سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات..
أهلاً بكم ومرحباً في رابعة حلقات هذا البرنامج الذي خصصناه لتخليد ذكر الشهداء من السبايا الذين قضوا نحبهم مظلومين في فاجعة السبي الأموي للعيالات النبوية بعد مصرع السبط المصفى سيد الشهداء – عليه السلام -.
وحديثنا في هذا اللقاء عن صبيين من أسباط الوصي المرتضى علي – عليه السلام – أستشهدا في ليلة الحادي عشر بسبب شدة العطش وجراحات هجوم شيعة آل أبي سفيان على المخيم الحسيني بعد مصرع عماده الحسين – عليه السلام –
إنهما شهيدا العطش سعيد وعقيل إبنا الشهيد عبد الرحمان بن عقيل والشهيدة خديجة بنت أميرالمؤمنين عليهم جميعاً صلوات الله.
مستمعينا الأفاضل، نص عدة من المؤرخين وأصحاب المقاتل على ذكر هذين الشهيدين من السبايا المحمديين الذين استشهدوا بحربة العطش الذي فرضته على الحسين وآله عساكر البغي الأموي.
وبالطبع فإن من المحتمل أن يكون ثمة شهداء آخرون استشهدوا بهذه الحربة اللئيمة لم يذكروا بسبب التعتيم على أخبار فاجعة السبي المؤلمة.
وقد ورد ذكر شهادة هذين المظلومين من شهداء السبي في مصادر عدة منها (مقتل الحسين) للعلامة الشيخ حسن بن سليمان الشويكي – رضوان الله عليه – وقد نقل خبرهما عن كتاب (المنن) للشيخ عبد الوهاب الشعراني ضمن ترجمة والدها الشهيد قبلها وقبل مولاه الحسين – عليه السلام – يوم عاشوراء، قال:
">وعبد الرحمان بن عقيل.. قتل مع الحسين عليه السلام بالطف وإبناه سعيد وعقيل كانا معه، وماتا من شدة العطش ومن الدهشة بعد شهادة الحسين لما هجم القوم على المخيم للسلب، وأمهما خديجة بنت علي بن أبي طالب توفيت بالكوفة.
وخبر استشهادهما نقله بتفصيل أكثر العلامة الفقيه الزاهد والمتعبد آية الله السيد محمد علي الحسيني – وهو من مشايخ آية الله السيد المرعشي النجفي -؛ وجاء في كتابه القيم (الإيقاد في مقتل الحسين عليه السلام) نقلاً عن كتاب (مقتل الحسين عليه السلام) لإبن العربي، قال السيد الحسيني – رضوان الله عليه -:
"لقد مات طفلان عشية يوم العاشر من أهل البيت، من الدهشة والوحشة والعطش، قال [الراوي]: ذهبت زينب – عليها السلام – لجمع العيال والأطفال، فلما جمعتهم، إذا بطفلين قد فقدا فذهبت في طلبهما، فرأتهما معتنقين فلما حركتهما فإذا هما قد ماتا عطشاً.
ولما سمع بذلك العسكر، قالوا لإبن سعد: رخص لنا في سقي العيال، فلما جاؤوا بالماء كان الأطفال يعرضون عن الماء ويقولون:
كيف نشرب وقد قتل ابن رسول الله عطشاناً.
أيها الإخوة والأخوات، وقد نقل آية الله السيد محمد تقي رضوان الله عليه عن بعض كتب المقتل الحسيني أن الإمام الحسين – عليه السلام – كان قد أوصى أخته العقيلة زينب – سلام الله عليها – وجمعهم عند هجوم العدو على خيامهم، فلما خرجت تتفقدهم بعد الهجوم وجدت هذا الشهيدين ميتين تحت شجرة الأمر الذي يشير الى شدة العطش قد ألجأتهما الى ظل تلك الشجرة عسى أن يجدا فيه بعض البرد.
