بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الاوّل قبل الانشاء والاحياء، والاخر بعد فناء الاشياء، والصّلاة والسّلام على المصطفى اشرف الانبياء، وعلى اله الهداة الاوصياء. ايها الاخوة الاعزّة المؤمنون، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اسعد الله اوقاتكم بطاعاته، واهلا بكم في رحاب القران الكريم، الذي جعله الله لنا تذكرة وهدى ورحمة، بعد ان يسّره لعباده فقال: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" (سورة القمر الآية ۱۷). وكان ممّا تيسّر من كتاب الله تبارك وتعالى ما ورد في فضائل النبيّ واله صلوات الله عليه وعليهم، ومنها قوله عزّ من قائل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ" وهي الاية الخامسة والثلاثون من سورة المائدة المباركة، حيث جاءت مصدّرة بالنداء الالهيّ الشريف مخاطبا خصوص الناس، وهم الذين امنوا، لماذا؟ لان الله تعالى جعلهم موضع توجّههه وعنايته حيث هم اقرب الناس سمعا لنداء الحقّ، واسرع الناس استجابة وطاعة لداعي الحقّ، وانهضهم تلبية لامر الحقّ. وكان النداء الربّاني انسب ما يكون، اذ تصدّر آية حملت اهمّ الاوامر الالهية واخطرها،حيث جاء بعد النداء المبارك قوله تعالى: "اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ" ، وتلك امور تحتاج الى ايمان حقيقيّ مثمر عن استجابة لنداء الله تعالى، وطاعة مطلقة لله جلّ وعلا. والتقوى تلك ملكة مقدّمة وضرورية، اذ هي داعية العبد الى الخضوع لاوامر الله جلّ شانه، وهي حصن مانع له من المعصية والاثم والذّنب، تقي العبد من ان يبتغي وسيلة ما ايّ وسيلة كانت، الاّ الوسيلة التي امر الله ان تبتغى، وتلك هي الطاعة الحقيقية والعبودية الحقّة، وهي خير منجاة، واسمى لجوء الى الله الذي امر ان لا لجوء مقبول الاّ بابتغاء الوسيلة. ولكن ما هي تلك الوسيلة التي امر الله تعالى ان تبتغى اليه يا ترى؟ تعالوا اخوتنا الاكارم الى التعرّف على ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة
ايها الاخوة الافاضل، انّ الله عزّوجلّ قدّم على الوسيلة امرا وهو (ابتغوا)، واعقب هذا الامر المبارك بكلمة (اليه) والضمير هنا عائد اليه تبارك وتعالى، والوسيلة هي القضية المطلوبة التي يريد الله جلّ وعلا ان نبتغيها فنأتيه من طريقها، لا من طريق الوسائل التي تبتدعها الاهواء والاراء والعصبيات الضالّة، او السّبل التي تمليها الوساوس الشيطانية المضلّة. وهنا يقتضي الحال ان نتبين معا معنى الوسيلة، لغة ومصطلحا. الوسيلة في كلام العرب ايها الاخوة الاحبّة، من الفعل: توسّلت اليه، اي تقرّبت اليه، فالوسيلة اذن هي الوصلة والقربة. وفي بيان اوسع، قال الراغب الاصفهاني في كتابه (مفردات غريب القران) الوسيلة هي التوصّل الى الشيء برغبة، وحقيقة الوسيلة الى الله تعالى هي مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحرّي مكارم الشريعة، والوسيلة كالقربة.
نعم اخوتنا الاعزّة ولكن كيف يا ترى يتحقّق ذلك كلّه؟ وكيف يستطيع العبد مراعاة سبيل ربّه عزّوجلّ بالعلم والعمل وتحرّي مكارم الشريعة؟ ايتسنّى له ذلك يا ترى من خلال امزجته واهوائه وعصبياته وآرائه الخاصّة دون ملاحظة ما امر الله به في كتابه، ورسول الله في سنّته؟ انّ ذلك لا يكون ولا يتحقّق ابدا ايها الاخوة الاكارم، لانّ حقيقة العبودية هي الطاعة المطلقة لله جلّ وعلا ولما امر به، وكان ممّا امر به سبحانه وتعالى مودّة اهل البيت عليهم السلام حتّى جعل ذلك اجراً لاتعاب حبيبه ورسوله المصطفى على اداء الرسالة، فقال عزّ من قائل: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" (سورة الشورى الآية ۲۳ ) ، فلمّا نزلت هذه الاية سئل رسول الله صلى الله عليه واله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: "على وفاطمة وابناهما" . وقال صلى الله عليه واله مبينا للاية، وقاطعا بالحجّة على كلّ متهرّب من حقيقة المودة: "انّ الله جعل اجري عليكم المودّة في اهل بيتي، وانّي سائلكم غدا عنهم" . هكذا روى محبّ الدين الطبريّ المكيّ الشافعيّ في (ذخائر العقبي)، فتعين من خلال ذلك من هم قربى النبيّ صلي الله عليه واله، فهل تعين عند المفسّرين ما الوسيلة؟ يجيبنا على ذلك الحافظ ابوبكر الشيرازي وهو من علماء اهل السنّة، حيث كتب قلمه بصراحة في مؤلفّه (فيما نزل من القران بشان علي عليه السَّلام) انّ المراد من (الوسيلة) في الاية الكريمة: "وابتغوا اليه الوسيلة " محمّد وآل محمّد عليه وعليهم الصلاة والسلام.