بسم اللهِ الرحمن الرَّحيم... الحمدُ للهِ على جميعِ النَّعماء، وأطيبُ الصّلاة وأزكاها على سيد المرسلينَ والأنبياء، وعلى آلهِ سادةِ الأوصياء. أيها الإخوةُ الأعزّة، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وأهلاً بكم في لقاءنا المتجّدد هذا معكم، وحديثٍ آخرَ في رحابٍ قرآنية، نتعرّف من خلالها على بعض الخصائص الفاطمية. وكنّا أيها الإخوة قد تعرّفنا على بعض المعاني والمقاصد الواردة في ظلّ قوله تعالى: " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً" (النساء ٦۹)وقد أوردنا رواياتٍ في أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام صادقة، بل صدوقة، بل هي صدّيقة كبرى، وردَ ذلك على لسان النبيّ والأئّمة صلواتُ الله وسلامه عليه وعليهم.. إلاّ أنها سلامُ الله عليها لم تكن صدّيقةً فحسب بل كانت أعلى من ذلك، بدليلين واضحين، بينين: الأوّل أنّها على الروايات العامّة والخاصّة، وبطرقٍ وفيرة، وأحاديث متواترةٍ كثيرة هي سيدةُ نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين، فضلاً عن كونها سيدة نساء هذه الأمّة، وسيدة نساءِ أهلِ الجنّة.. إذن فهي بالاستعاضة سيدة الصدّيقات.
*******
أمّا الدليل الثاني، فهو بما أنّها بضعةُ رسول الله صلّى الله عليه وآله كما تشهد عشراتُ روايات الشيعة والسنّة، وأن النبيّ هو أشرفُ الصدّيقين، فهي سلامُ الله عليها بالاستعاضة تكون أسمى من غيرها وأعلى.. وبالضرورة تكون فاطمة عليها السلام مشمولةً بالكلمة الإلهية القرآنية (والصدّيقين)، فهل يا ترى شُملت بكلمة (الشهداء) الواردة بعد الصدّيقين؟. قال بعض أصحاب التفسير: الطائفة الثالثة في الآية المباركة، أي من الذين أنعَمَ الله تعالى عليهم، هُمُ الذين تولاّهمُ الله بالشهادة وجعلهم المقرّبين، فشهدوا الحقّ وقُتلوا في سبيل الله عزّ وجلّ نوالاً لرضاه ومحبّته تبارك وتعالى. وإذا كان هنالك عدّة من المفسّرين يفهمون أنّ الشهداء هنا هُم الشاهدون على الأعمال، فإنّ عدّةً كبيرةً منهم يفهمون أنّ الشهداء هنا وفي مواقع كثيرةٍ أخرى هُم المقتولونَ في سبيل الحقّ وإعلاء كلمة الله تعالى، وتثبيت الحقائق الدينية الكبرى كالنبوّة والإمامة، فيكونون بعد شهادتهم شهداءَ على أعمال الناس، إذ بين الأمرينِ تلازم كما يقال. والآن.. من أين ثبتت شهادةُ الصدّيقة الطاهرة فاطمةَ عليها السلام؟ جاء في (امالي الصدوق)، و(فرائد السمطين) للجوينيّ الشافعيّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال في حديثٍ طويلٍ له: "تكون أي فاطمة عليها السلام أوّلَ من يلحقني من أهل بيتي، فتقدمُ عليَّ محزونةً مكروبة، مغمومةً، مغصوبة، مقتولة! " . كذلك جاءت عبارات كثيرةٌ في زياراتها على هذا التعبير: "السَّلامُ عليك يا فاطمةُ يا سيدةَ نساءِ العالمين، أيتها البتول الشهيدةُ الطاهرة... السّلامُ عليك أيتها الصدّيقةُ الشهيدة" . كما في (المزار) للشيخ المفيد و(إقبال الأعمال) للسيد ابنِ طاووس، و(مصباح الزائر) للشيخ المجلسيّ، و(تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسيّ، روايةً عن أهل البيت عليهم السلام، فضلاً عما جاء في عشرات المصادر معبّراً عنها بكلمة (شهيدة)، كما في (الاحتجاج للطبرسيّ)، و(من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق، و(دلائل الإمامة) للطبريّ الإماميّ، و(المصباح) للكفعميّ، و(كنز الفوائد) للكراجكيّ، وعشراتٍ أخرى، منها ما أتى به الكلينيّ في (الكافي) عن الإمام الكاظم عليه السلام قوله: "إنّ فاطمةَ صدّيقةٌ شهيدة" .
*******
ثمّ قال تعالى أيها الإخوة الأكارم في التعريف بالذين أنعمَ اللهُ عليهم: (والصّالحين)، فمن يا ترى أصلحُ من محمدٍ وآل محمّد صلواتُ الله عليه وعليهم، وهُم الصالحون المصلحون؟! لا سيما إذا عَلِمنا أنّ الصالحينَ هُم الذين صَلَحت نفوسهم، واستقامَت أحوالُهم وطريقتُهم باتّباعِهم شريعةَ اللهِ عزّ وجل والدوامِ على طاعته تبارك وتعالى، فتأهّلوا لفيضه، وتهيأوا لنعمه وكرامته، ولا نبالغُ أبداً إذا قُلنا بأنّ أصدق مصداقٍ لذلك هُم النبيُّ وآله صلوات الله عليه وعليهم.. ويكفينا في ذلك ما رواه الكراجكيُّ في (كنز الفوائد)، والأسترآباديّ في (تأويل الآيات الظاهرة)، والسيد هاشم البحرانيّ في تفسيره (البرهان).. وغيرهم، عن أنسِ بنِ مالك أنّه قال: صلّى بنا رسولُ الله في بعض الأياّمِ صلاةَ الفجر، ثمّ اطلّ علينا بوجهه الكريم، فقلتُ له: يا رسولَ الله، أرأيتَ أن تفسّرَ لنا قوله تعالي: " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً" (النساء ٦۹)، فقال أما النبيون فأنا وأما الصديقون فأخي عليّ، وأمّل الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمةُ وأولادُها الحسنُ والحسين.
*******
أجَلُ.. تلك أمثلةٌ وشواهدُ صادقة، ومصاديقُ ناطقة، وإلاّ فسادةُ الصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ هُم آلُ الله، محمّدٌ والزهراء وعليٌّ وأبناؤه الأئمّة الطاهرون صلوات الله وسلامُه عليهم جميعاً، "وحَسُنَ أولئك رفيقا ".