بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الحنّان والمنّان، وأزكى صلواته على نبيّ الهدى والإيمان، المصطفى وعلى آله أمناء الرحمان. أيها الإخوة الأعزّة الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في مواصلة لبيان قوله تبارك وتعالى في سورة النساء: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً"( النساء الآية ٦۹)، حيث جاء في بيانها أنّ الطاعة لله جلّ وعلا ولرسوله صلى الله عليه وآله، تستلزم الدخول في مسلك من أنعم الله عليهم.. ومن هم يا ترى أولئك الذين أنعم الله تعالى عليهم نعمةً خاصّةً، وتفضّل عليهم بها؟ قيل: هم الذين آثروا حكم الله تعالى ورسوله على حكم الطاغوت، وسلّموا أمرهم الى الله عزّ وجلّ، أمّا تلك النعمة الشريفة، فهي التي نوّه الله جلّ وعلا بها في قوله تعالى معلّماً: " اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{٦} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{۷}" (سورة الحمد)، وهي النعمة التي تؤهّل الفرد إلى سلوك هذا الطريق، وإلى قبول الفيض الرّبوبيّ. وقد أشار الله تعالى أيها الإخوة الأعزة في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وهي تنحصر في نعمة الولاية. هكذا قال كثير من المفسّرين، ولكن يا ترى من هم أولئك المنعم عليهم؟ إلى ذلك إخوتنا الأكارم بعد هذه الوقفة القصيرة.
*******
إنّ الآية المباركة أيها الإخوة الأعزّاء بنفسها تبين من هم الذين كان الله تعالى قد أنعم عليهم تلك النعمة العليا، حيث جاء فيها: "من النّبيين والصّديقين، والشّهداء والصّالحين"()، قال أصحاب التفسير: قد ذكر الله عزّ وجلّ هنا أربعة طوائف ممّن أنعم عليهم بالهداية والتوفيق: فالنبيون إخوتنا الأفاضل هم أصحاب الوحي، ذكرهم الله سبحانه هنا للإعلام أنّ الطاعة للمصطفى صلى الله عليه وآله متضمنة لطاعتهم سلام الله عليهم. (والصّدّيقين) جمع الصّديق، المبالغ في صدقه، أي الذين طابق قولهم فعلهم، وظاهرهم باطنهم، فلا يصدر منهم إلاّ الحقّ اعتقاداً وقولاً وفعلاً، لصفاء سريرتهم، وعدم صدور أي كذب عنهم، حيث ألهموا الصّواب، وكانوا شهدوا الحقائق فأصبحوا صادقين بالحق، صدّيقين شهداء للحقائق والأعمال. وقد فسّر بعض العلماء أيها الإخوة الأحبّة الصدّيقين بأنّهم الحائزين مرتبة الشهادة على الأعمال والحقائق، حتّى أصبحت منزلتهم تاليةً لمنازل الأنبياء، كما جاء ذكرهم بعدهم في هذه الآية المباركة. وقد ارتقى إلى ذلك رجال، عرّف بهم رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث رواها العامّة والخاصة، منها قوله: "الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل ياسين، الذي يقول: "إتّبعوا المرسلين، إتّبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون"(يس الآية ۲۰-۲۱)، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم". أجل، لأنّه سيد الوصيين، وهو أفضل من غيرهم إذ هو نفس سيد النبيين، حيث قال تعالى في آية المباهلة: (وأنفسنا)، وقد جاء في كتب حديثية عديدة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر أناساً، إلى أن سأله عمرو بن العاص: يا رسول الله، فأين عليّ؟ أي لم لم تذكره؟ فالتفت إلى أصحابه فقال: "أّن هذا يسألني عن النّفس"، رواه المتّقي الهندي في كنز العمّال، وفي حديث متواتر مشهور ورد في صحيح البخاري وصحيح الترمذيّ وغيرهما بصيغ عديدة، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: "إنّ علياً منّي وأنا منه" . وهنا نتساءل: هل كانت الزهراء فاطمة عليها السلام من الصّديقات؟ إلى الجواب على ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
*******
في (الرياض النّضرة) لمحبّ الدين الطبريّ الشافعيّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: "أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنّكم منّي وأنا منكم" . وفي (بحار الأنوار) روى الشيخ المجلسيّ عن أمالي الشيخ الطوسي قول الإمام الصادق عليه السلام في ضمن حديث شريف له في بعض فضائل جدّته فاطمة عليه السلام: "وهي الصّدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى" . وفي (مرآة العقول) كتب الشيخ المجلسيّ: عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام قال: "إنّ فاطمة عليها السلام صدّيقة شهيدة"، قال الشيخ المجلسي: الصّديقة فعّيلة، للمبالغة في الصّدق والتصديق، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت صادقة في جميع أقوالها، مصدّقة أقوالها بأفعالها، وهي معنى العصمة. ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها، لدخولها في الذين نزلت فيهم أية التطهير: "إنّما يريد الله ليذهب عنك الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً" بإجماع الخاصّة والعامّة، والروايات المتواترة من الجانبين. وإلى لقاء طيب آخر معكم إخوتنا المؤمنين نرجو لكم أهنأ الساعات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******