نسبه
هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي القحطاني، أبو اليقظان، حليف بني مخزوم. أحد السابقين في الإسلام والجهر به. صحابي من الولاة الشجعان ذوي الرأي. أسلم هو وأبوه ياسر وأمه سمية، فذاقوا العذاب من حلفائهم بني مخزوم، ومات أبوه في العذاب، وطعن أبو جهل أمه بحربة فقتلها حين كانت تعذب، وهي أول شهيدة في الإسلام. هاجر إلى الحبشة وعاد إلى المدينة وأبلى بلاء حسنا في وقعة بدر ووقعة الخندق وغيرها. ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة ثم عزله عنها، حارب مع علي بن أبي طالب في صفين وقتل في معركتها، وكان عمره ۹٤ سنة.
*******
إسلامه
أسلم قديما وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجعوا عن دينهم. أحرقه المشركون بالنار وشهد بدرا ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره وشهد أحد والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسماه الطيب المطيب.
*******
صفاته
عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يمر به ويمرر يده على رأسه ويقول: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم عليه السلام. وعن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار وعمار وأمه وهم يعذبون.
فقال ياسر: الدهر هكذا.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اصبر اللهم أغفر لآل ياسر.
قال: وقد فعلت. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ما وراءك؟ قال شر يا رسول الله، ما تركت، حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكيف تجد قلبك؟
قال: أجد قلبي مطمئنا بالإيمان.
قال: فان عادوا فعد. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: إن عمار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه.
وعن علي قال: جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: ائذنوا له، مرحبا بالطيب المطيب.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح. وعن خالد بن سمير قال كان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة.
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟
قالوا: لا.
قال فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار ابن ياسر أنه قال: وهو يسر إلى صفين إلى جنب الفرات: اللهم لو علم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت، ولو اعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك.
*******
قتال الإنس والجن
قال عمّار بن ياسر: (قد قاتلت مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الإنس والجن).
فقيل له: ما هذا؟ قاتلت الإنس فكيف قاتلت الجنَّ؟
قال: (نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) منزلاً فأخذتُ قِرْبَتي، ودَلْوي لأستقي، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (أما أنه سيأتيكَ آتٍ يمنَعُكَ مِنَ الماء) فلمّا كنتُ على رأس البئر إذا رجلٌ أسودٌ كأنه مَرَسٌ فقال: (لا والله لا تستقي منها ذَنوباً واحداً) فأخذته فصرعتَهُ، ثم أخذتُ حجراً فكسـرتُ به أنفه ووجهـهُ، ثم ملأتُ قِرْبَتـي فأتيتُ بها رسـول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: هل أتاك على الماء من أحد؟
فقلتُ: عبدٌ أسودٌ.
فقال: ما صنعت به؟
فأخبرته فقال: أتَدْري مَنْ هو؟
قلتُ: لا.
قال: ذاك الشيطان، جاء يمنعُكَ من الماء.
*******
حب الرسول لعمّار
استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة، وأخذ عمار مكانه عاليا بين المسلمين، وكان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يحبه حبا عظيما، يقول عنه (صلى الله عليه واله وسلم) (إن عمّارا مُلِىء إيمانا إلى مُشاشه - تحت عظامه-) وحين كان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأصحابه يبنون المسجد بالمدينة إثر نزولهم، إرتجز علي بن أبي طالب أنشودة راح يرددها ويرددها المسلمون معه، وأخذ عمار يرددها ويرفع صوته، وظن بعض أصحابه أن عمارا يعرض به، فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وقال: (ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، إن عمّارا جِلْدَة ما بين عيني وأنفي).
وعن أبي سعيد قال: كنّا نحملُ في بناء المسجد لبنةً لبنةً، وعمار يحمل لبنتَين لبنتَين، فرآهُ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فجعل ينفُض التراب عنه ويقول: (ويْحَ عمّار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار).
وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال الرسول: (من عادى عمّارا عاداه الله، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله) فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح كما قال - عليه أفضل الصلاة والسلام-: (اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال).
*******
ولاية الكوفة
لفضائله (عليه السلام) سارع عمر بن الخطاب واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال، وكتب الى أهلها مبشرا: (إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا، وابن مسعود مُعَلما ووزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر) يقول ابن أبي الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة: (رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر الكوفة يشتري من قِثائها، ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها الى داره) كما ناداه أحد العامة يوما: (يا أجدع الأذن) فيجيبه الأمير: (خَيْر أذنيّ سببت، لقد أصيبت في سبيل الله).
*******
وفاته
حمل الإمام علي عماراً فوق صدره الى حيث صلى عليه والمسلمـون معه، ثم دفنه في ثيابه، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون، فقبل قليـل كان يغـرد: (اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه)... وتذكروا قول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): (اشتاقت الجنة لعمّار).
وقد قال عليّاً (عليه السلام) حين قُتِلَ عمّار: (إنّ امْرأً من المسلمين لم يَعْظُمْ عليه قتلُ ابن ياسر وتدخلُ به عليه المصيبةُ الموجعةُ لغيرُ رشيد، رحِمَ الله عمّاراً يوم أسلمَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم قُتِلَ، ورحِمَ الله عمّاراً يوم يُبْعث حيّاً، لقد رأيتُ عمّاراً وما يُذْكَرُ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أربعةٌ إلا كان رابعاً ولا خمسةٌ إلا كان خامِساً، وما كان أحدٌ من قدماء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يشكُّ أن عمّاراً قد وجَبَتْ لهُ الجنّة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئاً لعمّار بالجنّة، ولقد قيل: إنّ عمّاراً مع الحقِّ والحقُّ معه، يدور عمّارٌ مع الحقّ أينما دار، وقاتِلُ عمّار في النّار).
وعن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة وإنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاص معه الراية فقال: إن هذه الراية قد قاتلتها مع الرسول صلى الله عليه واله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن صاحبنا على الحق وأنهم على الضلالة. وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب فأني بقدح من لبن فشرب منه ثم قال: صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه، إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: إن آخر شئ يرويه من الدنيا صبحة لبن ثم قال: والله لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل. قال أهل السير قتل عمار بصفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قتله أبو الغادية. ودفن في سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقبل أربع وتسعين سنة.