السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات.
لكم منا خالص التحيات الإيمانية نهديها لكم في مطلع الحلقة العاشرة من حلقات هذا البرنامج. وفيها نتابع رحلتنا المعنوية مع سبايا آل الحسين – صلوات الله عليه – وهم يساقون أسارى الى الطاغية يزيد الفسق والفجور بعد واقعة كربلاء. ونتابع هذا الركب المقدس وهو يصل الى مدينة الموصل عبر أطول الطرق الموصلة الى الشام يومذاك..
فنراجع المصادر التأريخية لنجدها تتحدث عن ثلاثة من شهداء السبي قضوا نحبهم عند وصول الركب في هذه المدينة وخلد الله مراقدهم رغم كل مساعي الطواغيت لإخفائهما، إنهم:
علي الأصغر والمحسن ويحيى من أحفاد الإمام الحسن المجتبى – صلوات الله عليه وعليهما –.
مستمعينا الأفاضل؛ من المعالم البارزة لمظلومية أهل بيت النبوة وسعي أعداء الله لتصفيتهم إمحاءً لذكر جدهم المصطفى – صلى الله عليه وآله – هو استهداف الذرية المحمدية حتى وهم في الأرحام الطاهرة، وهذا ما بدأوه بعد رحيل نبي الرحمة – صلى الله عليه وآله – حيث أسقطوا سبطه المحسن الشهيد ابن علي وفاطمة – عليهما السلام – في هجومهم على بيت الزهراء – صلوات الله عليها – .
وقد اجتهد أشياع آل أبي سفيان في تحقيق هذا الهدف وبصورة أوسع في فاجعة يوم عاشوراء والهجوم على المخيم الحسيني وما بعده من وقائع رحلة السبي المؤلمة وستأتي الشواهد التأريخية على ذلك ضمن حديث ضيف البرنامج.
من هنا كان من شهداء السبي عدة من الذرية المحمدية الذين قضوا نحبهم قبل أن يولدوا في هذا العالم، ومنهم أحفاد الحسن المجتبى – عليه السلام – وقد شيدت لهم مشاهد منذ القرون الهجرية الأولى في مدينة الموصل.
وقد وردت الإشارة الى مشهد الأول منهم، في كتاب الإشارات في معرفة الزيارات لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفى سنة (٦۱۱) للهجرة؛ فقد قال في الصفحة (٦۳) من الطبعة التي حققها الدكتور علي عمر الأستاذ بجامعتي المنيا وجامعة الإمام بالرياض، ما نصه:
">وبالموصل مشهد رأس الحسين – رضي الله عنه – كان به لما عبروا بالسبي، ومشهد الطرح.
والطرح يعني السقط الذي يسقط من رحم أمه، وواضح أن هذا السقط الشهيد سقط متكاملاً بحيث أقيم له مشهد كان معروفاً منذ قرون على الأقل قبل القرن السادس وهو تأريخ زيارة أبي الحسن الهروي لمدينة الموصل.
أيها الأفاضل، الشيخ الهروي لم يسم هذا السقط الشهيد إما لمشهوديته بين الناس أو خشية من أذى الساعين لكتمان مظلومية شهداء السبي كما ألمحنا لذلك في حلقات سابقة، لكن الواضح من عبارته أن مشهده المقدس مستقل عن مشهد رأس الحسين – عليه السلام –.
والراجح أنه قريب منه لأن الرأس الشريف كان ينصبه حراس ركب السابيا المحمديين – عليه السلام – على مقربة من محل نزول السبايا، وقد صرحت المصادر التأريخية بأن مشهد الرأس الشريف يقع على تل يقع على مشارف مدينة الموصل، جاء في كتاب روضة الشهداء وكتاب نفس المهموم وكتاب الموصل في العهد الأتابكي وغيرها ما ملخصه:
إن ركب السبايا أنزل ظاهر البلد عند دير النصارى فوضعوا الرأس الشريف على صخرة فقطرت عليها قطرة من الرأس المكرم فصارت تنبع ويغلي منها الدم كل عام في يوم عاشوراء وكان الناس يجتمعون حولها ويقيمون العزاء وبقي هذا الأمر الى أيام عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر، فلم ير بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على المقام قبة سموها مشهد النقطة.
وهذا الوصف ينطبق بالكامل مع المشهد المعروف عبر الأجيال بمشهد (علي الأصغر بن الحسن عليهما السلام) والواقع على تل التوبة أو تل النبي يونس شرقي الموصل وعلى هذا التل الجامع المعروف بإسمه والذي أقيم على دير للنصارى كما صرحت بذلك كثير من المصادر التأريخية المعنية بتأريخ جوامع الموصل ومزاراتها وقد ذكرها الأستاذ (سعيد الديوه جي) في كتابه (جوامع الموصل في مختلف العصور).
