نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة وهو الدعاء الذي يتلى بعد فريضة العصر من يوم الجمعة ومطلق الزمن والوقت وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (اللهم اكف وليك وحجتك في ارضك هول عدوه وكيد من اراده وامكر بمن مكر به). وقد حدثناك عن الفقرة الاولى من هذا النص وهي اللهم اكف وليك وحجتك في ارضكهول عدوه ونحدثك الان عن الفقرة بعدها وهي وكيد من اراده وامكر بمن مكر به هذه العبارة تتضمن كما تلاحظ ظاهرتين هما الكيد والمكر أي كما توسل الدعاء في فقرته الاولى بالله تعالى بان يكفي وليه وحجته هول عدوه كذلك يتوسل به تعالى بان يكفيه كيد من اراد الامام(ع) وان يمكر تعالى بمن مكر بالامام(ع) وهاتان الظاهرتان تحتاجان الى شيء من القاء الانارة عليهما نقف مع الظاهرة الاولى وهي التوسل بالله تعالى بان يكفي الامام(ع) كيد اراده فماذا نستخلص منها؟ بخاصة ان الفقرة التي تليها تتحدث عن المكر بحيث تدع قارئ الدعاء متسائلاً ما هو الفارق بين كيد العدو وبين مكره؟
اذن لنتحدث اولاً عن الكيد ودلالته .. والكيد هو ارادة السوء اواعمال الخبث بالاخر وتمثل ارادة السوء في ممارسات علنية وسرية يلحقها العدو بمن يهدف اذاه كما يقترن الكيد بشيء من المخادعة أي الكيد هو ارادة السوء واقترانها بشيء من المخادعة واما المكر فعلى الضد من ذلك أي ان الخديعة هي عصب الكيد مع ارادة السوء فيكون المعنى بالنسبة الى الكيد والمكر هو ان احدهما يغلب عليه جانب ارادة السوء والثاني يغلب عليه جانب الخديعة ولكن كليهما يحملان خديعة وسوءاً بنحو عام.
والسؤال هو ان فقرتي الدعاء تتوسلان بالله تعالى بان يكفي الامام(ع) كيد عدوه وان يمكر بمن مكر به نقول السؤال هو لماذا طلب الدعاء بالنسبة الى كيد العدو ان يكفي الله تعالى وليه كيد العدو بينما طلب او توسل بالله تعالى ليس بان يكفي وليه هول عدوه بل بان يمكر الله بعدوه بمثل ما مكر به العدو للامام(ع) هذا ما ينطوي على نكات يحسن بنا ان نعرض لها.
قلنا ان الكيد هو ارادة السوء ولذلك قال الدعاء اكف وليك وحجتك كيد من اراده أي اراد السوء بالامام(ع) ولكن بالنسبة الى المكر بما انه ينطوي اساساً على الخديعة والحيلة ونحوهما فان مقابلة الخديعة بمثلها يتطلبها الموقف كيف ذلك؟
لنلاحظ مثلاً ان يوسف(ع) سلك مع اخوته بعد ان اصبح اميناً مكيناً على خزائن الارض سلوكاً مقابلاً لما سلكه الاخوة حياله من حيث اختلاقهم لحادثة الذئب حيث جعل السقاية في رحل اخيه ثم قال قائل ايتها العير انكم لسارقون، فكان تقابل بين الموقفين لمجرد ان الطرف الاخر مارس خديعة وتصور انه حقق بذلك نصراً، هنا بالنسبة الى عدو الامام المنتظر(ع) فان الاعداء وهم كثيرون من ملحدين وعلمانيين ومشككين وكتائبيين منحرفين ونواصب الخ، لم يكتفوا بممارسة الاذى المادي او المعنوي الظاهري بل تجاوزوه الى الحيلة والى الخداع ونحوهما من الممارسات التي يخدعون بها الراي العام بمشروعية مواقفهم حيث يحسبون بانهم يخدعون الناس وينتصرون بينما هم يخدعون انفسهم في الواقع وان كانوا يخيل اليهم بالنصر في مواقفهم في دنياهم العاجلة دون ان يكتشفوا في النهاية او اليوم الاخر او اليوم الموعود للمنتظر(ع) ان خداعهم وحيلهم سوف تنكشف بوضوح امام الملأ.
اذن عندما استخدم الدعاء حيناً عبارة الكيد وحيناً آخر عبارة المكر انما استهدف من وراء ذلك ان يبين بان الموقف العدائي المكشوف او المقترن بالحيلة يظل على يد الامام المهدي(ع) مقضياً عليه من خلال القضاء على العدو مباشرة او المكر بمن مكر بالامام(ع).
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا لخدمة الامام(ع) ويوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******