إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكل أمانينا القلبيّة نبعثها لحضراتكم ونحن نجدّد اللقاء بكم عبر جولة أخري نصطحبكم من خلالها بين أروقة الصروح العلميّة في إيران الإسلام والمتمثّلة في الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية المنتشرة في أنحاء البلاد ، حيث سنتوقّف في جولتنا لهذا الأسبوع عند واحدة من أعرق الجامعات الإيرانية ألا وهي جامعة الشهيد بهشتي ، ندعوكم لمتابعتنـــا ...
مستمعينا الأكارم !
في أواخر الستينات من القرن الماضي وتزامناً مع انتشار المؤسسات العلمية – التعليمية في إيران ، افتُتحت في واحدة من أجمل مناطق طهران الجامعة الوطنيّة التي عرفت فيما بعد باسم جامعة الشهيد بهشتي .
وتعود فكرة تأسيس الجامعة الوطنيّة الإيرانية إلي عام ۱۹۱۱ استناداً إلي الوثائق المتوفّرة ، وذلك حينما ظهرت الحاجة إلي إنشاء مركز علمي رسمي لتعليم وتربية كوادر متخصصة في المجتمع الإيراني ، بعد إنشاء دار الفنون و انتشار المدارس ودخول الأفكار الجديدة في إيران ، واستناداً إلي الوثيقة التي يتم الاحتفاظ بها في مؤسسة الوثائق الوطنية ، فقد منحت وزارة المعارف آنذاك ولأول مرة في العام ۱۹۱٥ امتياز تأسيس الجامعة الوطنية إلي إدارة الحاج مير سيّد علي تحت عنوان الجامعة الوطنية .
ونظراً إلي السياسات شبه العصرية للحكومة البهلوية آنذاك ، فقد وُضِع علي جدول الأعمال تأسيسُ مؤسسات شبيهة بالمؤسسات الحديثة والعصريّة . وكان تأسيس الجامعات في هذا الإطار يتمتّع بأولوية خاصة وأصبح تأسيس جامعة طهران في ۱۹۳٤ في غضون ذلك ، بدايةَ حركة باتجاه تأسيس الجامعات الأخري في جميع أنحاء إيران . بحيث إننا نلحظ خلال أقل من عقدين أو ثلاثة عقود تأسيسَ الجامعات العديدة ونموّها اللافت في جميع أرجاء إيران . ولكن تأسيس الجامعة الوطنية في مدينة طهران ، تأخّر لعدّة سنوات بسبب معارضات تفيد بأن جامعة طهران لم تكمل بعد وأن هذه الجامعة يجب أن تترقّي وتتكامل بدلاً من تأسيس جامعة غير حكوميّة .
وأخيراً قدّم الدكتور علي شيخ الإسلام في سنة ۱۹٥٤ مقترحَ تأسيس الجامعة الوطنيّة باعتبارها حلّاً للحيلولة دون خروج الشباب الإيرانيين من البلاد للدراسة حيث تمّت الموافقة عليه .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وبعد الموافقة علي مقترح تأسيس الجامعة الوطنية ، كُلّف الدكتور شيخ الإسلام بأن يقوم بدراسة حول الجامعات غير الحكومية في أوروبا وأمريكا . وقد عاد الدكتور شيخ الإسلام إلي إيران بعد نهاية دراسته وتحقيقاته عام ۱۹٥۹ وافتتح في العام ذاته أمانة الجامعة الوطنية بشكل غير رسمي في مركز طهران . وكان عمل الأمانة التمهيدَ لتأسيس الجامعة وكذلك إعداد المعلومات المتعلّقة بخلفية الخرّيجين العاطلين عن العمل الذي كانوا قد درسوا في أوروبا وأميركا .
وقد كان استلام رسوم الدراسة من الطلاب يشكّل أهم موارد تأمين نفقات هذه الجامعة خلال السنوات الأولي من تأسيسها ، رغم أن الحكومة كانت تتكفّل بدفع مبالغ كمساعدات لها . و استطاع الدكتور شيخ الإسلام الذي كان المؤسس للجامعة الوطنيّة أن يجتذب بشكل تدريجي الأشخاص الذين كانوا قد درسوا في أمريكا . وكان أعضاء الهيئة التدريسية لهذه الجامعة من خرّيجي الجامعات الأمريكية في غالبيّتهم ، وكان شيخ الإسلام يسعي لأن يجذب قسماً من النخب الإيرانية التي كانت من الطبقة المتوسطة في المجتمع نحو الجامعة . ولم تكن الجامعة الوطنية من بين الأوليات الرئيسة للمتقدمين للدراسة الجامعية بسبب تلك القضايا وبسبب حداثة الجامعة و كذلك استلام رسوم الدراسة .
