بسم الله وله المجد والحمد حبيب قلوب الصادقين وأتم الصلوات الزاكيات والتحيات الخالصات على سادات أوليائه المقربين المصطفى محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا تحية مباركة طيبة وأهلاً ومرحباً بكم في لقاء آخر يسرنا ان نجتمع بكم في رحاب هذا البرنامج.
في هذا اللقاء نتعرف على خصائص اخرى مهمة لمدرسة العارف الجليل المولى حسين قلي الهمداني الانصاري في السير والسلوك الى الله عزوجل ونفحات من سيرته ووصاياه العرفانية رحمه الله يتخلل ذلك حديث لخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن الذكر وآدابه وآثاره في التقرب من الله جل جلاله.
نجد في وصايا العارف الهمداني الانصاري تأكيدات مشددة على العمل بالاداب الشرعية في مختلف شؤون حياة الانسان الفردية والاجتماعية وفي علاقته مع الله تبارك وتعالى بالمعنى الاخص وكذلك في علاقته بالناس.
وتعتبر الآداب الشرعية المستفادة من القرآن وأحاديث النبي وأئمة عترته (صلى الله عليه وآله) وسائل السلوك والتقرب الى الله عزوجل لانها هي الاعمال التي يرتضيها الله عزوجل من عباده.
وفي المقابل تحذر هذه الوصايا من ارتكاب مالا يرضاه الله عزوجل سواء كان من المعاصي صغيرة او كبيرة او مما تعرف بالاصطلاح الفقهي بالمكروهات الشرعية؛ وتعتبر هذه الامور جميعاً من عقبات السير والسلوك الى الله والتقرب اليه جل جلاله.
وقد نُقل عن بعض اعلام مدرسة المولى حسين قلي الهمداني الانصاري انه لم يتكب مكروها قط، ولذلك كان هذا المولى ـ قدس الله نفسه الزكية ـ يحث باستمرار على على تعلم الاحكام الشرعية من الواجبات والمحرمات والآداب والمستحبات والمكروهات والعمل بها قدر المستطاع.
وإضافة الى ذلك تؤكد هذه المدرسة على ضرورة المسارعة الى التوبة فوراً عند الوقوع في كل مالا يرضاه الله عزوجل، قال (رحمه الله) في احدى وصاياه المنشورة في كتاب تذكرة اليقين: «إن جميع وصاياي لك، هي الاهتمام بترك المعصية. فإن قمت بهذه الخدمة فإنها ستوصلك الى مقامات سامية، فلا تقصر ابداً ابداً في اجتناب المعصية وإذا وقعت فيها لا سمح الله فبادر للتوبة فوراً وأقم ركعتي صلاة واستغفر بعدها سبعين مرة ثم اسجد واطلب العفو، والمعاصي الكبيرة مذكورة في بعض الرسائل العملية فتعلمها وإجتنبها».
ومن الامور الاخرى التي إمتازت بها مدرسة المولى حسين قلي الانصاري في السير والسلوك شدة تأكيدها على الذكر القرآني المعروف بذكر اليونسية المأخوذ من سورة الانبياء وهو دعاء: «لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
وقد ذكرت آثاره كثيرة لهذا الذكر والاكثار من تكراره خاصة في حالة السجود؛ ومن أهم هذه الآثار إعانة السالك على التحرر من اسر عالم الطبيعة وفتح آفاق رؤية عالم الملكوت أمامه.
أما الآن نتابع تقديم البرنامج عرفاء من مدرسة الثقلين بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
ذكر الله واثره في التقرب منه عزوجل
المحاور: السلام عليكم الافاضل ورحمة الله وبركاته، وسلام على خبير البرنامج ضيفنا الكريم سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة من برنامج "عرفاء من مدرسة الثقلين" عن قضية الذكر، ما هو سر التأكيدات الواردة في النصوص الشريفة وكذلك من قبل اهل المعرفة على الالتزام بالاذكار الشرعية والاذكار الشريفة الواردة في القرآن وفي احاديث اهل بيت النبوة سلام الله عليهم؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً الذكر ربما يبين في جملة من البيانات الشرعية انه نحو من المعرفة بقالب السلوك، المعرفة قد يقتنصها الانسان بادراك جملة من المعاني او الصور او ما شابه ذلك، او يذعن بجملة من الامور وقد يقتنص الانسان المعرفة بنفس سلوكه، سلوكه الروحي، سلوكه القلبي، سلوكه العبادي، في الحقيقة السلوك القلبي او الروحي او الذكري سينتهي به ويضفي به الى درجة من المعرفة، سواء تكون وجدانية او قلبية تلك المعرفة او المقام، طبعاً بذكر منازل ودرجات مذكورة، مثلاً الصلاة هي نوع من الذكر ولكن التوجه في الصلاة يعتبر ذكر اعظم في الصلاة، نفس حالة التوجه الدائم الى الحضرة الالهية والمحضر الالهي وبالتالي مما يوجب نوع من رقابة الساحة الالهية على الانسان نفسه وعلى غرائزه ودرجات نفسه وما شابه ذلك ولذكر الله اكبر واعظم وما شابه