في ذكر مصاب أهل البيت عليهم السلام، يقول الامام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه:
من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتُكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك ِ عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا ً يُحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
حوادث عاشوراء المفجعة تجلت فيها ملامح من بأس سيد الشهداء وأهل بيته وأنصاره الكرام. وكانت الملامح البطولية التي صنعها أخوه وسنده العباس بن أمير المؤمنين(ع) ملاحم علوية محيّرة شهامة ً ومعرفة ً ودفاعا ً عن الحق.
يكفي أن تقول: (إنه العباس) سلام الله عليه لتتداعى كل معاني الاخوّة الصافية الفريدة والوفاء الذي لا نظير له والشجاعة المتفرّدة في يوم قلَّ ناصره وكَثُر واتره.
يحكي السيد جعفر الحلي من القرن الرابع عشر مشاهد فذة على سبيل التصوير الشعري:
طمعت أمية ُ، حين قلّ عديدهم
لطليقهم في الفتح أن يستسلموا
حتى اذا اشتبك النَّزال وصرّحت
صيد الرجال بما تُكنُّ وتكتِم ُ
وقع العذاب على جيوش أميّة ٍ
من باسل هو في الوقائع مُعلم ُ
عبست وجوه القوم خوف الموت والـ
عباس فيهم ضاحك متبسّمُ
قلب اليمين على الشمال، وغاص في الـ
أوساط يحصد في الرؤوس ويحطمُ
وثنا أبو الفضل الفوارس نُكَّصا ً
فرأوا اشدَّ ثباتهم: أن يُهزموا
بطلُ تورَّث من ابيه شجاعة ً
فيها أنوف بني الضلالة تُرغم ُ
أو تشتكي العطش الفواطم عنده
وبصدر صَعدَته الفرات المفعم ُ؟!
لو سد ذي القرنين دون وروده
نسفته ُ همّته بما هو أعظم ُ
في كفه اليُسرى السِّقاء يُقله ُ
وبكفه اليمنى الحسام المخذم ُ
قسما ً بصارمه الصقيل، وأنني
في غير صاعقة السما لا أقسمُ
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه ِ
والله يقضي ما يشاء ويَحكم ُ
حسمت يديه المرهفات ُ، وانّه
وحُسامه من حدّهنَّ لأحسَم ُ
وهوى بجنب العلقمي، فليتهُ
للشاربين به يُداف العلقم ُ
ويستكمل الشاعر الصورة، إذ يحضر الحسين(ع) أخاه العباس وهو يجود بنفسه الطاهرة:
فمشى لمصرعه الحسين، وطرفُه
بين الخيام وبينه متقسّمُ
ألفاه محجوب الجمال، كأنّه
بدر بمنحطم الوشيج مُلثم
فأكب محنيا ً عليه، ودمعهُ
صبغ البسيط، كأنما هوعَندَمُ
قد رام يلثمه ُ، فلم يرَ موضعا ً
لم يُدمه عضُّ السلاح فيُلثمُ
نادى وقد ملأ البوادي صيحة ً
صُمُّ الصخور لهو لها تتألم ُ:
أأ ُخيَّ يهنيك النعيمُ، ولم أخَلْ
ترضى بأن أ ُرزى وأنت مُنعَّمُ
أأ ُخيَّ من يحمي بنات محمد ٍ
إن صرن يسترحمنَ من لا يرحَمُ؟!
لسواك يُلطمُ بالأكفِّ، وهذه
بيضُ الظبالك في جبيني تلطم ُ
هوّنت يا ابن ابي مصارع فِتيَتي
والجرُحُ يُسْكنهُ الذي هو آلمُ