بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والفضل والإنعام، وأشرف الصّلوات على محمّد وآله الكرام. إخوتنا وأعزّتنا الأفاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في الرحاب القرآنية، حيث نقرأ في آفاقها فضائل النبيّ واله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ وهم النور الواحد، والأصل الواحد، والشجرة الواحدة، ومن هنا جاءت آيات الكتاب الحكيم تصدع بفضائلهم ومناقبهم جميعاً، ومنهم مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة ـ سلام ربّنا عليها ـ فهي منهم وهم منها، وما جاء فيها ـ صلوات الله عليهم وعليها. روى العالم الشافعيّ الشيخ إبراهيم الجوينيّ في كتابه (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والحسنين ج ۱ ص ۳٦) أنّ النبيّ الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ قال: "لمّا خلق الله تعالى آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش... فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركعاً، قال آدم: يا ربّ، هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسيّ، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ... آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّةٍ من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري، ولا أبالي! يا آدم، هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل". أجل وقد عرّفهم سبحانه لآدم بقوله: "فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين". ثمّ قال رسول الله ـ صلى الله عليه واله ـ والرواية مازال الجوينيّ الشافعيّ، ينقلها لنا: "نحن سفينة النجاة، من تعلّق بنا نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت".
*******
وهكذا يتّضح لنا – أيها الإخوة الأكارم – أنّ أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ لهم شأن عظيم، ومقام كريم، ومنزلة رفيعة، ومراتب جليلة، منها أن جعلهم الله تبارك وتعالى سبيله إليه، فلا يرضى لأحد من عباده أن يأتيه عن غير طريقهم، وهنا نتساءل: هل تكون الزهراء فاطمة في هذا أحدهم سلام الله عليها وعليهم؟ إنّ من أشهر سور القرآن الكريم سورة الفاتحة، نقرأها يومياً مرّات عديدة، لاسيما في صلواتنا اليومية، ومن أشهر أياتها قوله تعالى تعليماً لنا في صيغة دعاء مبارك شريف: " اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ... ". فماذا قال المفسّرون والمحدّثون ـ يا ترى ـ في ظلّ هذه الكلمات المباركة الشريفة؟ كتب أحد مفسّري المذهب السّنّيّ، وهو أبو إسحاق أحمد بن محّمد بن إبراهيم النّيسابوريّ الثعلبيّ في كتابه (كشف البيان في تفسير القرآن) في ظّل قوله تعالى: "اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ": قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بريدة الصحابيّ يقول: هو صراط محمّد وآله. فيما روى الحسكانيّ الحنفيّ المذهب في كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) بياناً لابن عبّاس يقول فيه حول الآية الكريمة: يقول تعالى: "قولوا _معاشر العباد_" إهدنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته). ثمّ روى الحسكانيّ عن الصحابيّ جابر الأنصاري، قوله: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: "إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمّتي، من اهتدى بهم هدى إلى صراط مستقيم".
*******
وحصيلة ما سمعنا – أيها الإخوة الأحبة – من بيانات حول آية الصراط المستقيم، هو أنّ بنت رسول الله فاطمة ـ عليها وعلى أبيها وبعلها وأبنائها أفضل الصلاة والسلام ـ هي معهم سبيل الخلق إلى مرضاة الله جلّ وعلا، وأنّ محبّتها وولايتها ومودّتها، كلّ ذلك موصل إلى مرضاة الله عزّ وجلّ، لأنّ ذلك من الصراط المستقيم الذي لا صراط غيره مؤدّ إلى الله عزّ شأنه، ومن الصراط الذي أمر المسلمون وأرشدوا إلى أن يدعوا ربّهم تبارك وتعالى كلّ يوم مرّات وكرّات أن يهديهم إليه، ليسلكوا فيه إلى ما يحبّه سبحانه ويرتضيه، وقد عرّفه جلّ وعلا بقوله: "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ"، وفي ظلّه قال بعض المفسّرين أنّ هؤلاء الذين أنعم الله عليهم هم: النبيّ ومن معه، وعليّ وشيعته – كما ذكر الحسكاني الحنفيّ ناقلاً عن زيد بن أسلم، وهل هناك بالنسبة للنبيّ والوصيّ أحد أخصّ من فاطمة، وقد قال فيها أبوها المصطفى ـ صلى الله عليه واله: "فاطمة بضعة منّي"؟!
*******