سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
أزكى التحيات نهديها لكم في مطلع الحلقة التاسعة من هذا البرنامج حيث نتابع فيها رحلتنا المعنوية مع عيلات النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – وهم يساقون أسارى الى الطاغية يزيد بعد استشهاد عميدهم الحسين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
ونصل في هذا اللقاء الى منزل (القادسية) أول المنازل التي أنزل فيها ركب السبايا بعد خروجه من الكوفة، وفي نواحي هذا المنزل كان استشهاد شهيدة صابرة أخرى من شهداء ملحمة السبي.
إنها مولاتنا المحمدية العلوية الفاطمية الحسنية"> الشريفة أم محمد بنت الحسن المجتبى – صلوات الله عليه وعليها –.
مستمعينا الأفاضل، في منطقة (أبو غرق الأوسط) التابعة لناحية (أبوغرق) من نواحي مدينة الحلة العراقية وعلى طريق الموصل الى كربلاء يقع مرقد مبارك إشتهر بإسم مرقد الشريفة بنت الإمام الحسن المجتبى – عليه السلام –.
والمشهور بين أهالي المنطقة يعرفها الناس بإسم أم محمد أو شريفة وأنها – عليها السلام – توفيت عند مرور ركب السبايا بهذه المنطقة وهم يساقون أسارى الى طاغية الشام بعد واقعة عاشوراء.
وتضيف هذه الرواية التي حفظها الوجدان الشعبي عبر أجياله أن هذه العلوية الحسنية المظلومة كانت عليلة فاشتد بها المرض أثناء الطريق فتوفيت في هذه المنطقة؛ وأن قبرها يضم إضافة الى جسدها الطاهر، جسد طفل صغير أستشهد معها وهما في طريق السبي الى الشام
ويحتفظ أرشيف الأوقاف العراقية بوثيقة هي عبارة عن نتيجة التحقيق الذي أجراه سماحة الشيخ محمد حيدر – رضوان الله عليه – بشأن هذا المرقد، وكان يومها وكيل المرجعية الدينية في مدينة الحلة وهو شقيق العالم الجليل الشيخ أسد حيدر مؤلف كتاب الإمام الصادق – عليه السلام – والمذاهب الأربعة.
وقد كتب الشيخ محمد حيدر بخطه نتائج تحقيقه في هذه الوثيقة قائلاً ما نصه:
حسب القرائن المستفادة من التسالم منذ قرون وعدم وجود المنازع في كون المرقد لغير هذه العلوية المباركة الشريفة وما دلت عليه خارطة المسح الجوي وقرار التسوية بتأريخ سنة ۱۹۳۸ ميلادية تحت رقم (۲۹) واعتماد مديرية الأوقاف العامة بتأريخ ٤/۹/۱۹٤۰ يتضح أن المرقد المذكور هو للعلوية شريفة بنت الحسن عليما السلام، والشهرة والسيرة كاشفة عن صحة إنتساب هذا المرقد الشريف وترتب الأثر الشرعي والقانوني لذلك والله الموفق لما فيه الخير والسداد.
ومن المعلوم أن مؤرخي السلطة اجتهدوا في التكتم على مجمل أخبار شهداء وقائع السبي المفجعة ومنع تناقلها كما أن الطواغيت سعوا عبر التأريخ لمحو آثار مشاهد هؤلاء الشهداء الحسينيين أو التعتيم على هوية أصحابها لكونها تمثل منارات القيام الحسيني المقدس وشواهد ناطقة بمظلومية العترة المحمدية تهدي الى موالاتهم والبراءة من أعدائهم أعداء الله سبحانه وتعالى.
ولكن الله جلت قدرته أبى إلا أن يتم نوره ومن مصاديقه أنوار شهداء السبي ومنهم مولاتنا الشريفة أم محمد بنت الحسن – صلوات الله عليها – ولذلك فقد جعل عزوجل مرقدها الشريف من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه يقضي فيه حاجات المتوسلين بها إليه عزوجل ويشفي المستشفين بها – سلام الله عليها – خاصة من الأمراض المستعصية.
نعم، وهذا أمر مشهور وشواهده متواترة فكثيرة هي حالات الشفاء الموثقة التي حصلت وتحصل ببركة التوسل بها – عليها السلام – حتى اشتهر بين الناس تسميتها بألقاب (طبيبة العلويين) أو (طبيبة المعلولين) أو موئل الكرامات ونظائر ذلك.
وقد نشرت كثير من وقائع هذه الكرامات في تقارير متعددة عن مرقد هذه العلوية الشهيدة، وفيها شهادات ميدانية مؤثرة تشير الى أن المتوسلين بها – صلوات الله عليها – من مختلف فئآت المجتمع ففيهم عالم الدين والأستاذ الجامعي والكسبة والأغنياء والفقراء والنساء والرجال.
