أريق دم الحسين ولم يراعوا
وفي الاحياء أموات العقول
فدت نفسي جبينك من جبين
جرى دمه على خدٍ أسيل
أيخلو قلب ذي ورعٍ ودين
من الاحزان والألم الطويل؟!
برئنا يارسول الله ممن
أصابك بالأذية والذحول
إخوتنا الأعزة المؤمنين … السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحسن لكم الأجر بالمصاب الجلل الذي وقع في كربلاء، وعم جميع الأرجاء، فقد هتكت فيه حرمات السماء، بقتل أبي عبدالله الحسين، سيد شباب أهل الجنة_صلوات الله عليه_وذلك يوم عاشوراء، في الشهر الحرام، محرم.. أحد الأشهر الحرم، وقد قال تبارك وتعالي: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" ( التوبة۳٦) جاء في تفسير القمي علي بن ابراهيم، أن الأشهر الحرم أربعة: رجب مفرد، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم متصلة، حرَّمَ الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات. وفي تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي، هي الأشهر الأربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، بالنقل القطعي، والكلمة كلمة تشريع، بدليل قوله تعالي: "ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ". وانما جعل الله هذه الأشهر الأربعة حرماً، ليكف الناس فيها عن القتال، وينبسط عليهم بساط الأمن، ويأخذوا فيها الأهبة للسعادة، ويرجعوا الى ربهم بالطاعات والقربات. ثم يضيف السيد الطباطبائي رحمه الله فيقول: وكانت حرمة هذه الأشهر من شريعة ابراهيم_عليه السَّلام_وكانت العرب تحترمها حتى في الجاهلية "ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" اشارة الى حرمة هذه الأشهر الأربعة، فالمعنى أن تحريمها هو من الدين الذي يقوم بمصالح العباد، كما يشير اليه قوله تعالى في سورة المائدة الآية السابعة والتسعين "جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ" ، حيث جعلها سبحانه وتعالى بيتاً حراماً احترمه، وجعل بعض الشهور حراماً، ووصل بينهما حكماً، كالحج في ذي الحجة الحرام، وجعل هناك أموراً تناسب الحرمة، فجعل البيت الحرام قبلةً يوجه اليه الناس وجوههم في صلواتهم، ويحترمونه في سيء حالاتهم، فيتوحد بذلك جمعهم، ويحى ويدوم به دينهم، وجعل الشهر الحرام قياماً للناس، حرم فيها القتال، وجعل الناس فيه في أمن ٍ من حيث دمائهم وأعراضهم وأموالهم، يصلحون فيه ما فسد أو اختل من شؤون حياتهم. فهل راعى بنوأمية ما أراده الله جلَّ وعلا للمسلمين، وهل تورعوا عن هتك حرمات الله في أشهره الحرم؟!
المحاورة: مستمعينا الاعزاء في هذه المحطة من البرنامج نلتقي بفضيلة الشيخ فوزي آل سيف الباحث الاسلامي من السعودية، فضيلة الشيخ حبذا لو تعرفونا بالموقف الاسلامي الفقهي العام من حرمة القتال في الاشهر الحرم وهل يمكن تبرير قيام اليزيديين بقتال الحسين عليه السلام وصحبه الابرار في شهر محرم بأي منطق كان؟