أما العلامة المتتبع الشيخ محمد مهدي الحائري فقد ختم نقل خبر استشهادهما – عليهما السلام – بإشارة الى أن فيه تصديق لما أخبرت به الأحاديث القدسية من قبل، قال رضوان الله عليه في كتابه القيم معالي السبطين ضمن إحصائه لعدد المرافقين لسيد الشهداء في رحلة الشهادة والسبي:
"نقول في عدد هؤلاء الكرام الذين ذكرناهم من الكتب المعتبرة.. والذكور ما دون البلوغ إثنان وعشرون لم يراهقوا، فبين من قتل منهم يوم الطف وبين من مات من شدة العطش والدهشة بعد شهادة الحسين – عليه السلام – وهما:
سعيد بن عبدالرحمان بن عقيل.. وأخوه عقيل.. وأمهما خديجة بنت علي – عليه السلام – التي توفيت بالكوفة، أستشهدا لما هجم القوم على المخيم للسلب كما أخبر الله عزوجل بذلك موسى – عليه السلام – حيث قال:
يا موسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش.
أعزاءنا، ما هي دلالات ذكر الأحاديث القدسية مسبقاً لحربة تعطيش الحسين وآل الحسين عليه وعليهم السلام؟
وما الذي يعبر عنه استخدام البغي الأموي لهذه الحربة اللئيمة التي تدينها جميع القيم الإنسانية؟
نتلمس الإجابة من النصوص الشريفة ونحن نستمع لما يقوله أخونا الحاج عباس باقري في الدقائق التالية:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأفاضل ورحمة الله وبركاته .
هنالك حديث قدسي شريف ومهم يشتمل على عبارات نيرة تبين جوانب مهمة من القيام الحسيني المقدس وكذلك معاناة شهداء السبي ودورهم في هذا القيام، هذا الحديث القدسي نقله العلامة المجلسي في البحار عن بعض الكتب التفسيرية المعتبرة. أنا أقرأ جانباً من هذا الحديث القدسي، مضمونه أنه عندما ذهب موسى لمناجاة ربه في الطريق رآه اسرائيلي كان قد أذنب ذنباً عظيماً فقال له يانبي الله أذنبت ذنباً عظيماً فإسئل ربك أن يعفو عني، هذا الطلب عرضه موسى على ربه الأعلى، ربه الكريم فأجابه تبارك وتعالى. ورد في الرواية أنه قال تعالى: ياموسى أعفو عمن إستغفرني إلا قاتل الحسين!
هذه العبارة "إلا قاتل الحسين" دفعت موسى أن يسأل ومن الحسين؟. الآيات التي تحمل مجموعة كبيرة من الأحاديث تصرح بأن الله تبارك وتعالى أخبر أنبياءه بما سيجري على الحسين عليه السلام لأن الحسين أسوة للأولين وللآخرين، أسوة للأنبياء والأوصياء، أسوة للجميع بإعتباره النموذج الأعلى للفداء في سبيل الله تبارك وتعالى. ضمن هذا الحديث، عندما عرفه الله تبارك وتعالى كليمه بما سيجري على الحسين عليه السلام فقال: "فيبقى ملقى، يعني جسد الحسين عليه السلام على الرمال من غير غسل ولاكفن وينهب رحله وتسبى نساءه ويقتل ناصره" الى أن يقول: "ياموسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يعني الإنكماش ايضاً نتيجة للعطش يعني العطش يؤدي الى صعوبات شديدة وآلام شديدة لدى الكبار ويؤدي الى قتل الصغار. "يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر ولامجير" هذا التعبير يشير الى أهمية العطش وآثاره يعني الحراب الأساسية التي استخدمها بنو أمية في فاجعة كربلاء. هذا الأسلوب في الحقيقة يعبر عن غاية اللؤم من جهة وغاية الضعف. إنعدام الأخلاقيات، أخلاقيات الفتوة، اخلاقيات الرجولة. هذا الأمر نجده في بني امية على العكس نجده عند المعسكر الحسيني، المعكسر العلوي، بنو أمية في معركة صفين عندما سيطروا على المشرعة أرادوا أن يمنعوا جيش الامام علي عليه السلام عن الاستفادة من الماء ولكن الامام علي عليه الصلاة والسلام بعث إبنه العباس والحسن والحسين عليهم جميعاً سلام الله الى المشرعة فكشف عنها الأمويون وسيطروا عليها، إثني عشر ألف فارس أموي أزاحوهم عنها، هنالك ظهرت الفتوة العلوية. معسكر الامام علي عليه السلام وجيشه طلبوا منه أن يمنع الجيش الأموي عن الماء كما منعوه هم، هذا ما رفضه الامام علي عليه السلام ليفضح ويبين حقيقة الأمويين وما إرتكبوه من إنتهاك للحرمات الإلهية بل ولأبسط القيم الانسانية في يوم عاشوراء وفي فاجعة السبي المؤلمة.
