بسم الله الرحمن الرّحيم الحمد للهِ العلي الاعلى، وافضل الصلاةِ وازكى السلامِ على النبيّ المصطفى، وعلى الهِ ائمّةِ الهدى واعلامِ التُّقى. اخوتنا الافاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، واهلا بكم في عودةٍ الى آية النور المباركة من سورة النور، قولُه تبارك وتعالى: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ"، قيل: المشكاة: هي كوّةٌ غيرُ نافذة تتخّذ في جدار البيت لوضع المصباح وغيره. والدُّريُّ من الكواكب: العظيمُ الكثيرُ النور، وهو معدودٌ في السماء. وقولهُ عزّ من قائل: "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ" وصفٌ لنور الله تعالى، والاضافة في كلمة (نوره) ليس المرادُ منها وصفَ النور الذي هو اللهُ عزّوجلّ، بل المرادُ وصفُ النور المستعار الذي يفيضُه. وهكذا ايها الاخوةُ الاعزّة يمثّل اللهُ جلّت عظمتُه لنوره الشريف بمصباحٍ في زجاجةٍ في مشكاةٍ تشتعل من زيتٍ في نهاية الصفاء، فتتلالا الزجاجةُ كانّها كوكبٌ درّيّ، فتزدادُ نورا على نور، وذلك المصباح في بيوتِ عبادةٍ عليا، يسبّح فيها مؤمنون معينون. وقد قيل: انّ المشكاة هي القنديل، والمصباحُ هو السراجُ نفسُه. ولكن اخوتنا الاكارم لم تكن ايةُ النور تتطرّق الى مجسّماتٍ مادّية، بل كان موضوعُها اسمى واقدس واعلى، وقد استعارت صورا شبّهت بها لتقرّبَ المعنى المتالّق الذي استهدفَته. وجاءت الاية بمَثَلٍ ضَرَبه الله تعالى لعباده، والمثلُ اسهُلُ الطّرق الى تبيين الحقائق الرفيعة، وهو القائل جلّ وعلا في اخر آية النور: "وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
والان اخوتنا الاحبة، من البيانات التفسيرية، الى التطبيقات الروائية، ولعلّ اشهرَ النصوصِ الشريفةِ الواردة عن اهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام ما جاء في كتاب (مناقب، علي بن ابي طالب) لابن المغازليِّ الشافعيّ، بسنده الموثّق المنتهي الى علي بن الامام الصادق عليه السلام، المعروفِ بعلي بن جعفر العُريضيّ، وكان ملازما لاخيه الامام موسى بنِ جعفرالكاظم عليه السلام، كثيرَ السؤال له، حتّى جمع له من اجوبته المباركة كتابا عُرِف بـ ( مُسند علس بن جعفر)، جاء فيه قولُه: سالتُ ابا الحسن (اي اخاه موسى الكاظم عليه السلام)، عن قول الله عزّوجلّ: (كمشكاةٍ فيها مصباح) فقال عليه السلام: "المشكاةُ فاطمة، والمصباحُ الحسنُ والحسين". "الزُّجاجَةُ كانّها كوكبٌ دُريّ" قال عليه السلام: "كانت فاطمةُ كوكبا دُرِّيا من نساءِ العالمين". " يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ"الشجرةُ المباركةُ ابراهيم "لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ": (لا يهوديةٍ ولا نصرانية). "يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ" قال عليه السلام: "يكادُ العلمُ ان ينطقَ منها". "وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ" قال عليه السلام: "فيها امامٌ بَعَد امام"، "يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ" قال عليه السلام: "يهدي اللهُ عزّوجلّ لولايتنا من يشاء".
نَعَم اخوتنا الاعزّة هكذا جاء تطبيق مفردات الاية المباركة تشير بوضوح الى النبيّ الاكرم صلّى الله عليه واله انّه مثلُ نور ِالله جلّ وعلا، فاذا كانت الزهراءُ فاطمةُ عليها السلام هي المشكاة، وفيها المصباح، عُلِم انّها صلواتُ الله عليها محلُّ النور ومُكثره، فهي من رسول الله، ورسولُ الله من نور الله، وعلي من رسول الله، ومن علي وفاطمة فاضت انوار الله، فكان منهما ائمّةُ الهدى اولياءُ الله، صلوات الله عليهم وسلامُ الله. ورحم اللهُ الشاعرَ حيث يقول:

صلِّ يا ربّ على شمسِ الضُّحى

احمدَ المختارِ نور الثقلين

وعلى نجمِ العلى بدرِ الدُّجى

من عليهِ الشمسُ ردّت مرّتين

وعلى الزَّهراء مشكاةِ الضيا

كوكبِ العصمةِ امّ الحسنينِ

والسعيدَينِ الشّهيدينِ هُما

للرسولِ المصطفى قرّةُ عينِ

اجل ايها الاخوةُ الاكارم كان ذلك من تطبيقات اية النور في اشراقاتٍ معرفية صدرت عن اهل بيت الرسالة، روى ذلك ايضا في (الكافي) للشيخ الكلينيّ، وفي (رشفة الصادي من بحرِ فضائل بني النبيّ الهادي) لابي بكربن شهاب الحضرميّ الشافعيّ، وفي (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة)، و(وسيلة المال في عدّ مناقب الال) لصفيّ الدين احمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرميّ الشافعيّ، وغيرها كثير. اذن، فالزهراءَ فاطمةُ عليها السلام محورُ آية النور، اليها انتقل النور، ومنها انتقل النور، حيث اقترنت بابي الائمة الاطهار، علي عليه السلام، فكان منها فيضُ الانوار، ومن هنا نفهم ما ورد في الروايات المباركة انّ ملكا هبط الى النبيّ صلّى الله عليه واله فقال له: بَعثني اللهُ اليك، لتزوّجَ النورَ من النور، فقال له النبيّ: "من ممّن؟! " قال: (ابنتك من علي).