فمثلاً كتب إحدى هذه الكرامات سماحة المبلغ الديني الشيخ محمد السمناوي وقائع الكرامة التي جرت له شخصياً وشفائه من مرض مؤلم في الغدة النكافية إستعصى على الأطباء وعرض في مقالة نشرها في موقع (كتابات في الميزان) الإلكتروني تفصيلات حالته وشفائه وشهادات الأطباء المتخصصين واختار لمقالته عنوان (الأطباء عاجزون والسيدة شريفة بنت الحسن قادرة بإذن الله).
كما نشرت عدة من المواقع التقرير الميداني للأستاذ مروان الفتلاوي الذي نشر فيه واقعة شفاء البروفسور علاء عبدالكريم المتخصص في الفيزياء الكيمياوية وقد كان يعاني من ورم خبيث في أسفل الكبد كلفه السفر للعلاج ولكن دون جدوى فعافاه الله منه بعد زيارته لمرقد هذه الشهيدة المظلومة والتوسل بها الى الله جل جلاله.
أيها الإخوة والأخوات، هنا نعرض السؤال التالي: إضافة الى الرواية المتسالم عليها في الموروث الشعبي بشأن كون هذه العلوية الزكية هي من شهداء السبي.
بل وإضافة الى الشاهد الوجداني المعبر عن النصرة الإلهية لها – عليها السلام – بإظهار الله كرامتها عليه وذلك بقضاء حوائج المتوسلين بها إليه عزوجل.
نسأل: هل توجد في نصوص المؤرخين وعلماء الأنساب ما يؤيد رواية الموروث الشعبي على أن صاحبة هذا المرقد هي بنت الإمام المجتبى – عليه السلام – وأنها من شهداء السبي؟
لنستمع معاً أيها الأفاضل لما يقوله أخونا الحاج عباس باقري في الإجابة عن هذا السؤال:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. كثيرة هي الشواهد التي يمكن إستخراجها من الكتب والمصادر التاريخية ومصادر كتب الأنساب التي تؤيد وتعزز هذه الرواية التي يحملها الوجدان الشعبي بشأن مرقد شهيدة السبي مولاتنا الشريفة أم محمد بنت الامام المجتبى، من هذه الشواهد ما ذكره علماء الأنساب والمؤرخين بشأن أولاد الحسن المجتبى فقد ذكروا من بناته خمس بنات توفين في أعمار مبكرة. تعبير إبن سعد في الطبقات، تعبير إبن عساكر في تاريخ دمشق وغيرها أنهن توفين او درجن حسب تعبيرهم وهن في مراحل بوصف الجارية يعني في عمر الجارية وهذه التعبيرات تفيد الى صغر أعمارهن وهذا الأمر ينطبق على أم محمد صلوات الله وسلامه عليها كما ينطبق عليها ما ورد في هذه المصادر من أن اكثر بنات الحسن المجتبى كانت أسماءهن كنى يعني أم الحسن، أم الحسين، أم الخير ومن ضمنهن أم محمد ايضاً ورد ضمن بنات الحسن، هذا ايضاً ينطبق على رواية الموروث الشعبي بأن السيدة شريفة لقبها الشريفة واسمها ام محمد. هذا بالنسبة لعلماء الأنساب وكتب التاريخ. من الشواهد الدالة ايضاً على ذلك النصوص الواردة على مرور ركب السبايا بمنطقة أم غرق التي تضم مرقدها الشريف، هذه المنطقة ايضاً وردت الكثير من الأدلة على أن ركب السبايا مر بها، هناك تحقيق جميل للأستاذ محمد عبد الغني السعيدي أورده في كتابه رحلة سبايا من كربلاء الى دمشق، رحلة سبايا آل المصطفى، شواهد تاريخية هذا العنوان الكامل للكتاب وقد أثبت طبقاً للتحليل التاريخي بأن ركب السبايا مر بمنطقة أم غرق وهذا ايضاً دليل آخر وشاهد آخر على صحة هذه الرواية بأن هذه السيدة الجليلة أستشهدت أثناء مرور السبايا بهذه المنطقة. هنالك شواهد اخرى ترتبط بقضية وجود دير في هذه المنطقة، هذا الأمر ايضاً ذكر. المرور بالقادسية يمر بمنطقة أبي غرق كما ورد في الخرائط المشيرة الى الطريق الذي قطعه ركب السبايا وقد ذكرت في المصادر التاريخية أن ركب السبايا قرب القادسية مر على دير وهناك دير ذكره العلماء كالحموي مثلاً في معجم البلدان حيث ذكر وجود دير بين الكوفة والقادسية يعرف بدير سرجس او بكس. على أي حال هذا فيما يرتبط بطريق السبايا. الشاهد الثالث شدة الجراحات التي أصابت الفواطم في الهجوم على المعسكر ويستفاد من هذا الأمر أن السيدة الشريفة أصيبت بجراحات شديدة بحيث أستشهدت وقضت نحبها في اول المنازل التي مر بها الركب بعد الكوفة. نصوص إستشهاد بنات الامام الحسن صلوات الله عليه، ام الحسن وأم الحسين عرفنا في حلقة سابقة بأنهن إستشهدن في الهجوم السفياني على المعسكر الحسيني وعادة الأخوات يكن في خيمة واحدة او في خيام متقاربة وفي مثل هذه الحوادث يخرجن معاً لحماية بعضهن البعض، هذا الأمر ايضاً يرجح كون هذه الشهيدة قد أصيبت بجراحات شديدة أدت الى إستشهادها في وقت مبكر يعني في المنزل الأول. اضافة الى نصوص طريقة حمل السبايا عليهن السلام، على أقتاب بدون غطاء ولا وطاء، كل هذه تؤدي الى جراحات شديدة تؤدي الى إستشهادهن. أما بالنسبة الى ماورد في الرواية الموروثة عبر أجيال المؤمنين بوجود طفل معها فمن المحتمل أن يكون إبن لها أستشهد إما قبلها يعني سقط جنيناً وإما أستشهد معها وهو القبر الشريف الذي يضمها يضم هذا الشهيد من شهداء السبي. وهناك مؤشرات ودلائل عدة اخرى تثبت هذه الحقائق منها ما أثبته بعض العلماء وطرح إحتمالاً قوياً بأن هذه السيدة هي زوجة علي الأكبر عليه السلام فتكون بالتالي من شهداء السبي وحاضرة معه في واقعة كربلاء.
