هو ذا الشهر المحرم وهذا اول يوم منه. يدخل الريان بن شبيب على الامام علي ابن موسى الرضا صلوات الله عليه، فيقول له الامام فيما يقول: يا ابن الشبيب ان المحرم هو الشهر الذي كان اهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال؛ لحرمته... فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها.
لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسلبو نساءه وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك ابداً.
ثم قال الرضا سلام الله عليه لابن شبيب: يا ابن شبيب، ان كنت باكياً لشيء فاٌبك للحسين بن علي بن ابي طالب؛ فانه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من اهل بيته ثمانية عشر ما لهم في الارض شبيهون.
وظلّ مقتل الامام الحسين (ع) نزفا ً متدفقا ً من العيون والقلوب على امتداد الاجيال والقرون.
نستمع الى صوت علي بن عبد العزيز الخليعي ... آتيا ً من أغوار القرن الثامن:
جفون لا تملُّ من الهمول
وجسم لا يفكُّ من النحول ِ
وقلب لا يفيق من الرزايا
لتذكار القتيل ابن القتيل ِ
قتيل اورث المختار حزناً
وأذكى النار في قلب البتولِ
قتيل وهو يسري والمنايا
امام الركب تسري بالحمول
قتيل بالطفوف اطال نَوحي
وأسلمني الى الحزن الطويل
بنفسي وهو يسري مستدلا ً
وضوء سناءه هَدْيُ الدليل ِ
يقول: ألا اخبروني ما اسم أرضٍ
أراني كارهاً فيها نزولي؟
أبينوا... ما اسمها المشهور عنها؟
فقالوا: كربلا يا ابن البتولِ
فقال: هي البلاء، وفي ثراها
تُريق دماءنا ايدي السُّفول
بها تضحي اعزتنا اسارى
يلوح عليهم حرب الذليل
بها تُسبى كرائمنا، وفيها
يتامانا تعثرُ بالذيول
ويواصل الشاعر توصيف محط الرحال الحسينية في كربلاء:
ألا حطوا رحالكم وقيلوا
فليس من المنية من مقيل ِ
ومن رام النجاة وحاد عني
الى الدنيا ففي دعة الجليل ِ
ومرَّ مشمِّراً للحرب، يسطو
على الابطال بالسيف الصقيل
فلما أثخنوه وخرَّ مُلقىً
وراح المهر يعلن بالصهيل
برزن الطاهرات مُهتكات
حيارى لايفقن من العويل ِ
ونادت زينب لمّا رأته
يجود بنفسه تحت الخيول:
أخي هل للسبايا من ولي ٍ؟
أخي هل لليتامى من كفيل؟
وخرّت فوقه، تُلقي دماه
براحتها على الخد الاسيل ِ
وتدعو أمها الزهراء وتطفي
بسحِّ دموعها حرَّ الغليل ِ:
ألا يا أ ُمِّ قومي واسعديني
على نكبات دهري واندبي لي
الا يا ابن النبي ومن هداني
بحبكم الى النهج السبيل ِ
مصابك يا قتيل الطف أدمى
جفوني، لا البكاء على الطّول ِ
وبعدي عن مزار ثراك أضنى
فؤادي، لا مفارقة الخليل ِ
لقد بلغ المُنى عبد عطفتم
عليه، وفاز منكم بالقبول