وفي خلال الستينات والسبعينات اتسع مبني الجامعة و تم افتتاح العديد من الكليات في هذه الجامعة و انشغل بعض الطلاب بالدراسة فيها في الفروع المختلفة . وكان التطوّر الأهم في الجامعة الوطنيّة عام ۱۹۷٥ حينما أقدمت الحكومة علي تخصيص الميزانية الحكومية للمؤسسات التعليمة الخصوصية و جعلها مجانية . وهو ما أدي إلي أن يخرج النسيجُ الطلّابي للجامعة الوطنية من انحصار الطبقة المرفّهة و أن يدخل الطلاب من الطبقات المختلفة هذه الجامعةَ عن طريق امتحانات البكالوريا (الوزارية )في أرجاء البلاد وأن تتحوّل هذه الجامعة بذلك إلي جامعة عامة كسائر الجامعات .
أحبّتنا المستمعين !
وبعد انتصار الثورة الإسلامية ، تحوّلت الجامعة الوطنيّة التي كانت تعدّ جامعة أهلية إلي جامعة حكومية بموجب القرار الذي صادقت عليه لجنة الثورة سنة ۱۹۷۹ وقامت لجنة الثورة الثقافية آنذاك في عام ۱۹۸۳ بتغيير اسم هذه الجامعة أي الجامعة الوطنيّة إلي جامعة الشهيد بهشتي تقديراً للخدمات القيّمة التي قدّمتها هذه الشخصية العلمائيّة في طريق ثورة إيران الإسلامية و الثقافة العامة في البلاد .
وفي سنة ۱۹۸٥ واستناداً إلي قرار حكومة الجمهورية الإسلامية القاضي بتأسيس وزارة الصحة ، والعلاج و التعليم الطبّي ، انفصلت المراكز العلاجية وكليتي الطب والخدمات الصحية عن هذه الجامعة و بدأت نشاطها من خلال دمج بعض من المراكز التعليمية الأخري وتحت اسم جامعة الشهيد بهشتي للعلوم الطبية .
وتضم جامعة الشهيد بهشتي الآن وبعد مضيّ السنة السادسة والخمسين علي بدء نشاطها ، أكثر من ۸۰۰ عضو في الهيئة التدريسية حيث تحتل المرتبة الثانية في إيران من هذه الناحية . كما تشتمل هذه الجامعة علي ۱۹ كلية ناشطة وتعدّ جامعة من الطراز الأول من حيث طبيعة الفروع في الأقسام التعليمية المختلفة في مجال العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية والعلوم الأساسية والتقنية والهندسيّة ، حيث تعتبر من جملة الجامعات القلائل التي تستقبل الطلبة في جميع الأقسام التعليمية . كما أن مركزيّة جامعة الشهيد بهشتي تعتبر من المزايا البارزة الأخري حيث تقع في إحدي أفضل مناطق العاصمة طهران من حيث جمال الطبيعة وتبلغ مساحتها حوالي سبعين كيلومتراً ، وتضم مجموعة الكليات ، ومراكز البحوث والدراسات والأقسام الداخلية والمباني الإدارية ممّا أدّي إلي تسهيل سير شؤون التعليم والتسجيل للطلّاب.
وتحوي جامعة الشهيد بهشتي اليوم سبعة وخمسين مبني رئيساً و تسع عشرة كلية و عشرة معاهد للدراسات وتسعة مراكز بحثية حيث تقسّم علي أساس طبيعتها إلي قسمين هما قسم كليات العلوم التطبيقية و كليات العلوم الإنسانيّة . كما تضمّ هذه الجامعة مختبراً مركزياً متطوّراً حيث يشتمل علي أحدث المجاهر الألكترونية التي تعمل بالمسح الضوئي و التجهيزات المتطوّرة الأخري للتحليل المختبري . وفضلاً عن ذلك تعتبر جامعة الشهيد بهشتي أول جامعة تضم مختبراً خاصاً بعلم الجواهر ومجهّزاً بتجهيزات وتكنولوجيا متطوّرة ومنها الحصول علي تكنولوجيا أشعة الليزر .
ويزدان تاريخ جامعة الشهيد بهشتي بالكثير من المفاخر علي الصعيدين الداخلي والدولي ومنها نيل المرتبة الرابعة والثمانين بعد الخمسمائة بين المرجعيّات العلمية حسب نظام التصنيف المعتمد لدي مؤسسة لايدن عام ۲۰۱٥ وكذلك انخراطها في عداد المؤسسات ذات الإنتاج العلمي الأفضل والبالغة نسبتها ۱۰ % ( بمستوي نمو يبلغ ۸٤ درجة في السنة ) .
مستمعينا الأطايب !
في ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج صروح حضاريةلا يسعنا إلّا أن نقدّم لحضراتكم جزيل شكرنا وتقديرنا علي كرم متابعتكم لنا ، وحتّي نعاود اللقاء بكم في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله عند صرح حضاري آخر ، تقبلوا منّا أطيب الأماني ، وإلي الملتقي.