سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات.
أطيب التحيات نهديها لكم مستمعينا الأطائب في مطلع الحلقة السابعة من هذا البرنامج، نتابع فيها الحديث عما روته المصادر المعتبرة بشأن قصة استشهاد سبطي الإمام علي المرتضى وفلذتي كبد إبنته السيدة المظلومة رقية الكبرى سلام الله على أبيها وعليها وعلى إبنيها. إنهما الشهيدان الذبيحان" محمد الطاهر وإبراهيم المطهر شبلا السفير الحسيني مسلم بن عقيل – سلام الله عليه – تابعونا على بركة الله...
تقدم الحديث في الحلقة السابقة عن قوة واعتبار رواية الشيخ الصدوق – رضوان الله عليه – في كتاب الأمالي لقصة هذين الذبيحين المظلومين من شهداء السبي زنقنل القسم الأول من هذه الرواية وقد اتضح منها أنهما – عليهما السلام – قد أسرا بعد مصرع الحسين – صلوات الله عليه – والهجوم البشع على خيام عيالاته – عليهم السلام – وكان أسرهما بعد تسيير ركب السبايا الى الكوفة، ثم حملا الى الطاغية إبن زياد بعد خروج هذا الركب من الكوفة صوب الشام ولذلك قرر الطاغية أن يقتلهما بالموت البطيء فأمر سجاناً بأن يسجنهما بعيداً عن أعين الناس في مكان بعيد عن الكوفة ويضيق عليهما في المطعم والمشرب حتى يموتا، وأخفى عن السجان هويتهما لكي يضمن إلتزامه بالتضييق عليهما.
ومرت عليهما سنة في سجنهما المؤلم حتى أشرفا على الموت، فعرفا السجان بهويتهما وأنهما من العترة النبوية فاهتز مما سمع وندم على ما جناه بحقهما وقد رأى جميل سيرتهما وهما يصومان النهار ويقومان الليل على صغر سنهما إذ لم يتجاوز عمر الأكبر تسع سنين والثاني سبع سنين، فأطلق سراحهما، فسارا حتى وصلا دار إمرأة عجوز في البرية وقد جنهما الليل، فطلبا منها أن تضيفهما، فاستجابت وقد دخل حبهما قلبها لما رأته من جميل منطقهما ونورانية طلعتهما وما عرفته أنهما إلا أنها خافت عليهما من ختن لها فاسق كان مع جيش ابن زياد في واقعة كربلاء، جاء في تتمة الرواية قول الراوي:
فلما كان في بعض الليل، أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب.. فقالت العجوز: من هذا، قال: أنا فلا، قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك، إفتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي، جهد البلاء قد نزل بي؛ سألته: ما الذي نزل بك؟
فقال الفاسق: هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الأمير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما، فله ألف درهم، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم، آه لقد أتعبت فرسي وتعبت ولم يصل في يدي شيء!
وهنا سعت هذه العجوز الصالحة الى دفع الأذى عن الغلامين وقد شعرت باقتراب ما خشيت عليهما منه، فقالت لهذا الفاسق من شيعة آل أبي سفيان: يا ختني، إحذر أن يكون محمد خصمك في يوم القيامة.
فأجابها بعناد وحرص: ويحك، إن الدنيا محرص عليها
فذكرته بعذاب الآخرة قائلة: وما تصنع بالدنيا وليس معها آخرة؟!
فهددها بعقاب الطاغية ابن زياد وقد شعر بأن عندها علم بما يطلب، فقال: إني أراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الأمير شيئاً، قومي، فإن الأمير يدعوك!
قالت: وما يصنع الأمير بي وإنما أنا عجوز في هذه البرية؟
قال بغضب: إنما لي طلب، إفتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبها!
قال الراوي في تتمة الرواية: ففتحت له وأتت له بطعام وشراب، فأكل وشرب، فلما كان بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت فأقبل يهيج ويخور ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال الغلام: من هذا؟
أجاب الرجل بخشونة: أنا صاحب المنزل.
فأقبل الصغير يحرك أخاه ويقول: قم يا حبيبي، فقد – والله – وقعنا فيما كنا نحاذره
فقال لهما: من أنتما؟ قالا: إن نحن صدقناك فلنا الأمان؟
قال: نعم، قالا: أمان الله ورسوله، وذمة الله ورسوله؟
قال: نعم، فقالا: ومحمد بن عبد الله – صلى الله عليه وآله – من الشاهدين؟
قال: نعم، فقالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟
۲: قال: نعم، فقالا: يا شيخ، فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.
فكشف اللعين عن سريرته وقال بابتسامة صفراء وشماتة اللؤماء: من الموت هربتما والى الموت وقعتما، الحمد لله الذي أظفرني بكما.
