الحمد لله جليس الذاكرين وانيس العارفين والصلاة والسّلام على هداة صراطه المستقيم ونهجه القويم محمد وآله الطاهرين.
السّلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نخصصها لأحد كبار عرفاء الامامية في البحرين هو العالم الرباني كمال الدين ميثم البحراني (رضوان الله عليه) نتعرف في البداية عليه وعلى ما تمّيز به في منهجه في السير والسلوك الى الله عزّ وجلّ ثم حديث خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن عرفان نهج البلاغة، نعود بعد ذلك الى الشيخ ميثم البحراني وحكاية من سيرته وطائفة من وصاياه السلوكية.
نبدأ احباءنا بترجمة هذا العارف، هو كمال الدين ميثم ابن علي بن ميثم البحراني، الفيلسوف العارف، اتفّقت كلمة العلماء على تسميته بالعالم الرباني وشهد له المحقق نصير الدين الطوسي بالتبحر في الحكمة، وأكثر استاذ الحكمة المتعالية (صدر الدين الشيرازي) النقل عنه في كتبه، وألف الشيخ سليمان البحراني رسالة خاصة في أحوال هذا العارف سماها (السلافة البهية في الترجمة البهية) ذكر فيها جملة من أحواله ومقاماته، وأكد على مدح شروحه المتعدّدة لكتاب نهج البلاغة.
ومن جميل ما ذكروه في ترجمة ميثم البحراني قضية كونه كان استاذاً للمحقّق الطوسي في الفقه وتلميذاً له في الفلسفة.
والعلامة البحراني هو من أساتذة العلامة السيد عبد الكريم ابن طاووس وقد توفي سنة تسع وسبعين وستمائة، وقبره في احدى قرى الماحوز في البحرين كان يزار ويتبرك الآن بالدعاء عنده توسلاً به الى الله عزّ وجلّ.
نلاحظ في ترجمات العارف الشيخ ميثم البحراني (رضوان الله عليه) أن كل من ذكره من العلماء اشاروا الى جودة واتقان شروحه المتعددة لكتاب نهج البلاغة، وكثرة الحقائق العرفانية والسلوكية التي اشتمل عليها.
أجل فقد تميز هذا العالم الرباني بشدة الاهتمام بكتاب نهج البلاغة ولذلك فقد صنّف ثلاثة شروح له كبيرٌ ومتوسط وصغير، إضافة الى شرحه للمائة كلمة التي اختارها الجاحظ من قصار كلمات الامام علي (عليه السّلام).
سعى الشيخ البحراني في إهتمامه بنهج البلاغة الى استنباط حقائق العرفان ودرر التوحيد من كلام مولى الموحدين الامام علي (عليه السّلام)، اي أن طريقه الى حقائق الايمان كان حسن التأمل والتدّبر في كلام امير المؤمنين (عليه السّلام). وهذه العبرة الأهم في منهجه العرفاني والسلوكي.
أجل، فان لكلام امير المؤمنين خاصة وسائر ائمة الهدى (عليهم السّلام) عامة نورانية خاصة تنير قلب من فتح له قلبه بحقائق المعارف الالهية الحقة.
والمزيد من التوضيح لهذه الحقيقة فالى خبير البرنامج:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام على احبائنا وتقبل الله اعمالهم، نرحب بخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سلام عليكم سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ حبذا لو تعطوننا في هذه الفقرة والاخوة والاخوات لمحة عن قضية البعد العرفاني في نهج البلاغة الذي كان له عمق التأثير على عارف هذه الحلقة الشيخ ميثم البحراني (رضوان الله عليه).
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وال بيته الطيبين الطاهرين. في الحقيقة يحتل ويشغل جانب ترويض النفس ومعالم السلوك في خطب نهج البلاغة وحكم نهج البلاغة في الحقيقة مساحة جداً ضخمة وكبيرة وبالاحرى بيان حتى معالم المعرفة النظرية ما يسمى بالعرفان النظري او معالم المعرفة العملية السلوكية او ما يعرف بالعرفان النظري في الحقيقة مساحة جداً كبيرة في نهج البلاغة مثلاً خطبة الوسيلة او خطب اخرى كثيرة معروفة ومعهودة تشتمل على حكم جمة وقواعد في السلوكية اليومية وتورث مراعاتها بالغ الحكمة في مقامات ومنازل الانسان فلا غرو في ذلك ان الامام علي بن ابي طالب هو امير فرسان المجاهدات النفسية وهو امام المتقين وهم اصحاب المناهج والمسارات ذات الشأن النوراني الكبير في رياضات النفس، منها خطبة المتقين وخطب كثيرة، ان تم للانسان مراعات مجموعة تلك القواعد فسيصل الى مقامات ومنازل كثيرة ومن ظريف الشروح على نهج البلاغة شرح بن ميثم حيث انه تناول هذه الجنبة وهذا البعد والمنحى في شرح خطب نهج البلاغة، قراءة وشرح بديع، حاول ان يستنبط الكثير من قواعد السلوك في العرفان