وناضل كثيراً وجاهد جهاداً مباركاً في نصرة الحق والدفاع عن الشريعة الإسلامية في عصر انعدمت فيه الحرّيات العامة، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) عرضة للتنكيل والانتقام من قبل الحكام العباسيين الذين بذلوا كل امكاناتهم من أجل إضعاف كيان آل الرسول (عليهم السلام). لكن هشاماً الجريء الشجاع لم يهتم بكل ذلك، بل ناظر خصومه وتفوّق عليهم، وقد تحدثت الأندية العلمية عن قوة استدلالية، وبراعة برهانه، الأمر الذي ينم عن مدى حبه لأهل البيت (عليهم السلام)، وهذه باختصار بعض شؤونه وأحواله.
*******
ولادته
ولد بالكوفة، وليس لدينا نص يعين السنة التي ولد فيها.
*******
نشأته
المرجح عند المترجمين أنه نشأ في مدينة واسط وكان يتعاطى التجارة وانتقل أخيراً إلى بغداد فنزل في جانب الكرخ في قصر وضاح، كان من أصحاب الجهم بن صفوان لكنه لما التقى بالإمام الصادق (عليه السلام) وحاوره الإمام فلم يعد يقدر على مفارقته أبداً، ومنذ ذلك الحين أخذ يتلقى العلم والمعارف منه حتى أصبح في طليعة العلماء ومن أفذاذهم.
*******
تخرجه
انقطع هشام إلى الإمام الصادق (عليه السلام) حتى أصبح من أبرز رجال مدرسته، ولما انتقل الإمام الصادق إلى دار الخلود اختص بولده الإمام الكاظم (عليه السلام) وأخذ يتلقى منه العلم والفضل وبذلك يكون قد أخذ العلم من منبعه الصحيح ونال شرف التلمذة عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
*******
رواته
روى عنه جماعة من كبار الرواة الأحاديث التي سمعها من أهل البيت (عليهم السلام) وهم كثر توجد رواياتهم عنه في كتب الفقه والحديث من هؤلاء نذكر: محمد بن أبي عمير، صفوان بن يحيى البجلي الكوفي، النضر بن سويد الصيرفي الكوفي، نشيط بن صالح، يونس بن عبد الرحمن، حماد بن عثمان، علي بن معبد البغدادي ويونس بن يعقوب.
*******
اختصاصه
اختص هشام في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، ومناظراته التي أجراها مع كبار المفكرين تنمّ عن تفوّقه في هذا الفن، قال ابن النديم في ترجمته: كان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، وممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب والنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام.
وقد ناظر هشام الفلاسفة في مختلف الميادين العلمية حتى تفوّق عليهم وكانت نوادي بغداد تعجّ بمناظراته القيّمة التي دلّت على تفوّقه في هذا الفن. ومن مناظراته هذه مناظرته مع عمرو بن عبيد.
طلب الإمام الصادق (عليه السلام) من هشام أن يقصّ عليه مناظرته مع عمرو الزعيم الروحي للمعتزلة، فامتثل هشام لأمر الإمام وأخذ يحدثه بقصته قائلاً له: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، وعظم ذلك عليّ، لأنه كان ينكر الإمامة، ويقول:
مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا وصي، فخرجت إليه ودخلت البصرة فأتيت مسجدها، وإذا أنت بحلقة كبيرة، وإذا أنا بعمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء مؤتزر بها، وشملة أخرى مرتدٍ بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأخرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم ثم قلت له: أيها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي أن أسألك عن مسألة؟
قال: نعم.
فقلت له: ألك عين؟ فما ترى بها؟ ـ أرى بها الألوان والأشخاص.
ثم تابع يسأله... ألك أنف؟ ألك فم؟ ألك إذن؟ ألك يدان؟ ألك رجلان؟ ألك قلب؟
قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح.
فسأله هشام: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟
قال: لا.
قال هشام: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟
فقال عمرو: يا بني، إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو ذاقته، فتؤديه إلى القلب، فيتيقن اليقين، ويبطل الشك. فإنما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟
قال عمرو: نعم.
فقال هشام: فلابدّ من القلب، وإلا لم تستيقن الجوارح؟
قال عمرو: نعم.
وبعدما أخذ هشام من عمرو هذه المقدمات كرّ عليه في إبطال ما ذهب إليه من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات بلا وصي فقال له هشام:
(يا أبا مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح، وينقي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد حيرتك وشكك؟!)
فسكت عمرو ولم يطق جواباً لأن هشام قد سدّ عليه كل نافذة يخرج منها.
وكان له جولات عديدة أخرى ومناظرات مع كبار المفكرين منهم:
ـ يحيى بن خالد البركي: الذي طلب إليه أن يخبره هل يكون الحق في وجهتين مختلفتين؟ فأجابه بلباقة وحنكة.