كانت هذه توضيحات أخينا الحاج عباس باقري فشكراً له وشكراً لكم أيها الأطائب وأنتم تتابعون رابعة حلقات برنامج (شهداء السبي) تستمعون لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران
نتابع الحديث عن شهيدي العطش من شهداء السبي، وقد اتضح من نصوص المؤرخين التي نقلناها، أنهما من صغار أسباط الإمام علي – عليه السلام – من ولد عبد الرحمان بن عقيل وخديجة بنت أميرالمؤمنين عليه السلام.
أما عن والدي هذين الشهيدين، فعبدالرحمان هو من أوائل الطالبيين الذين تقدموا للجهاد ببسالة الغيورين بين يدي الحسين – عليه السلام – وهو صاحب الرجز الإيماني الخالد الذي كان يردده في القتال هاتفاً:
أبي عقيل فأعرفوا مكاني
من هاشم وهاشم إخواني
فينا حسين سيد الأقران
وسيد الشبان في الجنان
هذا حسين شامخ البنيان
وسيد الشيب مع الشبان
وكان عمر هذا الشهيد عند مصرعه خمساً وثلاثين سنة، وقد حمل رأسه الشريف على الرماح مع رؤوس الشهداء وسيدهم الحسين – عليه وعليهم السلام – وأخذ مع السبي المحمدي الى الطاغية يزيد.. وورد سلام إمام زماننا المهدي – عجل الله فرجه – في زيارة الشهداء.
أما أم هذين الشهيدين فهي كما تقدم خديجة بنت أميرالمؤمنين عليهما السلام، وهي أيضاً من شهداء السبي استشهدت متأثرة بجراحاتها عند وصول ركب السبايا الى الكوفة فخلد الله مثواها المقدس في المشهد المعروف مقابل مسجد الكوفة الأعظم وسيأتي الحديث بإذن الله في الحلقة المقبلة عنها – صلوات الله عليها –
ويتضح من نصوص المؤرخين أن العامل الأساس لإستشهاد ولديها سعيد وعقيل هو العطش الشديد مقروناً بالجوع وبجراحات ما أصابهم سائر آل الحسين في الهجوم الشرس على الخيام كالضرب بالسياط ورفس الخيول وإصابات لهيب النار عند حرق الخيام والسير على الرمضاء اللاهبة.
ويظهر من النصوص التأريخية وما ذكرته من أن العقيلة زينب – عليها السلام – قد وجدتهما متعانقين أنهما قد أصيبا بإصابات بليغة أيقنا معها بالموت، فعمد كل منهما الى تخفيف آلام الآخر بمعانقته، أو أن كل منهما سعى لدفع المزيد من الجراحات عن الآخر باحتضانه حتى قضيا نحبهما وهما على هذه الحالة صلوات الله وسلامه عليهما.
أيها الأكارم ومسك ختام اللقاء أبيات لأحد أدباء الولاء في رثاء شهيدي العطش يقول فيها:
هدر الزلال مؤبناً بعويل
يبكي لخطب سعيدهما وعقيل
يحكي ظليمة من قضوا قتلى الظما
من عترة المبعوث بالتنزيل
للمرتضى سبطان في عمر الصبا
لحقهما بخالهما بلا تغسيل
كأس الشهادة كان ريهما الذي
به يسقيان ببكرة وأصيل
عطشاً يفتت منهما كبد الصفا
بحصار لؤم أمية ونصول
طفلان من آل الحسين سباهما
في يوم عاشوراء شر قبيل
فدهاهما ريب المنون بليلة
من بعد عصر بالجراح ثقيل
يا آه زينب إذ رأت جسديهما
متعانقين على ثرى التقتيل
لهفي لأمهما خديجة حيدر
تسترجع الآهات بالتهليل
تهديهما وهما سكينة قلبها
لرضيع طهر ظامئ وقتيل
فتجيبها الثكلى الرباب بلوعة
تبكي لخطب سعيدها وعقيل
لنظل ننعى في أسى قتلى الظما
في ندبة للثائر المأمول
تقبل الله منكم أيها الأطائب طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (شهداء السبي) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
شكراً لكم وفي أمان الله.