وقد ذكر السائح الهروي في الإشارات والحافظ السروي الحلبي في كتاب المناقب بأنه يوجد في الموصل أيضاً مشهد كف الإمام – عليه السلام – وهو مشهد ظهرت فيه كرامة لأميرالمؤمنين – عليه السلام – يعتقد الناس أن فيها إشارة لزيارته لمشهد حفيده علي الأصغر ولذلك سميت المنطقة باسم (دوسة علي)، كما جاء في بحث الأستاذ (واثق الغضفنري) عن منارة الحدباء المنشور على المواقع الإلكترونية.
ولا يخفى مستمعينا الأفاضل أن نسبة هذا السقط الشهيد الى الإمام المجتبى – عليه السلام – هي من باب النسبة الى الأشهر، فهو ولا شك من أولاد أحد أبناء الحسن المجتبى الذين حضروا واقعة عاشوراء مع عمهم الحسين – صلوات الله عليهم أجمعين – لعله الحسن المثنى صهر عمه سيد الشهداء – عليه السلام –.
أعزاءنا المستمعين أما الحديث عن الشهيد المحسن ويحيى من أحفاد الإمام الحسن – عليه وعليها السلام – فسيأتيكم بعد أن نستمع لأخينا الحاج عباس باقري وهو يذكر الشواهد التأريخية على استهداف أشياع آل أبي سفيان إبادة كامل الذرية النبوية، تابعونا مشكورين...
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته. في الواقع لعل من اهم الشواهد الدالة على إستهداف بني امية الساعين لإمحاء اسم رسول الله صلى الله عليه وآله، للذرية النبوية الطاهرة بصورة كاملة، لجميع العيالات النبوية بصورة كاملة هو حمل الامام الحسين سلام الله عليه نفسه عائلته الكريمة، آل علي الطالبيين، حملهم الى كربلاء في تلك الرحلة. عندما أبى مبايعة الطاغية يزيد وقال "مثلي لايبايع مثله" حمل العائلة معه. حتى في رجز قاله سلام الله عليه قبل إستشهاده، حدد الهدف الصريح من قتاله بأنه احمي عيالات أبي. "أنا الحسين بن علي آليت أن لاأنثني احمي عيالات أبي أمضي على دين النبي". أحمي عيالات أبي أشارة الى هذا المعنى أن أشياع آل أبي سفيان وأن بني امية سعوا الى إمحاء الذرية النبوية ولو تركهم في المدينة لما سلموا من أذى يزيد وجلاوزة يزيد وسعيه إمحاءهم، هذا من الشواهد الأساسية، الشاهد الآخر طريقة ما أثبته المؤرخون أن يزيد عندما حملت السبايا اليه في الشام كان قد قرر في الواقع إبقاءهم في الشام حتى يبيدهم بصورة كاملة بموت بطيء والذي غير الأمر عليه خطب السيدة زينب عليها السلام والامام السجاد سلام الله عليه حيث تغيرت الأجواء وإنقلبت الشام على طاغيتها وحدث الأمر إضطر يزيد أن يلقي بمسؤولية قتل الحسين على إبن زياد كما ورد في المصادر التاريخية المعتبرة وأسرع بإرجاع السبايا الى المدينة وإلا كان قراره الأولي القضاء على السبايا. هذا شاهد آخر ولولا شهادة السيدة رقية بالخصوص بعد خطب زينب عليها السلام والسجاد عليه السلام وفضحهم للحقيقة الأموية لكان مصير ركب السبايا جميعاً القتل وبالتالي إبادة العترة المحمدية. بخصوص قتل الأجنة يعني إستهداف الأجنة، هناك عدة شواهد، تقريباً إتفق المؤرخون على أصولها منها طريقة حمل السبايا يعني حملت الفاطميات على أقتاب وفي لسان العرب والنهاية لإبن الأثير وغيرها من مصادر اللغة عرفوا القتب بأنه رحل خشبي صغير كانت نساء العرب تضعه على الأرض عند إقتراب الولادة لتسهيل أمر الولادة يعني بالأصل القتب ليس من المحامل وقد إبتدع بنو أمية وضعه على النياق وحمل الفواطم عليه لأنها خطة اوحى لهم بها الشيطان لكي يقوموا بقتل الذرية المحمدية. تصوروا أيها الأخوة والأخوات أن هذا القتب الذي كانت تضعه النساء العرب للجلوس عليه قرب الولادة على الأرض وهي ثابتة كيف تكون آثاره خاصة على الحوامل المقربات يعني قريبات العهد بالولادة وهن يسار بهن على نياق بلا غطاء ويجلسن ويحملن على هذه الأقتاب وهن على هذه الحالة، اذن كان إستهداف واضح. اضافة الى ذلك شاهد آخر وهي قضية الإسراع بسوق السبايا، هذا الأمر أشارت اليه الصديقة الصغرى زينب الكبرى روحي فداها عندما خاطبت يزيد، هذه العبارة وردت في خطبتها في مجلس يزيد برواية إبن منظور في بلاغات النساء بعبارة مهمة "تخدي بهن الأباعر" تعنف يزيد على طريقة حمله للعيالات النبوية "تخدي بهن الأباعر" عندما تراجعون كتب اللغة تلاحظون أن الخدو او الخدي هو السير السريع".
