بسم اللهِ الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله العليّ العظيم، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيه المصطفى الكريم، وعلى الهِ الهداة الى حياةِ النعيم. اخوتنا الاعزّة الافاضل، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته، واهلا بكم مرّةً اخرى في بيانٍ اخرَ لآية الصِّهر، وهي قوله تبارك وتعالى في سورة الفرقان: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً"، حيث وجدنا اللُّغويين يقولون بانّ الصّهر هو الختن، المتزوّجُ من اهل بيت المرأة، فيما يقول المفسّرون بانّ معنى الاية الشريفة هو انّ الله عزّوجلّ خلقَ من النّطفة، ومن واحدٍ واحدٍ بشرا، فقسّمه قسمين: ذا نسبٍ وذا صهر. وفي بيان للمفسّر السيد محمّد حسين الطباطبائيّ حول الاية المباركةِ ايةِ الصهر، جاء فيه: النَّسبَ هو التحرُّمُ من جهة الرجل، والصّهر في الاية الشريفة. وقيل: هناك تقدير مضاف، اي: فجعلَ البشرَ ذا نسبٍ وصهر. وبعد ان تبينا ايها الاخوةُ الاحبّة كلمات النبيّ واله صلواتُ اللهِ عليه وعليهم، وذلك في لقائنا السابق، تعالوا معنا الى ما قاله بعضُ المفسّرين، لنتعرّف على شيءٍ من ارائهم في المعنى الخاصِّ لاية الصهر، الى ذلك بعد هذه الوقفةِ القصيرة.
اخوتنا الاكارم، في اكثرِ من ثلاثينَ مصدرا، منها العمدة لابن بطريق، وتفسير الثعلبيّ المسمّى بـ (الكشف والبيان)، و(نظم درر السمطين) للزرنديّ الحنفيّ، و(ينابيع المودّة) للشيخ سليمان القُندوزيِّ الحنفي، و(توضيح الدلائل) للايجيِّ الشافعيّ، و(مناقب عليّ) لابن المغازليّ الشافعيّ، وغيرهم كثير، كلّهم عن ابن عبّاس انّه قال: نزلت هذه الاية في الخمسة اهلِ العباء. ثمّ قال: المرادُ من الماء نورُ النبيّ صلى الله عليه واله الذي كان قبلَ خلق الخلق، ثمّ اودَعَه في صُلبِ ادمَ عليه السلام، ثم نقله من صلبٍ الى صلبٍ الى ان وصَلَ عبدالمطّلبِ فصار جزئين: جزءً الى صُلب عبدالله فولد النبيّ صلى الله عليه واله، وجزءً الى صلب ابي طالبٍ فولدَ عليا، ثمّ الّف النكاحُ فزوّج عليا بفاطمةَ فولدا الحسنَ والحسين رضي اللهُ عنهُم.
اخرَجَه الخوارزميّ ايضا عن ابي صالح عن ابن عبّاس، ورواه ابنُ مسعودٍ وجابرُ الانصاريُّ والبراءُ وانسُ بن مالك وامُّ المؤمنين امُّ سلمة، قالوا: نزلتِ الاية في الخمسةِ من اهل العباء.
هذا فيما روى ابوبكر بن مؤمن الشيرازيّ في (رسالة الاعتقاد) عن ابنِ عبّاس انّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه واله يقول: "ارى اللهُ تعالى نورا لادمَ، فقال: يا ربّ، ما هذا النور؟! قال: هذا نورُ ولديكَ محمّدٍ وعليّ"، وكان على جبينِ ادمِ حتّى انتقل الى حوّاء، وكان ينتقل من الاصلابِ النيرة الى الارحام الطاهرة، حتّى بلغ عبدالمطّلب، ثمّ جعلَ ذلك النورَ في ظهر عبدالمطّلبِ سهمينَ: سهماً للرسالة، وسهماً للولاية، فانتقل الى عبدِالله سهمُ الرسالة، والى ابي طالب سهمُ الولاية، فذلك قولُه تعالى: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً".
وامّا ابنُ سيرين، ايها الاخوةُ الافاضل، فقد نقل رأيه في الاية عددٌ كبيرٌ من المفسّرين والمحدّثين، منهم الثعلبيّ في (الكشف والبيان)، والزرنديُّ الحنفي في (نظم درر السمطين)، والاستراباديُّ النجفيّ في (تاويل الايات الظاهرة)، والشبلخيُّ الشافعيّ في (نورالابصار)، والشهيد نورُ اللهِ القاضي التستريّ في (احقاق الحقّ)، وغيرُهم، انّ هذا الرجل، وهو محمّد بن سيرين البصريّ احدُ فقهاء التابعين قال في ظلّ اية الصّهر: نَزَلت في النبيّ صلّى الله عليه واله وعليّ، حين تزويجِ فاطمة عليها السلام. وقال ايضا في ظلّ الاية الشريفة: انّها نزلت في النبيّ صلى الله عليه واله وعلّيٍ وهو ابنُ عمّ النبيّ وزوجُ فاطمة، فكان نسبا وصهرا.
كذلك نُقل عنه في بيانه للنّسَبِ والصّهر، انّه هو عليُّ بنُ ابي طالبٍ عليه السلام. وروى عنه قريبا من ذلك البلخيُّ الشافعيّ محمّدُ بن يوسف في (المناقب)، وعالمُ الهند بسمل في (ارجح المطالب)، والحافظُ الحسكانيُّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل). هذا ايها الاخوةُ الاعزّة فيما سبق الحسكانيُّ الحنفيّ ان روى بسندٍ موثّق عن السدّي انّه قال في اية الصّهر: نزلت في النبيِّ صلّى الله عليه واله وعليّ، زوّجَ النبيُّ فاطمةُ عليا وهو ابنُ عمّه، فكان نسبا وكان صهرا. والان ايها الاخوةُ الاحبّة الا يحقُّ لنا ان نتساءل: ماذا يستفاد من هذه الايةِ الشريفة آيةِ الصّهر؟ نعم، لقد كتب السيد شرف الدين الاستراباديُّ النجفيّ في (تاويل الايات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة): المعنيّ بالاية هو امير المؤمنين صلواتُ الله وسلامُه عليه، وهذه فضيلةٌ عظيمة، ومنقبةٌ جسيمة، تفرّدَ بها دونَ غيره، حيث ابان اللهُ سبحانَه فضلَه فيها بقوله: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ" اي تفرّدَ بخلقِه وافرده عن خلقِه، وجعله نسبا اي لرسول الله صلّى الله عليه واله اخاً وابنَ عمّ، وصهراً اي زوجَ ابنتِه. امّا الشهيدُ التستريّ، القاضي نورُ الله، فقد كتب في الجزء الثالث من مؤلّفهِ القيم (احقاقُ الحقّ وابطالُ الباطل) حاصلُ ما يستفاد من مع شأن نزولها: انّه تعالى خلق عليا عليه السلام قريبا من النبيّ صلّى الله عليه واله من جهةِ النَّسب، ومن جهةِ السبب. وهذه فضيلةٌ عظيمةٌ لم تحصل لغير ِعليٍّ عليه السلام، فيكونُ هو الافضل، والافضلُ هو الاولى بالامامة.
اجل، ونحن نقول ختاما، انّ اية الصّهر لم تحصَل واقعا الا عن طريق الصدّيقةِ الزهراءِ فاطمة سلامُ الله عليها، اذ لم يكن لها كفءٌ الا امير المؤمنين عليٌّ عليه السلام، فمعها كانت المصاهرة، ومنها كان النَّسَبُ المبارك، الحسنُ والحسين، والذرية ُالنبويةُ الشريفة.