ظهر رستم كبطل محارب يحمي ذمار ايران في عهد الملك كَيْقُباد اول ملوك الاسرة الكيانية - كما يقرر ذلك الفردوسي في ملحمته- وفي اول موقعة خاضها بارز افراسياب البطل التوراني، وهجم عليه، واخذ بمعاقد منطقته، واقتلعه من سرجه، ورماه ارضاً واوشك ان يقضي عليه لولا تدخل اصحابه لحمايته.
ثم ولّى الطوارنيون منهزمين امام الايرانيين، وارسلوا في طلب الصلح، وقد كانت نجاة افراسياب من يد رستم في هذه الموقعة، وفراره سبباً في حروب طويلة بين الطورانيين والايرانيين.
وقد كافأ الملك كيقباد رستم بان ولاه ممالك زابلستان الى بحر السند، وكانت اكثر وقائع رستم واهم حروبه في عهد الملك (كيكاوس) خليفة كيقباد واكبر ابنائه.
وقد عُرف هذا الملك - على ما تذكر الشاهنامة- بالتسرع والطيش، حيث اقدم على فتح مازندران بلاد السحر والجن والسعالي والجَمال، برغم نصيحة رستم، وبقية الملوك والامراء له بالعدول عن ذلك، فوقع هو وجنوده - كما تذكر الاسطورة- في اسر الجن، كما اصيب هو بالعمى.
وخفّ رستم الى نجدته، وكان امامه الى مازندران طريقاه، طريق مأنوس بعيد الشقّة، وطريق يستغرق طعه اسبوعين الا انه ملئ بالمخاطر.
وتذكر الاسطورة انه اجتاز فيه سبع مراحل، مرّ فيها بسبع عقبات، وقد عُرف هذا الطريق في الشاهنامة باسم (هفتخوان رستم).
ويذكر الفردوسي في ملحمته ان رستم نام في المرحلة الاولى من هذا الطريق بعد ان شوى حماراً وحشياً واتى عليه عن آخره، فخرج عليه اسد وهو نائم، فقتله حصانه المسمّى (الرخش).
وفي المرحلة الثانية كاد يهلك عطشاً ولكن غزالة دلّته على عين ماء ثرّة، فشرب، وخرج عليه في المرحلة الثالثة ثعبان هائل اثناء نومه فأيقظه رخش، فقام وقاتله وكاد الثعبان يغلبه لولا ان خفّ الجواد لنجدته فقتلا الثعبان.
وفي المرحلة الرابعة قتل امرأة ساحرة، وفي الخامسة اعترضه ملك اسمه (اولاذ)، فقتل رستم اصحابه وأسره وطلب منه ان يرشده الى مقرّ (سفيد ديو) ملك الجن، ومقر الملك كيكاوس، وابطال الايرانيين المأسورين بمازندران، مقابل تأمينه على حياته، وتوليته مازندران اذا تمت الغلبة للايرانيين.
فأجابه اولاذ الى كل ما سأله، واخبره بان بينه وبين كيكاوس مائة فرسخ، ومن مقرّ كيكاوس الى ملك الجن مائة فرسخ اخرى، ووصف له البلاد وما فيها.
وفي المرحلة السادسة قتل رستم احد قادة الجنّ، وفي المرحلة السابعة والاخرة اقتحم غار ملك الجن، وقتله واخرج كبده، وكحّل عيني كيكاوس بدمه، فارتدّ اليه بصره.
وما فرغ رستم من امر الجن، وانقذ الملك واصحابه حتى تهيأ الجميع لحرب ملك مازندران، ولكنهم رأوا ان يُراسلوه اولاً يطلبون اليه الخضوع والتسليم والجزية، واوفد كيكاوس اليه رستم.
وفي هذه السفارة تعرض علينا الملحمة فنوناً من بطولته بشكل اسطوري، منها انه اقتلع شجرة ضخمة، ورفعها بيده كما يُشْرَع الرمح، وانه عصر يد اكبر ابطال مازندران حتى سقطت اظفاره.
ورغم ذلك ابى ملك مازندان الا الحرب، وقد ابدى رستم في هذه الحرب ما أذهل العقول، وانتهى الامر بانتصار الايرانيين، وقتل ملك مازندران الساحر، واتباعه من السحرة، وتولية اولاذ على هذه البلاد كما وعده رستم بذلك.
وتتصل حياة رستم - كما تعرضها لنا الشاهنامة- بحياة بطل آخر من صلبه هو ولده (سهراب)، وينتهي هذا الاتصال بفاجعة اليمة، يقاتل فيها الاب ابنه، ويقتله، وهو لايدري انه يقتل ولده.
وبيان ذلك، ان رستم خرج للصيد مرة، ونام تاركاً حصانه رخش يرعى، فمرّت جماعة من التتر، واستاقوا الرخش، ولما قام من نومه بحث عن جواده، وتتبع آثاره حتى انتهى الى مدينة (سمنجان).
فاحتفى به ملكها، ووعده بردّ حصانه اليه، وضيّفه ليله، تزوج فيها من ابنة ملك سمنجان وكانت بارعة الحسن والجمال، فلما اصبح اعطاها خرزة، واوصاها اذا وضعت انثى ان تربطها في قرونها، واذا وضعت ذكراً تشدّها على عضده، وعاد برخشه الى ارض ايران.
وعرف الصبيّ من امّه قصة ابيه، وظهر شأنه، والتّف حوله الاجناد، واستماله افراسياب متودداً اليه ليستظهر به، واحاطه ببطانة تحول بينه وبين معرفة شخص ابيه اذا ما التقى الطوارنيون الايرانيين في قتال.
وفي احدى المعارك يتصارع رستم وسهراب، وكلاهما يجعل من امر صاحبه كل شيء، ولم يطق رستم التغلّب على سهراب الا بالحيلة، ولم يعرف انه ابنه الاّ بعد ان اجهز عليه، فوسّده التراب، واقام له تربة من حوافر الخيل، وكانت مأساة من اروع ما سجلت القصص.
يعتبر اسفنديار كما يظهر لنا في الشاهنامة الفردوسي البطل الثاني بعد رستم، وقد تحدث عنه الفردوسي في قصة مشابهة لقصة ابيه، واجتيازه طريق هفتخوان -اي العقبات السبع- لفتح احدى القلاع، وقتله الذئب في المرحلة الاولى من هذا الطريق، والاسد في المرحلة الثانية، والتنين في الثالثة، والساحرة في الرابعة، والعنقاء في المرحلة الخامسة، وعبوره الجليد في المرحلة السادسة، وخوضه النهر وقتله احد الملوك في المرحلة السابعة والاخيرة.
وتنتهي حياة رستم بعده بقليل بسقوطه هو ورخشه في حفيرة مغطاة حفرها في طريقه ملك كابل متآمراً مع شغاد اخي رستم، الا ان رستم وهو يعاني سكرات الموت في تلك الحفيرة يرمي اخاه الخائن بسهم يُصميه، ويسمّره في جذع شجرة ويبلغ الخبر الاب، فينتقم لابنه بقتل ملك كابل، وبقتل افراسياب، واسنفديار ينتهي عصر البطولة الحقيقية في الشاهنامة.
*******