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات ونتابع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقديم تاسعة حلقات برنامج (شهداء السبي).
وعلى ضوء ما تقدم يتضح أيها الأفاضل أن الشواهد التأريخية تؤيد رواية الوجدان الشعبي بأن صاحبة المرقد الطاهر في منطقة (أبوغرق) من نواحي مدينة الحلة العراقية هي من بنات الإمام الحسن المجتبى – عليه السلام – فقد صرح المؤرخون وعلماء الأنساب بوفاة خمس منهن في أعمار مبكرة كما في كتاب الطبقات لإبن سعد
: كما أن حضور عائلة الإمام الحسن – عليه السلام – في الركب الحسيني يؤكد حضورها هذه العلوية – سلام الله عليها – كسائر بنات المجتبى واقعة عاشوراء ثم فاجعة الهجوم البشع على المخيم الحسيني الذي استشهد فيه بسحق الخيول أختاها أم الحسن وأم الحسين إضافة الى عاتكة بنت مسلم كما تحدثنا عن ذلك في حلقات سابقة من البرنامج.
وقد أصيبت هذه الحسنية الجليلة كسائر الفواطم بجراحات شديدة في هذا الهجوم فهي – سلام الله عليها – من الفواطم اللواتي قضين نحبهن شهيدات بسبب تلك الجراحات وما بعدها من جراحات رحلة السبي القاسية
كما يترجح إستناداً للنصوص المتقدمة أن إسمها – سلام الله عليها – (أم محمد) ولقبها (الشريفة) وأطلق الناس عليها إسم شريفة تخفيفاً للقب وأن القبر المطهر الذي يضم جسدها الشريف يضم أيضاً وليدها وهو أيضاً من شهداء السبي، أما أن يكون سقطاً أو طفلاً صغيراً إستشهد بسبب مشاق رحلة السبي.
ويترجح من نصوص المؤرخين وعلماء الأنساب وكذلك من زيارات أئمة أهل البيت للشهيد علي الأكبر بن الحسين – عليهما السلام – أن هذه الشهيدة هي زوجته التي رافقته في القيام الحسيني المقدس ولحقت به في أول منازل السبي الى الشام بعد منزل الكوفة.
ويوم إستشهادها المستفاد من النصوص التأريخية هو حدود الثامن عشر من شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين للهجرة، لما ثبت أن الطاغية بن زياد قد أسرع في تسيير ركب السبايا الى الشام وإخراجه من الكوفة، كما أن سرعة إستشهادها – عليها السلام – تنبأ عن شدة الجراحات التي أصابتها في الهجوم على الخيام يوم عاشوراء وما بعده من وقائع السبي المفجعة
قال أحد أدباء الولاء من قصيدة في رثاء مولاتنا شهيدة السبي الشريفة بنت الحسن – عليهما السلام - :
لحليفة الشرف والمعلى والندى
سالت دموع الوجد يلهبها الأسى
لحفيدة الزهراء وزهرة قلبها
وكريمة السبط الحليم المجتبى
لخفيرة أدمى الفراق فؤادها
في كربلاء لفقد شبه المصطفى
ولفقد سيدها الحسين وكهفها
ولفقد أنجمه ينابيع الوفا
آه لأم محمد كيف اجترى
وغد على إدمائها كيف اجترى
علج على سلب الشريفة قرطها
فبكى النبي وفاطم والمرتضى
وبكى لها السبط الحليم بزفرة
تدمي الحشا ولطفلها سقط السبا
آه ترددها القلوب فخطبها
يبكي الملائك في السموات العلى
لشهيدة في السبي أثخن جرحها
بسياط أحقاد تمادت في الجفا
حتى قضت وكما البتول ربيعها
دامي الفصول يجلله الأسى
والى هنا نصل أيها الأكارم الى ختام تاسعة حلقات برنامج (شهداء السبي) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم جميل المتابعة وفي أمان الله