فقام الى الغلامين فشد أكتافهما، فباتا ليلتهما مكتفين.
وقبل أن نتابع قصة استشهاد شبلي مسلم الذبيحين، نتساءل: كيف نفهم أن يحمد هذا الفاسق الله عزوجل، وينسب الظفر بهما إليه عزوجل؟
وكيف يفسر ذلك وعزمه على قتلهما بعد أن أعطاهما الأمان بمواثيق مؤكدة؟
وما الذي يُعيّر عنه كل ذلك؟
نتلمس الإجابة عن ذلك والدلالات المستفادة من هذه المشاهد إستشهاد محمد الطاهر وإبراهيم المطهر ونحن نستمع لما يقوله أخونا الحاج عباس باقري في الدقائق التالية:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. من الدلالات المهمة ومن الدروس المهمة التي إشتملت عليها ملحمة إستشهاد شبلي مسلم بن عقيل ابراهيم المطهر وأخيه الأكبر محمد الطاهر عليهما أفضل الصلاة والسلام أنهما كشفا للأمة ولأجيال المؤمنين نتائج الانحراف عن النهج المحمدي النقي. يلاحظ الأخوة والأخوات المتأملون في نص هذه الرواية أن قاتلهما الشقي قد مثل نموذجاً للنتاج الذي نتجه الشجرة الملعونة في القرآن الكريم، النتاج الذي أوجد حالة من الشخصية المتناقضة في جميع سلوكياتها الشخصية التي تطلب الآخرة حسبما تزعم ولكن بدنيا فاسدة يعني شخصية يكون الخسران المبين هو عاقبتها، شخصية مشبهة وبشخصية المرجى يعني أفكار المرجى التي روجها الأمويون، هذا الأمر أشار اليه الامام الحسين سلام الله عليه عندما دعاه مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله الى بيعة يزيد فقال عليه السلام "وعلى الاسلام السلام اذا بليت" وفي رواية "وقد بليت الأمة براع مثل يزيد". وقبل ذلك أشار عليه السلام في نفس هذا الحوار مع مروان الى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد امر المسلمين بقتل معاوية، قتل بني امية، أن ينزل بني أمية من المنبر من الطلقاء اذا رأوه على منبره. لم تفعل الأمة هذا الأمر، لم ترجع الى من امرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بإتباعه فكانت النتيجة أن معاوية الحزب الأموي والأئمة المنحرفين قد تولوا حكم المسلمين وتولوا صياغة اسلام جديد ليس هو الاسلام المحمدي، الاسلام المحمدي أراد يزيد قتله، الاسلام النقي سعى معاوية أن لايبقي منه شيئاً، هذا الاسلام نلاحظه في شخصية قاتلي طفلي مسلم، إحتجاجته عليهم بينه يعني ينقض العهود، يعطي الأمان ثم ينقض الأمان، يدعوانه الى التقرب الى رسول الله يرفض التقرب الى رسول الله برعاية عترته وبحفظ عترته ويتقرب الى طاغية فاجر مثل ابن زياد عرف بسفك الدماء وعرف بالإستهانة بأبسط المقدسات وإنتهاك أشد الحرمات الإلهية ثم كل ذلك ينسبه الى الله تبارك وتعالى، عندما إسترحماه، وهذا يثير المشاعر الانسانية لصغر سنيهما. قال ماجعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئاً. ينسب الظفر بهما ويحمد الله تبارك تعالى أنه ينسب الظفر بهما الى رحمة الله تبارك وتعالى، هذه هي أفكار المرجئ، الفكار التي أنتجها الانحراف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. الإبتعاد عن منهج أمير المؤمنين، هذا هو الذي أدى الى سيطرة التلبيسات الإبليسية على المسلمين وافكارهم بحيث يقول الامام السجاد سلام الله عليه " إزدلف الينا ثلاثون ألفاً يوم عاشوراء يتقربون الى الله بدماء ذرية رسول الله". وأي ذرية؟ ذرية معصومة، ذرية لم ير العالمون منها إلا الجميل، إلا السمو الأخلاقي، إلا الرأفة بالعباد. وهذا ما تجلى ايضاً في سيرة شبلي مسلم، هذين الشبلين الشهيدين الزكيين. كانا يقابلان هذا الجفاء من السجان بتلك العبارات الجميلة، من القاتل بالسعي لإنقاذهم بجميع الصور لعله يرعوي ولعله ينقذ نفسه من سوء العاقبة. هذه الحالة هي التي حذرت منها الصديقة الزهراء في خطبتها الشهيرة عندما زارتها نساء المهاجرين والأنصار، حذرت من أن الانحراف سيؤدي الى فتنة تؤدي الى سفك الدماء وهذا ما حصل بالفعل في واقعة كربلاء وما بعدها وما عاشه المسلمون، الأمر لم يقتصر الى الذرية الطاهرة بل شمل جميع المسلمين كما هو الحال وما نشاهده من الحركات التكفيرية التي تحي النهج الأموي وتمثل إمتداداً لقتلة الحسين وشهداء السبي في واقعة كربلاء وما بعد كربلاء.