آل سيف: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ابي القاسم المصطفى محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وعظم الله اجورنا واجوركم بمصاب ابي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه الاشهر الحرم لها ميزة في الاسلام كما كان لها ميزة قبل الاسلام حيث ان تقديس وتقدير الاشهر الحرم الاربعة هو مما بقي لدى الناس ومما ورثوه من ملة ابراهيم وملة اسماعيل عليهما السلام وكانوا بناءاً على هذا يضعون السلاح جانباً فلايقتتلون ولايغزون نظراً لملاحظة تكريم الاشهر الحرم وجاء الاسلام واكد على هذا المعنى لأن الدين يحرص من جملة ما يحرص على تعظيم الحرمات التي فيها منفعة للناس ولذلك فبالرغم من ان قتال المشركين امر مشروع نظراً لأنهم يصدون عن سبيل الله ويقاومون الهدى ويحاربون الاسلام ويمنعون الناس من التدين وهذا كان يبرر انه يجوز قتالهم الا ان هذه المشروعية كانت تتوقف في الاشهر الحرم ولذا يقول القرآن الكريم " فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ " ( التوبة٥) يعني في اثناء الاشهر الحرم لايجوز قتلهم ولايجوز قتالهم لا لأنهم غير مستحقين وانما نظراً لأن هذه الاشهر لها حرمة تمنع اراقة الدماء واسالة الدماء. عندما نأتي الى الحالة الاموية، الحالة الاموية حقيقة هي من الحالات النادرة في تاريخ هذه الامة حيث انها لم تكن تأبه لاللقيم الدينية ولا بالقيم التعاقدية المتعارفة بين العرب آنئذ يعني لامن جهة الاخلاق العامة العربية كانت تلتزم بشيء ولا من جهة القيم الدينية كانت تلتزم بشيء ولذلك اقدموا على القتال في اشهر الحرم في محرم ولم يطرف لهم عين في ذلك بل ارسلوا من يقتل الحسين كما ورد في تاريخ الطبري وغيره، من يقتل الحسين في مكة المكرمة، في شهر ذي الحجة، اجتمعت حرمتان حرمة الشهر وحرمة المسجد الحرام التي هي ايضاً من الحرمات المقدسة بالاضافة الى ما نعلمه من مقام الامام الحسين عليه السلام مع ذلك لم يتراجعوا عن مثل هذا العمل الشنيع مع وجود حرمتين زمانية ومكانية تضاف اليهما حرمة شخصية هي حرمة الامام الحسين عليه السلام وحرمة دم المؤمن نفسه ولم يمنعهم ذلك من شيء، في محرم ايضاً جاءوا وقتلوا الامام الحسين بتلك الصورة الفضيعة الفجيعة من دون ان يفكروا بأي قيمة دينية بل ولا عرفية، خلاصة القضية ان الاشهر الحرم الاربعة قضية مقدسة كانت قد تم توارثها من الانبياء، من زمان نبي الله ابراهيم وكانت معروفة لدى العرب، كانت معروفة لدى القبائل العربية، يتوقفون فيها عن القتال وعن الغزو فيما بينهم وجاء الاسلام واكد على حرمة هذه الاشهر واعطاها ميزات اضافية كما بينا وكان من المتوقع ولو على سبيل مجاراة الامويين بظاهر اسلامهم ان يحترموا ما تم احترامه من قبل العرب ان كانوا عرباً وما تم التأكيد عليه من قبل الاسلام ان كانوا مسلمين فيتوقفون بناءاً على ذلك عن قتل الحسين واصحابه في شهر محرم الحرام لكنهم لم يفعلوا نظراً لأنهم لايلتزمون بأي مبدأ ولاقيم دينية ولاعرفية.