ـ وله مناظرة مع النظام الذي يسأل: هل أن أهل الجنة غير مخلدين فيها، وأنه لابدّ أن يدركهم الموت؟ فأجابه هشام وانصرف النظام مخذولاً لا يجد برهاناً على ما يذهب إليه.
ـ ومع ضرار الضبي: الذي كان جاحداً للإمامة.
أجابه هشام قائلاً: (الإمام لابدّ له من علم يقيمه الرسول له، فلا يسهى، ولا يغلط، ولا يحيف، معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج إليه ولا يحتاج إلى أحد).
فسكت ضرار أمام هذا المنطق المدعم بالدليل العقلي.
هذه بعض مناظرات لهذا العالم الكبير الذي فتق بها مباحث الفلسفة الكلامية، وبقيت من بعده مدداً مفيداً لكل من أراد الخوض في مثل هذه البحوث. وقد بقي جماعة يناظرون على مبادئه حتى في عصور متأخرة. نذكر منهم: أبا عيسى محمد بن هارون الوراق، وأحمد بن الحسين الراوندي وغيرهما... وقد وضع هذا الأخير كتابه: (فضيحة المعتزلة) هاجم فيه الآراء الاعتزالية ورجالها مهاجمة شديدة، معتمداً في كثير منها على آراء هشام. كما يظهر تأثيره من كتابه الذي وضعه في حدوث العلم، ونجد أثر ذلك في دفاع المعتزلة أنفسهم الذين عنوا بردها ونقضها ومنهم بشر بن المعتمر من أفضل علماء المعتزلة، فقد وضع كتاباً في الرد على هشام بن الحكم.
*******
وفاته
مؤامرة من يحيى بن خالد البرمكي حيث جمع المتكلمين واختفى هارون وراء الستر ولا يعلم بذلك هشام. ثم جرت بينه وبين الفلاسفة مناظرة: حول الإمامة، وأخيراً وبعد حوار طويل بينه وبينهم صرح هشام بأن الإمام إذا أمره بحمل السيف أذعن بقوله ولبى طلبه. ولما سمع الرشيد بذلك تغيرت حاله واستولى عليه الغضب، فأمر بإلقاء القبض على هشام وعلى أصحابه، وعلم بما ضمر له من الشر، فهام على وجهه فزعاً مرعوباً حتى انتهى إلى الكوفة، فاعتلّ فيها ومات في دار ابن شراف.
*******
مؤلفاته
كان هشام خصب الإنتاج ألف في مختلف الفنون والعلوم وبرز الجميع بها، لكن إن أغلب تراثه العلمي لم يعثر عليه سوى اليسير، وهذه بعض عناوينها:
۱) كتاب الإمامة.
۲) كتاب الدلالات على حدوث الأشياء.
۳) كتاب الرد على الزنادقة.
٤) كتاب على أصحاب الاثنين.
٥) كتاب التوحيد.
٦) كتاب الرد على هشام الجواليقي.
۷) كتاب الرد على أصحاب الطبائع.
۸) كتاب الشيخ والغلام.
۹) كتاب التدبير.
۱۰) كتاب الميزان.
۱۱) كتاب الميدان.
۱۲) كتاب الرد على من قال بإمامة المفضول.
۱۳) كتاب اختلاف الناس في الإمامة.
۱٤) كتاب الوصية والرد على من أنكرها.
۱٥) كتاب الجبر والقدر.
۱٦) كتاب الحكمين.
۱۷) كتاب الرد على المعتزلة في طلحة والزبير.
۱۸) كتاب القدر.
۱۹) كتاب الألفاظ.
۲۰) كتاب المعرفة.
۲۱) كتاب الاستطاعة.
۲۲) كتاب الثمانية أبواب.
۲۳) كتاب الرد على بعض الأصحاب.
۲٤) كتاب الأخبار كيف تفتح.
۲٥) كتاب الرد على أرسطاليس في التوحيد.
۲٦) كتاب الرد على المعتزلة.
۲۷) كتاب المجالس في الإمامة.
۲۸) كتاب علل التحريم
۲۹) كتاب الرد على القدرية. وقد اطلع عليه الإمام موسى (عليه السلام) فقال: (ما ترك شيئاً).
۳۰) كتاب الفرائض.
وهذه المجموعة الضخمة من المؤلفات في شتى المواضيع تدل على ثروة هشام بن الحكم العلمية وعلى سعة إطلاعه وعمق ثقافته. ويكفي مناظراته القيّمة التي خاضها مع علماء الأديان والمذاهب وكبار الفلاسفة.
*******
المصدر: موقع www.۱٤masom.com.