حتى بعد استشهاده الفجيع في كربلاء.. ظلوا يخشونه، ويخشون مزاره! فالحسين نور أبديّ لا يطفأ ؛ لأنه من نور الله عزّ وجلّ.. ويأبى الله لنوره إلا ّ أن يُتمِّه، ولو كره الكارهون.
من هنا كانت زيارة سيّد الشهداء صلوات الله عليه تجري في ازمنة العتوّ والبغي المعلن.. في استتار وخفاء.
عن محمد بن مسلم (في حديث طويل )، قال:
قال لي أبو جعفر محمد بن علي (الباقر) عليه السلام: هل تأتي قبر الحسين عليه السلام؟
قلت: نعم، على خوف ووجل.
فقال لي: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف. ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربِّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي(ص) ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، واتبع رضوان.
يا عين .. لا للغضا ولا الكثب ِ
بُكا الرزايا سوى بُكا الطربِ
جودي وجدّي بملء جفنك ثمّ
احتفلي بالدموع وانسكبي
يا عينُ .. في كربلا مقابر قد
تركن قلبي مقابر الكُرَب
مقابر تحتها منابر من
علم ٍ وحلم ٍ ومنظر ٍ عجب ِ
من البهاليل آل فاطمة ٍ
أهل المعالي والسادة النجبِ
كم شرقت منهم السيوف، وكم
رُوِّيت الارض من دم ٍ سربِ!
نفسي فداء لكم، ومن لكم
نفسي وأمي واسرتي وأبي
لا تبعدوا بني النبي، على
أن قد بُعدتم، والدهر ذو نوب ِ
يا نفسُ، لاتسأمي ولاتضقي
وارسي على الخطب رسوة الهضب
صوني شعاع الضمير، واستشعري
الصبر وحُسن العزاء، واحتسبي
فالخلق في الارض يعجلون
ومولاك ِ على توأدٍ ومُرتقب ِ
لابدّ أن يُحشر القتيل، وأن
يُسأل ذو قتله عن السبب!
فالويل والنار والثبور لمن
قد أسلموه للجمر واللهب ِ
يا صفوة الله في خلائقه
وأكرم الاعجمين والعرب ِ
انتم بدور الهدى وأنجمه
ودوحة المكرمات والحسب ِ
وساسة الحوض يوم لا نَهَل
لمُورديكم موارد العطب ِ
فكرتُ فيكم وفي المصاب، فما
اٌنفكَّ فؤادي يعوم في عجب ِ
ما زلتم في الحياة بينهم
بين قتيل وبين مُستلب ِ
ولديك الجنّ الحمصي أيضا ً هذه اللوعة الحسينية الشجية:
أصبحت مُلقى في الفراش سقيما
أجدُ النسيم ـ من السَّقام ـ سموما
ماء من العبرات حرّى أرضُهُ
لو كان من مطر ٍ .. لكان هزيما
وبلابل لو أنهنَّ مآكل
لم تُخطئ الغِسلين والزقُّوما
وكرىً يُروعني سرى، لو أنهُ
ظلّ ... لكان الحرَّ واليحموما
مرّت بقلبي ذكريات بني الهدى
فنسيت منها الرَّوحَ والتهويما
ونظرتُ سبط محمد في كربلا
فردا ً يُعاني حُزنه المكظوما
فالجسم أضحى في الصعيد موزَّعا ً
والرأس أمسى في الصعاد كريما