بسم الله وله المجد والحمد كنز العارفين وبهجة الذاكرين ومعبود العابدين واسنى الصلوات والتحيات والتسليم على صفوته الميامين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم في لقآء آخر من هذا البرنامج نخصصه للحديث عن سيرة شيخ عرفاء أتباع مدرسة الثقلين في القرن الهجري الثالث عشر والقرن الرابع عشر العبد الصالح المولى حسين قلي الانصاري رضوان الله عليه يتخلل ذلك حديث لخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن حقيقة التقوى التي هي زاد السالكين الى الله جل جلاله.
ولد الشيخ حسين قلي بن رمضان في قرية شوند من توابع مدينة همدان الايرانية سنة (۱۲۳۹) للهجرة، وهو ذراري الصحابي الولائي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري ولذلك يلقب الشيخ حسين قلي بالانصاري والده فلاح طاهر الطينة وكان راعياً للاغنام ثم اصبح اسكافياً وكان رحمه الله شديد التدين والحرص على الكسب الحلال؛ محباً للعلم لذلك أرسل ولده حسين قلي الى طهران ـ وكانت فيها آنذاك حوزة علمية دينية عامرة ـ لكي يتعلم فيها علوم الدين.
إجتاز الشيخ حسين قلي مرحلة المقدمات بنشاط ملفت للانظار وقد استفاد في هذه المرحلة من العالم التقي الشيخ عبد الحسين الطهراني (قدس سره) وهو من أجلاء تلامذة الحكيم المتأله المولى هادي السبزواري رضوان الله عليه.
ثم هاجر الشيخ حسين قلي الانصاري الى سبزوار وأقام فيها مدة ملازماً لدروس الحكيم الزاهد هادي السبزواري، انتقل بعدها مهاجراً الى المشهد العلوي في النجف الاشرف حيث تتلمذ على الشيخ الانصاري في الفقه والاصول الى سنة (۱۲۸۱) حيث توفي الشيخ الاعظم قدس الله نفسه الزكية.
أما في الاخلاق والعرفان وسلوك فقد تتلمذ على يد سيد عرفاء الامامية في القرن الهجري الثالث عشر السيد علي التستري (قدس سره الزكي) وللسيد التستري شهادة مهمة تعرفنا بمقام المولى حسين قلي الهمداني ننقلها لكم احباءنا بعد الحوار مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن حقيقة التقوى وآثارها في السير والسلوك الى الله عزوجل.
حقيقة التقوى وآثارها في السير والسلوك الى الله
المحاور: السلام عليكم احبائنا ورحمة الله وبركاته وسلام على خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة من برنامج "عرفاء من مدرسة الثقلين" عن التقوى، ما هي حقيقتها واهميتها في السير والسلوك الى الله تبارك وتعالى؟
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، التقوى حيث انها مأخوذة من الوقاية فهي من التجنب والابتعاد عما هو محرم، ولكن هي تأخذ طابع درجات متفاوت في جوانب او مراحل ربما تكون ظاهرة وواضحة الى درجات ومراحل دقيقة ولطيفة وربما تكون خفية جداً، وكلها تندرج في الوقاية من المحرمات، نعم هناك درجة من التقوى في الوقاية من المكروهات او مساوئ الاخلاق وما شابه ذلك، وربما تأخذ التقوى وهي الوقاية درجات في المعارف ايضاً، تترقى الى انماط الادراك والسير الادراكي والاذعان بجملة من المعلومات والمعتقدات وما شابه ذلك، التقوى هي ذات عرض عريض.