كانت هذه ايها الأخوة والأخوات توضيحات سماحة الشيخ فوزي آل سيف الباحث الاسلامي من السعودية بشأن الموقف الفقهي الاسلامي العام من القتال في الاشهر الحرم وانتهاك اليزيدين لحرمتها بقتلهم الحسين_عليه السَّلام_وصحبه الأبرار. إخوتنا الأكارم.. أثر عن النبي_صلى الله عليه وآله وسلم_أنه قال: "ألا وإن حمى الله عزَّ وجلَّ محارمه، فتوقوا حمى الله ومحارمه" أجل، وقد عرَّفَ الله تعالى محارمه للناس، فاذا كان البيت الحرام أحد محارمه، فالاولى أن يكون رسول الله وأهل بيته أعظم محارمه، فلا يجوز ايذاؤهم فضلاً عن قتالهم، ولا يجوز مخالفتهم فضلاً عن معاندتهم ومعاداتهم… فقد كان في حكم الله أن لوجودهم المبارك حرمةً عظمى، بل حتى لأسمائهم وأقوالهم وآثارهم_صلوات الله عليهم_فقد قيل في ظل الآية المباركة: "وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ" (سورة الحج ۳۰) أن الحرمة ما لا يحل انتهاكه، ومن هذه الحرمات: مناسك الحج، والبيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، ولا شك في وجوب تعظيم رسول الله_صلى الله عليه وآله_وأهل بيته_عليهم السلام_وتكريمهم في حياتهم وبعد وفاتهم، وكذا تعظيم ماينسب اليهم من مشاهدهم وأخبارهم وآثارهم وذريتهم، وحاملي أخبارهم وعلومهم … نعم فهم الحرمات الإلهية العظمى، وقد جاء عن النبي الأكرم_صلى الله عليه وآله وسلم_أنه قال: "إن لله حرمات ثلاثاً، من حفظهن حفظ الله له امر دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ له شيئاً: حرمة الاسلام، وحرمتي، وحرمة عترتي". نعم.. فأيا حفظ بنوأمية من هذه الحرمات؟ وقد حز في قلب أبي سفيان، أن يذكر اسم رسول الله كل يومٍ في الآذان خمس مرات، فتوعد بضرسٍ قاطعٍ حاقد: لا والذي يحلف به أبو سفيان، ألا دَفْناً، دَفْناً، وقد ضاق ابنه معاوية بما كان يسمع من فضائل سبط النبي وريحانته الحسن المجتبى، فدس له السم الزعاف على يد جعدة فقتله، وأما حفيده يزيد فقد حكم ثلاث سنوات، وفي السنة الأولى قتل سيد شباب أهل الجنة أبا عبدالله الحسين_عليه السَّلام_وأهل بيته وأصحابه، ومَثَّلَ بأجسادهم، وأَسَرَ حريم رسول الله بعد احراق لخيامهن، وسلب وارعاب لليتامى والأرامل، وفي السنة الثانية هتك حرمة مدينة رسول الله في واقعة الحَرَّةِ التي تجاوز فيها على الاعراض والأنفس والأموال حين أباح المدينة لذئابه ثلاثة أيام، وفي السنة الثالثة أحرق البيت الحرام، واشعل النار في الكعبة المعظمة اذ رماها بالمنجنيق.. فلم يبق هذا الذي يسمونه بالخليفة وينسبون اليه امرة المؤمنين، لم يبق لله حرمة ً ولالرسوله ولا للمؤمنين! ومن هنا – أيها الاخوة الأحبة – نفهم ما جاء في وصية أبي عبدالله الحسين_صلوات الله عليه وآله_والتي رواها الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين) من قوله_عليه السلام_: "اني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي". كذلك نفهم قوله سلام الله عليه في خطبته التي خطبها قبل خروجه من مكة على أثر محاولة اغتياله من قبل أزلام يزيد: "أيها الناس، ان رسول الله_صلى الله عليه وآله_قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله". روى ذلك ابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والطبري في (تاريخه) والبلاذري في (أنساب الأشراف) وذكروا أن الحسين قال أيضاً في خطبته الشريفة تلك: "ألا وان هؤلاء، قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله! " ايها الافاضل نصل مما تقدم الى نتيجة محورية لا يمكن لأي منصف انكارها وهي أن فاجعة كربلاء بينت للمسلمين بمختلف أجيالهم عدم تورع بني أمية عن انتهاك أي من الحرمات الإلهية بعد اذ انتهكوا أعظم الحرمات الإلهية المتمثلة في شخص الرسول ااكرم_صلى الله عليه واله_فقد سفكوا في واقعة الطف دماء ذريته الطاهرة وفي شهر محرم وهو من الاشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها بأجماع المسلمين. ومن الثابت تأريخياً أن الجيش الأموي هو الذي ابتدأ القتال يوم عاشوراء وعند هذه النتيجة تنتهي ثانية حلقات برنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله من اذاعة طهران، الى لقاء مقبل بمشيئة الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.