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات ونتابع تقديم سابعة حلقات برنامج (شهداء السبي) تستمعون لها مشكورين – أيها الأطائب – من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
نعود لمتابعة رواية الشيخ الصدوق – رضوان الله عليه – في كتاب الأمالي لقصة إستشهاد شهيدي السبي محمد الطاهر وإبراهيم المطهر سبطي الوصي المرتضى الإمام علي – عليه السلام – ونجلي المولى مسلم بن عقيل – سلام الله عليه - ..
جاء في تتمة الرواية بعد ذكر تكتيف قاتلهما الشقي لهما وقد قبض عليهما في دار العجوز الصالحة؛ قول الراوي: فلما إنفجر عمود الصبح دعا غلاماً له أسود، يقال له فليح.
فقال له: خذ هذين الغلامين فانطلق بهما الى شاطئ الفرات وأضرب عنقيهما زائتني برأسيهما، لأنطلق بهما الى عبيدالله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.
فحمل الغلام فليح السيف ومشى أمام الغلامين [يجرهما وهما مكتفين] فما مضى غير يسير حتى قال له أحد الغلامين: ما أشيه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله – صلى الله عليه وآله -!
فهزت هذه الإشارة التكريمية قلب فليح العبد الذي لم يسمع من سيده ونظائره سوى عبارات التحقير والإستعلاء عليه؛ فطفق يسأل عن هويتهما وقد أشرف حبهما على الدخول الى قلبه، قال: مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟
قالا له: نحن من عترة نبيك محمد – صلى الله عليه وآله – هربنا من سجن عبيدالله بن زياد من القتل، أضافتنا عجوزكم هذه ويريد مولاك قتلنا.
وهنا إنقشعت عن قلب فليح العبد دعايات شيعة آل أبي سفيان وأذناب ابن زياد وعلم أنهم يسعون في إبادة العترة النبوية الذين رأى بنفسه جميل تكريمهم لعباد الله دون تفريق بين حر وعبد؛ فانكب يقبلهما وهو يقول:
نفسي لنفسيكما الفدا ووجهي لوجهيكما الوقا يا عترة نبي الله المصطفى والله لا يكون محمد – صلى الله عليه وآله – خصمي يوم القيامة.
قال الراوي: ثم دعا، فرمى بالسيف من يده ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر إلى جانب الآخر، فصاح به مولاه: يا غلام، عصيتني.
فقال: إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا منك بريء في الدنيا والآخرة..
وكان لهذين الشهيدين – سلام الله عليهما – موقف كريم في إنقاذ ابن قاتلهما من النار بموعظة بليغة، بعد أن أغراه أبوه لقتلهما، داء في تتمة الرواية قول الراوي:
فدعا الفاسق إبنه فقال:
يا بني، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محرّص عليها، فخذ هذين الغلامين إليك، فانطلق بهما الى شاطئ الفرات فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما لأنطلق بهما الى ابن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.
فأخذ الشاب السيف ومشى أمام الغلامين [يجرهما وهما مكتفين] فما مضى إلا غير بعيد حتى قال له أحدهما: يا شاب، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم.
جاءت هذه الكلمات القليلة مفعمة بروح الرحمة المحمدية والحرص على إنقاذ العباد من النار، فأثرت في قلب الشاب وهو يرى في سيمائهما نور اللطف وحب الخير للناس، فقال متسائلاً: يا حبيبيّ، فمن أنتما؟
قالا: نحن من عترة نبيك محمد – صلى الله عليه وآله – يريد والدك قتلنا.
وهنا احترقت إغراءات الوالد الفاسق، وأشرقت أنوار التوحيد في قلب الشاب، فأنكب يقبلهما ويقول: نفسي لنفسيكما الفدا يا عترة المصطفى.
ورمى بالسيف ناحية، وطرح نفسه في الفرات وعبر فصاح به أبوه. يا بني عصيتني.
فقال: لأن أطيع الله وأعصيك، أحب إلي من أن أعصي الله وأطيعك.
وكان لهذين الشهيدين موقف كريم أعظم في بيان عمق الرأفة المحمدية بالخلق وهما يسعيان لإنقاذ قاتلهما نفسه من النار.
وهذا ما نتناوله بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامج (شهداء السبي) يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران
نشكركم على طيب المتابعة ودمتم في أمان الله.