السلام فماذا جاء في ظلّ ذلك من روايات؟ نعم، من ذلك ما رواه الترمذي في صحيحه بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبيّ صلى الله عليه وآله، قال: لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه واله وسلّم: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" في بيت أمّ سلمة، دعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره، فجلّله بالكساء ثمّ قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً". قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: (أنت على مكانك وأنت على خير). رواه الطّخاويّ الحنفيّ في (مشكل الآثار)، وابن الأثير الجزريّ في (أسد الغابة)، وابن جرير الطبريّ في تفسيره (جامع البيان). وروى الحاكم النّيسابوريّ الشافعيّ في (المستدرك على الصحيحين) بسنده عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضوان الله عليها أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه واله إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: "اللهمّ هؤلاء أهل بيتي". قالت أمّ سلمة: يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: "إنّك إلى خير، وهؤلاء أهل بيتي. اللهمّ آل بيتي أحقّ".
وهنا نقول: أليس واضحاً هنا أنّ الزهراء فاطمة عليها السلام هي من أهل بيت النبوّة والعصمة، وأنّ الله تعالى خصّها معهم في إذهاب الرجس عنها وتطهيرها تطهيراً سماوياً؟!