العملي من خطب نهج البلاغة وبيان المنازل وحري بعلماء الشيعة وحري بالدراسات العرفانية ان تنكب دراساتها كمحور على خطب نهج البلاغة وشروح ابن ميثم لاسيما ان ابن ميثم من الواصلين الكبار الى مقامات كثيرة ويظهر ذلك من نفحات والدرر التي يبثها بين الفينة والاخرى مما استفاد من نهج البلاغة ومما وصل وتحقق هو من تلك المنازل والمقامات، في الحقيقة لذلك اخذ جملة من العلماء الاعلام انه قضى وقته في شرح ديوان مثنوي او مولوي، ظاهراً من الامر بينما لو انكب على دراسة نهج البلاغة كما صنع ابن ميثم لأورث باب هذاالعلم اورثه الكثير من الدرر والجواهر التي يعنو بها الباحثون ففي الحقيقة هناك عدة مناهج وصياغات سلوكية بينها امير المؤمنين في جملة من الخطب سواء بتلوينات مختلفة او بأنواع مختلفة ولم يقتصر على منهج واحد، منهج الحب، منهج الملامة للنفس، المناهج العديدة التي تسمع عند الصوفية وعند العرفاء من ثم هم نسبوا انفسهم الى كل هذه السلاسل العرفانية والمدارس نسبت نفسها الى علي بن ابي طالب وتتشرف بالنسبة اليه لما في خطب امير المؤمنين ومناهجه من بيان مدارس ومناهج وطرق ومنظومات وقواعد عديدة مختلفة المسارات الى ان تصل الى الغاية الواحدة المنشودة من تعالي وتكامل النفس ولو شاهد الانسان من باب المثال الفوارق المذكورة في القواعد السلوكية في خطبة المتقين المعروفة التي خطبها لهمام فصعق همام وبين خطبة الوسيلة فهي على درجات يعني تلك القواعد التي بينها عليه السلام بالتالي لو تقام تلك الدراسات السلوكية على ضوء بحث تام لمجموع الخطب وتجميع القواعد المذكورة فيها وذكر الفواصل والمميزات بينها لوقفنا على تراث ضخم ودرر ثرة في هذا المجال، عسى الله ان يقيض الكثير من الباحثين المحققين لشرح تلك المناهج التي بينها امير المتقين، امير المؤمنين، امام الموقنين وسيد الوصيين.
نعود ايها الاعزاء الى العالم الرباني العارف ميثم البحراني، فننقل لكم حكاية من سيرته نقلها مترجموه ملخّصها أنه (رضوان الله عليه) كان في بداية امره معتزلاً المحافل العامة معتكفاً على العبادة والتحقيق العلمي، فبعث له علماء الحلة والعراق - وكانت يومذاك أهم الحوزات العلمية للامامية - بعدة رسائل يعاتبونه على عزلته واجتنابه لهذه المحافل المؤدية الى خمود نار الكمال حسب زعمهم.
فبعث الشيخ ميثم بجواب شعري فيه تنبيه الى آفة الاهتمام بالمظاهر والغفلة عن البواطن وآثار ذلك في حرف السالكين عن الكمال الحقيقي الى الكمالات الوهمية.
طالت المراسلات بين الطرفين ولكن دون أن يقتنعوا بأعذار الشيخ فعمد الشيخ الى تقديم برهان عملي على ما قال فقدم الى العراق وبعد أن زار عتباتها المقدسة لبس ثياباً رثة ودخل احد المحافل العلمية المهمة التي يحضرها بعض من كتبوا اليه طالبين منه القدوم لكنهم لم يعرفوه، وخلال هذا المحفل عرضت إحدى المسائل العلمية الدقيقية وتناقش الحاضرون بشأنها دون الوصول الى نتيجة فتدخّل الشيخ في النقاش فأجاب عن وجه الاشكال فيها بتسع اجابات في غاية المتانة لكن الحاضرين لم يلتفتوا الى دقة اجوبته، ثم قدّم الطعام فلم يكرموه الا بطعام متواضع في أقصى المائدة.
وفي اليوم التالي لبس الشيخ ملابس فاخرة بهية وعمامة كبيرة وجبة ذات أكمام واسعة وحضر المحفل العلمي ذاته فبالغ الحاضرون في تكريمه والاهتمام به ولما بدأ البحث العلمي، تكلم بآراء غير علمية استحسنها الحاضرون متأثرين بظاهره ولما حان موعد الطعام بالغوا في تخيّر الأفضل وتقديمه للشيخ الذي فتح أكمامه الواسعة وخاطبها أن تأكل لأنها هي المعنية بهذا التكريم، ولما استغربوا فعله أخبرهم بهويته وأنه هو نفسه صاحبهم بالأمس ثم بين لهم وهن ما استحسنوه من كلامه اليوم ومتانة اجوبته التي استخفّوا بها أمس.
ونختم اللقاء ببعض الكلمات السلوكية للشيخ ميثم البحراني، نختارها من شرحه القّيم للمائة كلمة من حكم الامام علي (عليه السّلام) قال (رضوان الله عليه): أكمل السعادات وأتمها وأشرف الدرجات وأهمها الوصول الى الواحد الحق والحصول في مقعد الصدق الكمال البهي، إنما هو بتخلية الذات عن المنجسات وتحليقها بأشرف الصفات.
الكمال الذاتي للطالبين إنما هو شروق نور الحق في أسرارهم، الرياضة هي نهي النفس عن هواها وأمرها بطاعة مولاها.