ذلك، من ثم اكبر واعظم الذكر على مقام الصلاة باعتباره روح الصلاة، ايضاً للذكر شرائط مثلاً كالسورة قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى، وورد في رواية اهل البيت (عليهم السلام) ان من تمامية اي ذكر من اذكار الباري تعالى ان يقرن بالصلاة على النبي، حسب هذه الرواية الواردة عن الرضا (عليه السلام) مفعول اي ذكر لا يؤثر الا بالاقتران مع الصلاة على النبي وآله، وكأنما هذا هو المراد من الآية الكريمة وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، حيث ان السائل سئل الرضا (عليه السلام) هل المراد من الصلاة هنا كلما ذكر ذاكر لله عز وجل قام فصلى ركعتين قال: اذن كلف الناس شططا، المراد كلما ذكر ذاكر الباري تعالى بلسانه بقلبه يصلي على النبي وآله، لان اي عمل لا يقرن بالصلاة كما ورد في روايات الفريقين لا يرتفع ذلك العمل ولا يكتب له فتح ابواب السماء، كما لا يرتقي الذكر بالانسان الى المقامات والمنازل العليا، هذه توصية عامة من الرضا عليه السلام ويدلل عليها ادلة عامة كثيرة ان الذكر لابد ان يقرن بالصلاة على النبي وآله، وايضاً هناك توصيات اخرى في القرآن الكريم لشرائط وحوافز الذكر ان تكون بالليل والنهار ان يكون الذكر باللسان والقلب معن، لان الذكر باللسان كما يذكرون نوع رافد يمدد الذكر القلبي وان كان الذكر القلبي منزلته اعظم من الذكر اللساني، ولكن الذكر اللساني يعتبر كالمدد الذي يقوي قوة توجه الانسان على صعيد قلبه، ولربما كان التوجه القلبي من دون الذكر اللساني ضعيفاً او ينشد الانسان الى توجهات اخرى من دون الذكر اللساني، فالذكر اللساني يكون بمثابة الرباط الحافظ المبقي للذكر القلبي، آداب الذكر كثيرة ذكرت ان يكون الانسان على طهارة او ما شابه ذلك، ومن اعظم انواع الذكر ايضاً ذكر في رواية اهل البيت عليهم السلام ان يتذكر الانسان ويخشى ربه حين مشارفة اقتراف المعصية والعياذ بالله قبل ان يقع وينزلق الانسان في المعصية عند المشارفة والمقاربة يتذكر الانسان ربه ويخشى يصدع نفسه حينئذن هذا من اعظم انواع الذكر، وليس الذكر مقصوراً على الذكر اللساني او على لقلقة الاسماء الالهية اسماء الجلالة واسماء الجمال، بل واقع معايشة معاني التوجه الالهي امر مهم وضروري.
المحاور: سماحة الشيخ عفواً الوقت المخصص لهذه الفقرة انتهى يعني الان اتضح تقريباً حقيقة الذكر وآثاره وآدابه ودوره في التقرب الى الله، بقيت القضية الثانية التي سألنا عنها في مطلع الحديث قضية التأكيدات على الالتزام بالاذكار الشرعية بما ورد في الشريعة لو سمحتم يكون هذا هو موضوع سؤالنا واجابتكم في الحلقة المقبلة من البرنامج، شكراً جزيلاً سماحة الشيخ محمد السند، وشكراً للاخوة والاخوات على متابعة ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج من عرفاء مدرسة الثقلين.
ومن المميزات المهمة لمسلك العارف المولى حسين قلي الهمداني الانصاري التأكيد على التقرب الى الله جل جلاله بخدمة خلقه وقضاء حوائج لاحظوا استخدامه رحمه الله لتعبير (ليجتهد) وتعبير البليغ في هذا المجال حيث يقول في احدى رسائله العرفانية المنشورة في كتاب تذكرة المتقين أيضاً: «وليجتهد السالك في السعي البليغ لقضاء حوائج المسلمين».
ويقترن التأكيد على خدمة خلق الله في مدرسة المولى الفقيه الشيخ حسين قلي الهمداني بالتأكيد على صدق النية في هذه الخدمة بأن يكون الهدف منها التقرب الى الله عزوجل وابتغاء رضاه وليس ابتغاء رضا الناس؛ فحتى التودد اليهم ومداراتهم ينبغي أن تكون ابتغاء لمرضاة الله تبارك وتعالى.
وفي مقابل التأكيدات على خدمة الله عزوجل نجد في وصايا العارف الهمداني تأكيدات مشددة ايضاً على اجتناب المعاشرات غير النافعة مع الناس لأنها تضر كثيراً بالحالة الروحية للسالك وتوقعه في الغفلة عن الله جل جلاله وفي أحد المصاديق الخطرة للاخلاد الى الارض. في حين المطلوب من السالك هو دوام الاستشعار لحضور الله عزوجل، قال هذا العارف رحمه الله في احدى وصاياه السلوكية: «بادر الى المجاهدة واشتغل بتمام الجد في المراقبة من اول قيامك من نومك في جميع آناتك والزم الادب في مقدس حضرته ـ جل جلاله ـ وأعلم أنك بجميع أجزائك اسير قدرته وراعي حرمة شريف حضوره وأعبده كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».