بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، واشرف الصلاة على رسول الله، وعلى اله محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ايها الاخوة الاعزة المؤمنون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واهلاً بكم في نفحات قرآنية عاطرة، نستنشقها هذه المرة من قوله تبارك وتعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" . وردت هذه الاية المباركة مرتين في كتاب الله عزوجل، في سورة النحل الاية الثالثة والاربعون، وفي سورة الانبياء الاية السابعة وقد استوقفت كلمة (الذكر) فيها جميع المفسرين، وذلك للتعرف على (اهل الذكر) الذين امر الله جل وعلا بسؤالهم ان كانوا لايعلمون وقد لجأوا مرة الى اهل اللغة ونظروا في حديقة اللغة العربية، ومرة استقرأوا هذه الكلمة في كتاب كيف جاءت، وعلى اي معان وردت الى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
*******
ففي حقل اللغة اخوتنا الاعزة قال اصحاب المعاجم العربية: الذكر: يعني اقتناء المعرفة مع استحضارها، فهو ما بقي في حفظ المرء واستطاع استحضاره دون ان ينساه، وهو ذكران: الاول ذكر بالقلب، والثاني ذكر باللسان. الاول: يخطر على القلب توجه ومعرفة، والثاني: يجري على جارحة اللسان حفظا لما علم.
ولكن في القران الكريم ايها الاخوة الاكارم تأتي كلمة (الذكر) على معانٍ عديدة، فمرة تعني القرآن الذي يتلى، كما في قوله تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (سورة الحجر الآية۹). ومرةً تعني وصف النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، كما في قوله عزوجل: "...قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً{۱۰} رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ..." (سورة الطلاق الآية ۱۰و۱۱)، وعلى المعنيين: ان الذكر هو الكتاب المجيد، او هو النبي الكريم، فان اهل الذكر هم اهل البيت، بيت الوحي والرسالة، الذين عاشوا في مهبط الوحي، وهم ادرى بما كان في البيت، وهم اولى بان يسألوا ليجيبوا، هم فاطمة وابوها وبعلها وبنوها صلوات الله وسلامه عليهم جميعا. جاء في كتاب (بصائر الدرجات) للصفار القمي باسناده عن الحكم بن عتيبة قال: لقي رجل الحسين بن على عليهما السلام بالثعلبية وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له الحسين عليه السلام: "يا اخا اهل الكوفة، اما والله لو لقيتك بالمدينة لاريتك اثر جبرئيل من دارنا، ونزوله على جدي بالوحي. يااخا اهل الكوفة، مستقى العلم من عندنا، افعلموا وجهلنا؟! هذا ما لايكون" .
*******
اجل ايها الاخوة الافاضل ان اهل الذكر هم اهل البيت عليهم السلام نسباً ونسبة ً، فهم اهل بيت النبي صلى الله عليه واله، وهم اهل القران الكريم حفظا وفهما وعلما، يعلمون باياته متى نزلت، واين نزلت، وفيمن نزلت، ومن تعني وماذا تقصد، ونحن نخاطبهم صلوات الله عليهم في (الزيارة الجامعة الكبيرة) فنقول لهم: "السلام عليكم يا اهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي" . افيتصور ان لا تكون فاطمة الزهراء سلام الله عليها احدهم، وهي معهم لم تفارقهم، بل هي بضعة رسول الله لم تنفصل عنه، وهي تحفة ولي الله وهو كفؤها، وهي ام الائمة الاطهار، الحسن والحسين والتسعة الائمة الميامين من اولاد الحسين، صلوات الله عليهم جميعا ما اختلف الليل والنهار! وليكون الدليل النقلي، مؤيدا للدليل العقلي.
*******
تعالوا معنا اخوتنا الاحبة نقرأ في بعض التفاسير والبيانات الواردة في ظل الاية الشريفة "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"قول امير المؤمنين على عليه السلام: "اهل الذكر اهل الله وحامته" ،. وقوله سلام الله عليه ايضا: "وان للذكر لاهلاً، اخذوه من الدنيا بدلاً، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه، يقطعون به ايام الحياة" . وفي ظل الاية المباركة ايضا كتب الشيخ محمد بن موسى الشيرازي، في مؤلفه (المستخرج من التفاسير الاثني عشر): "فاسألوا اهل البيت" . والله ما سمي المؤمن مؤمنا الا بسبب حبه لعلي بن ابي طالب. وفي كتابه (نفحات اللاهوت) نقل علي بن عبد العالي، المحقق الكرخي ان الحافظ محمد بن موسى الشيرازي، وهو من علماء السنة روى ما استخرجه من اثني عشر تفسيرا، عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" قال: هم محمد وعلي، وفاطمة والحسن والحسين، هم اهل الذكر والعلم والعقل والبيان، وهم اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة. روى ذلك ايضا ايها الاخوة الاعزاء السيد ابن طاووس في كتابه (الطرائف) وعنه نقل الشيخ المجلسي في (بحار الانوار). وكم كانت فاطمة الصديقة الزهراء عليها السلام قد سئلت فاجابت، ولم يصدف ولو مرة واحدة في عمرها ان سئلت فما اجابت، وذلك لانها من اهل بيت المصطفى، ومن اهل الذكر والعلم والقرآن الكريم.
*******