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات ونتابع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقديم الحلقة العاشرة من برنامج (شهداء السبي).
أيها الأكارم، كتب الأستاذ ثامر عبدالحسين العامري في كتابه (معجم المراقد والمزارات في العراق) تقرير ما شاهده في زيارته لمرقد المحسن بن الإمام المجتبى في مدينة الموصل وحديثه مع الشيخ عمر أكرم عبدالوهاب نجل إمام الجامع المعروف باسم صاحب المرقد، ونقل عن كتاب الشيخ عمر أكرم قوله عن صاحب المرقد ما نصه أنه (المحسن بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي – عليهم السلام) هكذا رؤي مكتوباً على باب مرقده الشريف بالخط القديم.
وتسمية صاحب هذا المرقد الشريف بالمحسن ونسبته الى الإمام الحسن – عليه السلام – يفتح باب احتمال قوي أن يكون سقطاً من شهداء السبي، استشهد جنيناً بسبب مشاق رحلة السبي المفجعة، فأطلق عليه إسم (المحسن) لمشابهة طريقة إستشهاده حالة عمه السقط الشهيد المحسن بن الصديقة الزهراء سلام الله عليها.
ويقوي هذا الإحتمال أن أياً من أولاد الحسن لم يأت الى الموصل قبل واقعة كربلاء، فتكون نسبته الى الإمام المجتبى نسبة الى الجد كما هو متعارف في تسميات الكثيرين من أبناء الأئمة – عليهم السلام – الذين شيدت لهم مراقد ومشاهد.
ومثل هذا الإحتمال يظهر بقوة تجاه صاحب المرقد المعروف باسم يحيى بن القاسم المقابل لمشهد المحسن بن الحسن في محلة الشفاء في الموصل على شاطئ نهر دجلة؛ فالمكتوب على ضريحه المقدس هي عبارة (هذا قبر يحيى بن القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام).
وقد جاء في عدة من المصادر أن أمه هي من بنات الإمام الحسين – عليه السلام – الأمر الذي يرجح بدرجة أقوى أن يكون ابن أحد أولاد الإمام الحسن المجتبى غير القاسم الذي لم يعرف أن له أولاد، فنسب يحيى بن القاسم لشهرته بين أولاد الحسن – عليه السلام –.
وقد نص المؤرخون على حضوره جميع أولاد الإمام الحسن – عليه السلام – واقعة كربلاء واستشهادهم بين يدي عمهم الحسين – عليه وعليهم السلام – باستثناء الحسن المثنى الذي أصيب بجراحات شديدة وأخيه زيد الذي كان صغيرا.
إذن فالراجح أن يكون السقط الشهيد يحيى صاحب هذا المرقد هو إبن أحد هؤلاء الشهداء كان طفلاً صغيراً مع أمه فاستشهد بسبب مشاق رحلة السبي المفجعة، أو أنه كان حملاً أسقطته والدته بسبب تلك المشاق والجراحات.
قال أحد أدباء الولاء في رثاء السادة الحسينيين من شهداء السبي في الموصل:
كم محسن من بعد محسن فاطمه
أسرى إليها والمدامع ساجمه
والركب بعد السبط أضناه السبا
ساقوه زجراً بالسياط الآثمه
وبنات طاها هتكت أستارها
حملت على أقتاب حقد حاطمه
كم محسن من آل أحمد صرعوا
في السبي من قرع الرماح الغاشمه
والشاهد السجاد يلهب كربه
مرأى الشهيد وخطب أم واجمه
سل موصل الحدباء من في تربها
قد حل من ركب السبايا الهائمه
تنبئك عن ولد الحليم المجتبى
قتلتهم أيدي النفاق الظالمه
شهداء زارهم علي فأنحنت
لمصابه الحدباء تبكي راحمه
شهداء قد لحقوا بمحسن فاطم
بدم الظليمة يعرجون لفاطمه
فتضم سيدة النساء ذحولها
تشكو ظلامتها وتندب رائمة
ولثأر فاطمة البتول وولدها
ذخر الإله بقية هي قادمه
وبهذا نصل، مستمعينا الأكارم، الى ختام عاشرة حلقات برنامج (شهداء السبي) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
شكراً لكم وفي أمان الله.