المحاور: سماحة الشيخ بالنسبة للمرتبة الاخيرة التي تفضلتم بها، يعني كيف يكون الانسان متقي في الجانب العقائدي او جوانب الافكار او المدركات؟
المحاور: من قبيل المثال سوء الظن بالله عز وجل وان كان قد يتخذ كسلوك اخلاقي ولكنه يستبطن ادراك معرفي، مثلاً ان ايمان المرء حيثما يظن بربه، كما في بعض الروايات انه سأل سائل كيف هو عند الله "ربما سأل احد المعصومين"، فالجواب انه كيف الله عنده، فهذا النمط من الرؤية او الوقار او جانب التعظيم او حسن المعرفة بالله عز وجل بحسن المعرفة بصفات الله، الاطمئنان بتلك الصفات والاسماء وبتلك العظمة، ليس مجرد ادراك رؤي محض وانما هو يأخذ جنبة عملانية سيرية في الروح وفي متبنيات الروح وفي ميول الروح وجذبات الروح، فبالتالي ذلك هو درجات في الايمان، فربما الانسان يكون مقيماً في سوء ظن بالله والعياذ بالله او صفة باطلة ينسبها الى ربنا صفة نقص او صفة سوء وما شابه ذلك، بينما لله الاسماء الحسنى لا الاسماء السيئة "والعياذ بالله" يعني الصفات والكمالات، وان لم تكن تلك بقالب كما مر بنا رؤي او معرفي ادراكي ولكنها قد تكون بقالب ادراكي عملاني من جانب العقل العملي او سير الروح والقلب وانجذابات الروح وميولها واشواقها، او لا سامح الله جانب النفور في النفس او الادبار في الروح والقلب وما شابه ذلك، هذه امور ودرجات كثيرة وبحسب ما لله من صفات واسماء، بالتالي تتنوع وتختلف المتبنيات الادراكية العملانية لقلب الانسان وعقله وروحه وسره، امور عديدة وكثيرة.
المحاور: سماحة الشيخ شكراً لكم، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من البرنامج.
أما الآن فننقل لكم حادثة تبين مقام عارفنا الجليل الشيخ حسين قلي الانصاري الهمداني وأثره في الحركة العرفانية لاتباع مدرسة الثقلين.
الحاثة نقلها العلامة المتتبع الشخ آغا بزرك الطهراني رحمه الله ضمن ترجمته للمولى الهمداني في كتابه نقباء البشر؛ قال: وكان استاذه السيد علي التستري يحس منه الاستعداد واللياقة لا ليهذب نفسه فقط، بل ليقود جمهوراً كبيراً ويبذر في اصحابه واتباعه هذه الروح المركوزة.
وقضية واحدة تعطينا صورة عن اهتمام السيد علي به [وهي]: يُحكى أن طبيباً من مهرة الفن دخل النجف الاشرف زائراً وكان من اصحاب السيد التستري ومريديه، فقصد السيد زائراً وكان المولى حسين قلي الهمداني يومذاك مريضاً، فلما وقعت عين السيد علي الطبيب ابتدره قائلاً: إقصد اولاً المدرسة السليمية [من المدارس الدينية في النجف الاشرف] فأفحص بها ولداً لي قد أضناه السُقم.
فما كان من الطبيب الا الامتثال، ولما جاءها ورأى الشيخ حسين قلي عاد الى السيد فقال: إن هذا الشيخ فقير ومرضه صعب يحتاج علاجه الى مال كثير، فأجابه السيد بقوله.
ارجع اليه وعالجه على كل حال، فلو صرفت عليه مائة تومان [وكان هذا المبلغ يومذاك كبيراً يكفي لشراء بيت واسع وكان يضرب به المثل للمبلغ الكبير] قال: فلو صرفت عليه مائة تومان وعاش ساعة واحدة كان خيراً والساعة من عمره أغلى من ذلك.
قال العلامة الطهراني بعد نقل هذه الحكاية: «وهذه الواقعة كافية لأن تعلمنا بما كان يعقده عليه استاذه من الآمال، وفي الحقيقة كان ينظر بنور الله، فقد كان كما الشيخ كما أمل السيد فصدق ظن من تنبأ فيه، وقد أعاد ذكريات رجالنا من الابدال من السلف الصالح رضوان الله عليهم فهو بقية السلف لمعاصريه ومفخرة الخلف لنا».